الجمعة، 21 مارس 2008

عنوان



بين طرفي نقيض أسير , نقطة بين جملتين متعاكستين أكون .
أحياناً , من فرط الشفافية يكاد الضوء يعبرني , أو أكاد أنا أن أعبره , ومرات من قسوة الإعتام , أتحول لثقب أسود , أمتص كل من يقترب مني , لا أبقي ولا أذر .
أحياناً , أكون كملاك , محض نور , وقبل أن أستشعر نفسي , وأهنأ بما أصبحت عليه , يتبدل الحال فألتهم نفسي بنفسي كل مرة . حين يشتد نوري , ينقلب ناراً .
و على ثلاث نقلات , أكون مع السماء ,
أكاد أكون نبياً في الأولى , ينقصني الوحي حتى أكتمل , وأخرى أتحول فيها شيطاناً , يمنعني وجود إبليس فعلاً , أن أكونه .
والأخيرة , لا هذا ولا ذاك .. بلا معنى أكون , وبلا معنى أفعل .
في نهاية شجارنا الأخير , صرخت ..بجنون فعلت .. بجنون أدميتها , بجنون تحولت لإبليس , الذي إختفي رعباً حين رآني ..
في نهاية شجارنا الأخير , لم أضربها , لم ألمس جزءاً منها حتى , لم أفعل لأني متمسك بناري التي صرت عليها ,
النار لا تضرب , النار , فقط , تحرق . النار , فقط , تقتل .
بعد أن أتممت إلتهامها , مخلفاً ورائي رائحة لحم آدمي , في تمام نضجه , نظرت لي والمياة تطفر من عينيها , نظرت لها مبادلاً نظرتها, بسخرية , نظرتُ بمقت , نظرتُ بإحتقار .. توقفت عينيّ ,أصل ناري , على دموعها , هل تتوقع أن تطفئني بهذه البساطة .
_ " أين أنت ذاهب الآن ؟ "
قالت ,
وأنا أقف على حافة باب بيتنا , جهنم الأرض .
لم أعرها إلتفاتاً , هي الآن تتلاشى من أمامي بلا حدود .
أغلقت الباب خلفي في منتهى الهدوء .
ظللت واقفاً , أنظر للباب الذي يفصلنا الآن .. متأملاً تلك الرسوم القبيحة لميكي الملصق , وقلت فجأة مجيباً :
_ " النار " .

الأربعاء، 19 مارس 2008

حكاية


في البدء كانت فاطمة
وبعدها , تكونت عناصر الأشياء .
النار , والتراب .
والمياة , والهواء .
وكانت اللغات , والأسماء ..
والصيف , والربيع
والصباح , والمساء ..
وبعد عيني فاطمة
اكتشف العالم سر الوردة السوداء
وبعدها .. بألف قرن ٍ
جاءت النساء


(فاطمة _ نزار قباني )

الاثنين، 17 مارس 2008

.. خلاص


وهي كانت مرتبكة مثلي , أكثر مني ربما ..
كنت أنا من على وشك البكاء , دموعي بدأت تحتشد في مقلتيّ , وبشكل يوحي أن الإنفجار سيكون بشكل أسرع مما تتخيل .
هي بدت وكأنها تنتظر إعصاراً لا تعرف من أين سيأتي .. تنظر لليمين , ثم لليسار ثم تميل نحوي , تقول فجأة :
_ " طيب إشرب مية " .. ثم تحمل الكوب وتمده لي وكأني لا أستطيع أن أفعل :
_ " طيب إشرب بس "
أهز رأسي محاولاً بحق أن أتماسك , محاولاً أن أجنبها وأجنب نفسي ذلك الإحراج الغريب الذي سنشعر به لابد .. وهي لا تزال على حالها , تستمر في حالة الفزع التي تسيطر عليها , ثم تسكن فجأة وهي تقول :
_ " ما تعيطش بس والنبي "
عند هذه الجملة بالذات , قضي الأمر , وبدأت في البكاء .. ثم تصاعد البكاء إلى نحيب لا لبس فيه , أحاول أن أوقف نفسي فلا تؤدي محاولاتي إلا للمزيد والمزيد .. أغطي وجهي , وأستشعر ملمس الدمع اللزج , فيؤلمني هذا , فأستمر بشكل أقوى .
ثم شعرت بيدها على كتفي , كانت متوقفة عند منكبي وكأنها لا تعرف ماذا تفعل . ثم بدأت تحركها على كتفي .
تربت بعصبية وهي تشهق :
_ " طيب خلاص .. عيط خلاص .. عيط .. خلاص بقا " .

الجمعة، 14 مارس 2008

.. حقيقة الأمر


بطريقة ما , تم إقناعي بأنه من الجميل أن أخصص نغمة معينة لكل شخص يتصل بي , بكثرة أو باعتدال , ولكنه يعني لي شيئاً .
في النهاية قمت بهذا فعلاً بعد أن تكرر الطلب من أكثر من واحد , وبشكل جعلني أدرك أنني أنا الغريب , وأن هذا هو فعلاً الطبيعي .
لفترة لا بأس بها , كان هاتفي يصدر كل الأصوات الممكنة , والمختلفة , بشكل يتناسب مع شخصيات المتصلين ,
فيروز , تتحدث عن " الطير الطاير على أطراف الدني " كلما حادثتني أمي , بوب مارلي و هو ينصحني أن : " no woman no cry " كلما أتصل أحد أصدقائي , الجيتار في أحيان , والعود في أحيان أخرى .
(عمري معاك) كلما أتصل صديقي الذين يهيم بهذه الأغنية , لأن خطيبته تهيم بهذه الأغنية ,
صديقي المقرب بطبيعة الحال كان المعادل له هو تتر مسلسل "friends " ,
حتى أبي الذي لم يبد اهتماما بهذا الأمر , كان كلما أتصل تعالى صوت الـ" bloom " الذي يضعه هو نفسه كنغمة لهاتفه , وإن كانت لا تروقني كثيراً
لم يتغير الوضع إلا بالأمس فقط . أعدت كل شيء كما كان في الأصل .
حدث هذا بمجرد أن سمعت صوت نغمتي أنا , نغمة الهاتف الأصلية . بدا لي مفاجئاً أنني لم أسمع موسيقى (البنت الشلبية) لمارسيل خليفة منذ فترة لا بأس بها , وحين نظرت للرقم الذي يطلبني , وجدت أنه رقم بلا إسم .. أي لا أعرفه .
قمت بإعادة كل شيء كما كان , بمجرد أن أجبت , وأنا مندهش من الذي يتصل , وسعيد لأنه يفعل , وسمعت صوت امرأة يصرخ بعصبية شديدة :
_ " أين أنت يا حيوان , الدرس انتهى منذ ثلاث ساعات , امتحاناتك بعد شهر ونصف يا عديم الدم والإحساس ! "
بمجرد أن أغلقت هي الخط معتذرة , قمت بإزالة كل النغمات الخاصة عندي .
ولكن ما ضايقني بالفعل , أن أول اتصال بعد التغيير كان منها , مرة أخرى , بعد إغلاقها الخط بدقائق , وهي تعاود الصراخ :
_ " أين أنت يا حيوان كل هذا الوقت ؟! "

الخميس، 6 مارس 2008

تعرفين


تعرفين هذه الأيام بالطبع .
حين يتلخص اليوم كله في إنتظار أشخاص آخرين .. تعرفين طبعي الغريب في رفض الإنتظار .. ألعن لحظات عمري التي يمكن أن أقضيها , ربما كان التعبير الأفضل : أن أهدرها .
هذا كان يومي .. من الممكن أن تضيفي على سوءه , أنني أنتظر مسافرين , وتعرفين وسواسي القهري الذي يتعلق بالسفر ..
تحدثنا طويلاً عن هذا .. أذكر .
محطة القطار هذه المرة , آخر مرة رأيتك كانت هناك .. ها أنا أجلس منتظراً خارج المحطة تلك , في الحديقة تحديداً ..
أتصلت بهم منذ قليل , وقالوا انهم في الطريق .. لا أعرف كم سيستغرق الأمر لكني أقدر أنهم لن يتأخروا .
المشكلة أنهم فعلوا .
أتصلت مرة أخرى بهم , لا بد أنك تفكرين الآن أنني حقاً في حال مأساوي .. لكنك تعرفين , هذا ما يهون الأمر قليلاً .. أنت تعرفين أنني على قدر ما أكره أن يتصل بي شخص وأنا في طريق السفر , ليسألني أين أنا الآن , على قدر هذا .. على قدر ما أفعل هذا الأمر بغزارة ..
هل أفعل هذا بغزارة حقاً ؟!
حسناً , كانت هذه هي المرة الثالثة حين أجاب أحدهم أنهم قادمون , قيلت لي جملة : " إهدا شوية " .. فشعرت أنني سخيف فعلاً , ولحوح كذلك , تعرفين أنني أكون لحوحاً , وسخيفاً في أحايين كثيرة .. لماذا لا أهدأ ؟ .
أعود لأجلس على مكاني في الحديقة التي تواجه المحطة .. كان الإتفاق على مكان معين , أراه الآن بعيني , وأنتظر أي ملمح أعرفه ,
كان قد مضى وقت طويل منذ جلست لأنتظر أول مرة .. بدأت الشمس في ممارسة هوايتها , وتعكير حياتي .. لهذا تحركت ..
تركت مكاني , وتوجهت مباشرة لبائع الصحف على الرصيف البعيد قليلاً .. أعرف هذا المكان رغم أنني نادراً ما أشتري منه شيئاً ..
عدت لمكاني , حاملاً صحيفة واحدة , وقلقاً أحاول أن أكبحه .. تعرفين هذه الأمور .
هل أبالغ فعلاً ؟
بعد أن أنتهيت من القراءة , بدأت أشعر أن رأسي تحترق .. نحن في الشتاء كما أتذكر , لكن الشمس لها رأي آخر .
حين وضعت الجريدة فوق رأسي , وأنا أفكر في مدى سخف هذه الحركة , قال لي الجالس بجواري :
_ " ممكن الجرنان "
تعرفين أنني أكره من يطلبون مني شيئاً يخصني , تعرفين أنني طفل في هذه المواضيع , أحب أن أعطي الناس أشياء تخصني , لكني أكره أن يطلبوها هم .
ولكن المشكلة , كما تعرفين , أنني لا أستطيع أن أقول له : لا , وأنا مطمئن الضمير , يحتاج هذا لقوة أكبر مني .
ناولته الجريدة , وأنا أفكر في حديثنا الطويل , الذي لم ننهه كالعادة , دوماً يتبقى هنالك أشياء أنسى أن أخبرك بها .. دوماً أفكر بعدما أتركك بدقائق أنني نسيت أن أحكي لك عن كذا , وكذا , وأنني نسيت أن أضحكك بالطريقة الفلانية التي أجيدها , وأنني كغبي لم أسألك عن كذا وكذا .. وتستمر الدوامة حتى ألقاك مرة أخرى , فنبدأ التحدث عن كذا وكذا , وأنسى ما يفترض أن أقوله أصلاً .
قطع شرودي وهو يقول لي :
_ " يا ولاد الكلب "
الأعجب أنه قال هذا بهدوء شديد , لم أستطع أن أجبر نفسي على سؤاله .. بدلاً من ذلك قلت :
_ " ثواني وراجع "
قمت من مكاني عابراً الشارع متجهاً نحو محل صغير ..
_ " موبايل لو سمحت " .
حسناً .. هذه المرة قالوا انهم إقتربوا جداً ..
أنا أفقد أعصابي بسهولة هذه الأيام .. في الواقع , هذه الأيام أنا أفعل كل ما تطلبين مني ألا أفعله .. ربما أعاقبك بهذا , لا أعرف , حتى حين أقول لا أعرف , أعرف أنك تكرهين هذه الجملة , رغم أنك لا تعرفين أشياء كثيرة , ربما أكثر مني , لا أعرف لا أعرف لا أعرف لا أعرف .. وأبتسم , وأنا أقطع الشارع متجهاً مرة أخرى لمقعدي .
لا تقلقي , لم أفقد أعصابي عليهم , لا ذنب لهم طبعاً , فقط أحببت أن أقول لك أنني أفقد أعصابي .
لا أعرف ما الذي يحدث لنا .. هناك شيء يحدث طبعاً , لكني لا أراه . لا أستطيع , أقسم على ذلك .
حين عدت له كان لا زال يقرأ .. جلست وقبل أن أتكلم تصاعد صوت هاتفي المحمول , حسناً , هم لن يأتوا .. أكتشفوا أن المكان الذي يقصدونه للعزاء , ليس هنا . لا مشكلة .
سألني وهو لا يزال يضع وجهه في جريدتي :
_ " مش هييجوا ؟ "
_ " لا "
دار بيننا حوار طويل لا داعي لأن تعرفيه عنه وعن مديره وعن حياته , وعن زوجته , وعن الجريدة وعني أنا شخصياً , وعن العمل , ثم عنه , وعنكِ , المشكلة أن الرجل لسانه طويل فعلاً .. وهو يستخدم الألفاظ بحرفيه حقيقية . لا تقلقي , لم يذكرك إلا بكل إحترام .. أحبك كثيراً بالمناسبة , ودعا لنا .. لا أعرف فعلاً مصير دعوته , لكنه دعا على أي حال .
المهم انه قال لي في النهاية تعليقاً عليهم :
_ " حلو لما تعرف ناس "
ثم أشار للمطعم الذي خلفنا وقال لي مباشرة دون أي مناسبة :
_ " حلو المطعم ؟ "
أجبته أنه جيد .. توقعت أن ينهض , لكنه قال لي :
_ " جميل "
أستأذنته في الجريدة , أمسكتها وسلمت عليه قائلاً إنها فرصة سعيدة ..
لم أستطع العودة للمنزل بهذه البساطة .. قررت أن أمر على بائع الصحف مرة أخرى , تعرفين أنني أعرف أنك تكرهين هوسي هذا بالكتب .. أعرف فعلاً .. وإن كنت تحبينه أيضاً .. حين أركب السيارة مثلاً ونمر على بائع صحف , فأرمي بصري ليمسح كل كتاب , منشغلاً عنك , وحين أعود لك مرة أخرى , أجدك تبتسمين ..
متى حدث كل هذا ؟ .. ماذا حدث فعلاً لنا ؟
تعرفين أنني أكره تلك الأسئلة الغبية , محاولة فهم أي شيء هو نوع من الغباء .. لكنني أقولها الآن بتتالٍ غريب .
المهم أنني شعرت بالذعر فجأة . كان هذا حين وجدت كتاباً يهمني .. المشكلة الآن أنه يقبع تحت تلال من الكتب , ربما جبال ! ..
لم أستطع منع نفسي من المغامرة .. مددت يدي اليسرى محاولاً الوصول للكتاب , ويدي اليمنى محاولاً أن أمنع الكتب من التساقط .
هناك الآن تلك اللحظة , أفلتت يدي اليمنى الكتب , توقعت سقوطها فوق رأسي , لكن هذا لم يحدث , مع صوت يقول :
_ " شيل الكتاب "
نزعت الكتاب فعلاً , ونظرت لوجه منقذي , كان هو ! ..رجل الجريدة , والشتائم , تعرفين الذعر .. الصورة الخام هي ما شعرت به في تلك اللحظة ..
تراجعت للخلف بسرعة فأصطدمت بتل آخر من الكتب خلفي , سقط بأكمله , مع صوت جعل صاحب الكتب يقترب مني منزعجاً .. دون كلمة , أو نظرة دفعت له ثمن ما أحمل , وركضت بالمعنى الحرفي .
طبعاً تقولين أنني طفل .. لست كذلك .. لكن هذا الرجل غريب , تعرفين هذه الأمور , غريب ..
بعد أن إبتعدت بمسافة كافية , نظرت للخلف , وجدته يعبر الشارع .. وكدليل على كلامي .. لم أره يتجة للمطعم .. أقسم أنه لم يفعل ؟
قلت لك أنه غريب .. تعرفين هذه الأمور , غريب .

المتابعون