الخميس، 30 يونيو 2011

صوت تنفس منتظم


توقفت عن القراءة حين سمعت الصوت في الصالة، نظرت للباب، وانتظرت حتى سمعت صوت الطرقات عليه، لأخلع نظارتي وأغلق الكتاب، أضعه جواري، وأتمدد على السرير معطياً الباب ظهري، تكررت الطرقات مرتين ثم فُتح الباب، سمعت صوت أمي وهي تقول : "صاحي؟".. لم أرد وأكتفيت بالنظر إلى الحائط أمامي، كنت قد بدأت أكتب مقطتفات من الشعر على الحائط منذ أن كنت مراهقاً، وتطور الأمر، وخرج عن سيطرتي تماماً، حتى أصبح وجود مكان يتسع لكتابة شيء جديد معضلة حقيقية. 

لاحظت أنها لم تغلق النور بعد كالعادة، سمعت صوت خطواتها في الحجرة، ثم صوت كرسي المكتب وهي تسحبه لتجلس عليه، لم أعرف بالظبط ماذا يحدث، وفكرت أنها لو كانت تنوي القيام بحملة تفتيش ما، فالبيت لن ينام اليوم، لكنني لم أسمع صوتاً لفترة، ثم سمعتها تقول : "صاحي؟ ".. وكررت : "لو صاحي، عايزة أكلمك في موضوع كدا".. وأنا لم أرفع عيني عن الحائط..

سمعتها تقوم وتعيد الكرسي إلى مكانه، تحركتْ في الغرفة وخمنتُ أنها تتحركْ نحوي من اتجاة صوت الخطوات.. شعرت بها جواري، مالت عليّ فأغمضت عيني، وحافظت على انتظام تنفسي.. ابتعدت ثم  أغلقت النور، وسمعت تكة اغلاق الباب. وأنا تساءلت عن فائدة كل هذا الشِعر أمامي مادمت عاجزاً عن تبادل حديث عابر مع أمي حين ترغب في الكلام. 

الاثنين، 27 يونيو 2011

الخرسانة

الثلاث ثوان التي يستغرقها ضغط زر الاتصال، أخضر اللون في الهاتف المحمول، هي_والله_ كل ما يمنعني .

الجمعة، 24 يونيو 2011

1 + 1

تحيرني الآلية التي تعمل بها الذاكرة، وطريقة الانسان الاعتيادية في استعادة ما قد سبق حدوثه.. يخيل إلي أننا في أغلب الأحيان نتذكر أشياءً لا علاقة بها بأي حال، من قريب أو بعيد، بما حدث فعلاً على أرض الواقع.. الذاكرة وحدها تقرر ما اسعدها، واحزنها، أثار حنينها، أو سخطها، أو أي شعور آخر يمكن وصفه أو يستعصي..

المشكلة أن الانغماس في هذه الفكرة يحيل المرء إلى دوامة من دوامات أفلاطون الشهيرة، البلهاء كذلك: هل ما يحدث في هذا العالم يحدث فعلاً؟.. أم أن كل شيء هو مجرد انعكاس لما يحدث يحدث "فعلاً" في عالم مثالي تماماً قوامه الهندسة والرياضيات.. عالم مثالي لأنه المكان الوحيد الذي يكون فيه كل شيء واضحاً كما ينبغي له أن يكون.. واحد مضافاً إليه واحد لن يكون ثلاثة أبداً، حتى لو كان هذا جميلا.. وبتطبيق نظرية الحساب هذه على كل شيء، فكل شيء كان يوماً (واحد زائد واحد يساوي اثنين) وتحول على ظهر العالم "الواقعي" إلى (ثلاثة) وهذا شيء، حتى لو لم يكن حقيقياً، جميل .

كل هذا الخرف فقط لأقول أنني استعيد الأيام التي قرأت فيها كتاب (رحلتي الفكرية) للمسيري، فأشعر بدهشة حقيقة. بشكل عام، أغلب الكتب التي اعتبرتها مهمة، كانت لسبب ما تقع في يدي في الوقت الذي أكون فيه مشغولاً بعمل عقدة المشنقة استعداداً للانتحار.. يمكن اعتبار هذا قاعدة عامة. لكن أيام المسيري كانت تناسب حجم كتابه، فلنمض في التشبية لآخره، كنت إذا قد وضعت رقبتي في العقدة، وصعدت على الكرسي، مستعداً للقفزة الأخيرة، حين وقع الكتاب في يدي، قرأت مقدمه الكتاب لأقرر أنني سأقرأه، في الوقت الذي كان وجود نجيب محفوظ نفسه كقاريء لكتبه أمامي، أمر غير مبهر، وغير محفّز.. 

كيف يمكن لهذا أن يكون ذكريات سعيدة؟ كيف يمكن لي أن أستعيده وأبتسم تحية للأيام، فلنتجاوز الكلام الغريب من نوعية نشوة المعرفة والسعادة بها، لأن المرء يمكن أن يعرف وهو سعيد. 

استيقظ في الثالثة فجراً، لا حاجة لارتداء ملابس خروج، لأنها ملابس نوم كذلك، اتأكد أن مفتاح البيت معي، حتى لا أبيت في الشارع، وأن معي أموالاً تكفي لوجبة سريعة، وحيدة طول اليوم، وأخرج والناس في البيوت نيام، اتجول قليلاً، آكل أي شيء، ثم أجلس في القهوة التي تبدأ يومها، متأملاً في الكون، وأعود للبيت لأجلس لقراءة الكتاب منذ الخامسة تقريباً وحتى يقضي الله أمراً.. أنهيت الكتاب في أسبوع، بالظبط وسط أيام الانقطاع التام عن البشر. كنت قد انهيت امتحانات السنة الثالثة بمعجزة ما، واغلقت بعد آخر امتحان هاتفي، ولم أخرج من بيتي لمدة شهر كامل. قبل وفاتها بفترة ، قالت جدتي أنني إما أن أجن تماماً وإما أن يلطف الله بي، ماتت هي قبل امتحان شفوي لمادة لا أذكرها، وانا دخلت على الممتحن ليسمعني اسوأ ما يمكن سماعه، ولأفكر أنا في نفسي وانا انقض عليه واخنقه، قبل أن يطردني، سألني إذا كنت مكسوفاً من نفسي بخصوص هذه الخيبة الثقيلة، في الحقيقة لم أكن.. بشكل أوضح كنت تقريباً أعرف كل اجابات اسئلته، في ظاهرة كونية لم تحدث من قبل ولا من بعد، لكنني لم أستطع اجبار لساني على قول كلمة.. هززت رأسي بإيماءة لا معنى لها، وخرجت.. كنت وسط أيام كريهة، وجاءت وفاتها لتجعل الأمر غريباً فعلاً.. ليس حزناً حتى لأنه لا معنى له.. 

بعد أن انتهيت من الكتاب، اغلقته، وضعته على الرف بجواري، ذهبت للمطبخ وعملت لنفسي كوباً جديداً من الشاي، وعدت لأفتح أول صفحة من جديد.. لأنهيه هذه المرة في شهر. 
استعيد هذا، وأحاول رؤية الموضوع من زاوية تفسر سبب هذه السعادة التي اشعر بها، والابتسامة على وجهي، فلا أفلح. وأعرف أني عاجز عن ادراك كيف أصبحت الأمور إلى ما آلت إليه.. 

لكنني أضحك بصفاء حين أتذكر وقوفي على قدميّ من جديد، واستعادة عافيتي دون مساعدة أحد، واللكمة التي أرسلتها في الهواء إلى فك أحدهم حين قال في حديث عابر لم أكن مشاركاً فيه أصلاً أن المسيري ضعيف فكرياً.. الآن لا ألكم أحداً، أصبحت أقل عدوانية نوعاً ما، وإن كنت لا أزال أتخيل فعل هذا في عالم أفلاطون الهندسي. 

الاثنين، 20 يونيو 2011

جـيـلـي كـولا

صديق الطفولة، الذي عاد من معسكر تجنيده منذ يومين، أعاد رأسه سريعاً إلى الكتاب الذي كان يقلب صفحاته، وأختي الصغيرة، التي فتحت الباب دون أن تنتبه لوجوده، أغلقته سريعاً وهي تعتذر بملامح وجه محرج، وأنا تذكرت أنني وهو حين كنا صغاراً، كانت هي صغيرة جداً _لدرجة أننا كنا نعطيها قطع حلوى لكي تكف عن البكاء_ ولم أعرف بالضبط السبب الذي يجعلني أشعر الآن بكل هذه الوحشة . 

لا توقظ نائماً


لم يُخلق ما هو أجمل
من قبلة مختلسة على خد في عربة مترو
 امساك يد ساعة عبور شارع
وشبع مفاجيء بعد وجبة مرتجلة

اكتشاف كتابٍ ظل منسياً لعام
نسيان ذكرى جاثمة منذ عامين
ثم نسيان نسيانها
وطعم أول هروب من مدرسة

أجمل مالم يخلق
اغماض عين
ونومٌ سالم

الاثنين، 6 يونيو 2011

ولا تتوخ الهرب




جرافيتي على الباب الرئيسي للداخلية
الصورة للشهيد : خالد محمد سعيد
( 27 يناير 1982 - 6 يونيه 2010 )

الخميس، 21 أبريل 2011

بينولوبي



لا يوجد في الواقع، سبب محدد أو منطقيّ، لكون الفتيات اللواتي يجلسن في المقعد المجاور للسائق في انتظار عودته من المخبز الافرنجي، بكيس من الفينو، يملكن في الغالب، اكثر الملامح ابتئاساً بين الخلق.

السبت، 12 فبراير 2011




الآن أتأكد أن الآية التي تقول أن الشهداء أحياء عند ربهم، موجهة لنا لا لهم ..حتى نستطيع النظر في صورهم التي تبقى الدليل المادي الدقيق والوحيد على وجودهم الذي انتهى ، ودون أن تتحول عصرة القلب إلى تمزيق له

الأحد، 26 ديسمبر 2010

روايات مصرية للجيب


عندما يقول لطفي : "والله أعلم" ، فالأمر بالتأكيد ليس معتاداً .. مهما كان المرء متسامحا ًمع البشر، ومتقبلاً لزلات ألسنتم _التي ستلقيهم في النار بالتأكيد يوماً ما_ فلطفي لا يمكن له أن يقول "والله أعلم" بنفس البساطة التي يقول لي بها أنه أرتكب كارثة. لطفي يرتكب الكوارث طيلة الوقت، في الحقيقة، مذ عرفت لطفي ولم أقابل له فعلاً طبيعياً أستطيع استرجاعه حيث أتحدث عنه. لطفي رجل الكوارث لنفس الأسباب التي تجعل من أدهم رجلاً للمستحيل. لا يمكن له أن يخضع ببساطة وأن يقول كلاماً كالذي تلوكه أفواهنا، وتحركه ألسنتنا _التي ستلقينا جميعاً في جهنم_وهو يهز رأسه في أسف .
لطفي اتصل بي بعد الثانية عشر مساءاً، بالطبع لكي يستفيد من خدمة كلام أكثر، التي تسمح له بمكالمات أكثر لخلق الله المشتركين معه في نفس الشركة، طالما يتصل بعد الثانية عشر. موفرة بذلك فرصة لطيفة للعشاق، وللطفي.
سيظل لغزاً علمياً محفوفاً بالتماسيح و كهنة المعبد، ما يجعل الأشخاص الذين أريد الحديث معهم منتمين إلى شركة محمول أخرى، وبالتالي تكلفة أكبر، وبالتالي تساؤلاً عن كيف سأنظر لنفسي لو قمت بتغيير شركتي لأصبح عضواً في شركة أخرى فقط لأتحدث معهم أكثر. وتساؤلاً آخر عن لماذا لا يفعلون هم المثل، فيصبحون مثلي بدلاً من أن أتحول لأكون مثلهم، وما إذا كانت فكرة الإحتفاظ بشريحتين تنتميان لشركتين مختلفتين خطوة أخلاقية أمام الله والوطن.
لطفي اتصل بي ليزف لي الخبر السعيد. لطفي تساءل إن كنت نائماً، قلت له أنني كنت كذلك، لم أكن كذلك. فقط أردت اشعاره بالذنب لكي يغلق الهاتف سريعاً.وتنتهي المكالمة في أقرب وقت ممكن، ولكنني نسيت أنني أحاول فعل هذا مع لطفي، الذي لا يتأثر بهذه المشاعر البشرية الصرفة.لا أحب الجدال مع لطفي، لا أعرف السبب في الحقيقة لكنه أمر متعلق بشيء ما بالتأكيد. لطفي لم يبد عليه أنه سمع شيئاً مما قلت وهو يقول لي بأسف :
_أعتقد "والله أعلم" إني عملت أكبر كارثة في حياتي .
لطفي شخص سكر والله.

الخميس، 14 أكتوبر 2010

شَـعـر

قالت لي أن أرحل .. وأكملت بعد دُفعة جديدة ، أرجوك .. لكن من قال أننا يجب أن ننفذ كل ما يطلبه الناس منا ، خصوصاً لو كانوا يتقيأون ما تحويه بطونهم في المرحاض الذي كان نظيفاً كيوم مشمس ، وتحول بقدرة قادر بعد لحظات من بدء إلى الإعصار ، إلى مصرف عام ..
دققت في اختيار النبرة التي سأقول فيها : _أحسن ؟ ، بحيث تخرج بالظبط بين الإهتمام العادي العابر بكائن بشري يقعى على ركبتيه ، وبين الشفقة ، التي لا يجب أن تبدو واضحة تماماً ..
لكننا نعلق أهمية كبيرة على النبرات التي ننطق بها في هذه المواقف . لم يبد أنها أهتمت بنبرات كلامي ، وهي تقول بصوت حيادي مرهق :
_ خرا
هناك شيء غير مفهوم لكنه لطيف عندما تقول الفتيات هذه الأشياء .. خصوصاً ونحن في الحمام ، وتحديداً وهي تتقيأ .. وفي الوقت الذي يتصور الواحد فيه أنه قد عرفها بالدرجة التي تجعله يعرف ما يمكن ومالا يمكن أن تقوله ..
لم أكن أعرف إذا كان من الأفضل أن أضغط على رأسها براحتيّ يدي كما يفعل الناس في العرف السائد ، أو حتى ، أضعف الإيمان ، أن أمسك شعرها بينما تستكمل هي ما تفعله ، لكنني شعرت أن هذا سيكون مقتحماً بشكل ما .. وهي تجفل حتى من اللمسات المعتادة غير المتعمدة ، كل ما قررت فعله إذن هو الوقوف بجوارها ، وهي تستكمل ما تفعله ، وأن أقول لها بعد أن تنتهي : أنها الآن ستستريح ، وأن هذه هي طريقة الجسم في طرد سمومه .. وأن أقنعها أن تتجاهل الآثار الجانبية على ملابسها المبللة بالقيء ، وشعرها الذي التصقت خصلاته ببعضها .

المتابعون