الثلاثاء، 30 سبتمبر 2008

خذني لأكبرَ , خذني لتصغرَ


قال لها: ليتني كنت أصغر...
قالت له: سوف أكبر ليلاً كرائحة
الياسمينة في الصيف
ثم أضافت: وأنت ستصغر حين
تنام، فكل النيام صغارٌ، واما أنا
فسأسهر حتى الصباح ليسودَّ ما تحت
عينيَّ. خيطان من تعب متقن يكفيان
لأبدو أكبر. أعصر ليمونة فوق
بطني لأخفي طعم الحليب ورائحة القطن.
أفرك نهدي بالملح والزنجبيل فينفر نهدايَ
أكثر /
قال لها: ليس في القلب متسع
للحديقة يا بنت... لا وقت في جسدي
لغدٍ... فاكبري بهدوءٍ وبطءٍ
فقالت له: لا نصيحةَ في الحب. خذني
لأكبرَ! خذني لتصغرَ
قال لها: عندما تكبرين غداً ستقولين:
يا ليتني كُنتُ أصغر
قالت له: شهوتي مثل فاكهةٍ لا
تؤجَّلُ... لا وقت في جسدي لانتظار
غدي!




( قال لها ليتني كنت أصغر .. محمود درويش )


الأحد، 21 سبتمبر 2008

.. ولا حتى


معرفش ليه تنحت للدنيا كدا
وفجأة لقيتني مسكون بالملل
لا عندي رغبة في البكا ولا في الكلام ,
ولا عايز أنام ,
ولا حتى بسأل إيه دا إيه ، و آخرتها إيه ، وإيه العمل ..
حالة كدا ..
وأخاف أقول لأي حد .
أحسن يقوم يقلبها جد ..
حد صاحبي ينزعج ,
يمد إيده جوا قلبه من باب الكرم ، عشان يشاركني الألم ..
أو يستلف لي من لئيم حبة أمل ..
حالة كدا .. معرفش إيه ..
حالة كدا , ملهاش معاد ..
ساعات تزورني في الشتا , في الربيع , في الحر ,
و في عز الشتا ..
وتجيب حاجات لا فيها روح ولا ميتة ..
حالة كدا ..
لا معاها ينفع كلمتين , ولا غنوتين
ولا لقطة من ألبوم صور ,
ألاقي قلبي في الهوا ويّا الكور ..
أخاف أقول لأي حد , أحسن يقوم يقلبها جد ..
حالة كدا , معرفش إيه
لكني برجع منها بعد السكات , فاكر شوية , فاهم شوية في اللي فات
حاسس أوي بحضن الصحاب ..
محظوظ انا ..
سعات بشاور يتفتح لي ألف باب ..
لكني برجع , وبغلط في الحساب ..


( حالة كدا .. علي سلامة )

السبت، 13 سبتمبر 2008

* دا جـنـان دا ولا إيـه ؟


يفترض الآن , في الجمل القليلة القادمة , أن أقوم بعملية تفريغ لأحداث يوم حافل , حافل لدرجة غير منطقية أحياناً . أن أذكر المواقف الهامة , التي تهم من حضر , وأن أحرص في الوقت ذاته , على الشرح التفسيري المرفق بجمل من طراز : (أنظر شكل 15-أ) .. حتى لا يشعر من يقرأ هذا الكلام , وهو طرف محايد , لا يعرف شيئاً , بالغربة , هذا مع الأخذ بالإعتبار , أن من يقرأ هذا الكلام , سيجد صعوبة أساساً في فهم ما هو الشيء الذي حضره الآخرون , وما هو سبب حضورهم , ومن هم أساساً ؟! , هذا غير السؤال الذي سيصول ويجول بحرية تامة في رأسه لفترة من الزمن _ستطول غالباً_ .. غالباً سيقول بعد فترة من القراءة التي لن تكون شديدة المتعة بطبيعة الحال : " أنا مال أهلي بكل الكلام دا ؟ " .. وهو سؤال منطقي فعلاً .. لهذا , صديقي الحكيم (وهو لقب يستحقه فعلاً .. لأن هذه الأفكار لو لم تراوده فهو إما غبي أو متطفل ) , الذي ستراوده هذه الأفكار الحكيمة و الذي يقرأ كلامي الحكيم , أقول لك يا صاحبي : بإمكانك الإبتعاد منذ الآن , صدقني ستجد شيئاً ما على mbc action أو , ربما , يكون فيديو كليب هيفا قد رحم منتظريه وظهر أخيراً .. وهي كلها أشياء , أضمن لك , أنها أروع ..
ولكن هناك إحتمال بسيط , ربما لا يمكن رؤيته بالعين المجردة , أن أقول كلاماً هاماً هنا , خاصة لو تحدثت معك عن عم سعيد المجنون :
ركز بقا معايا كدا في الكلمتين دول ..
عم سعيد المجنون لم يبد عليه في البداية أنه مجنون .. هو كان يمتلك ذقناً شائبة ذكرتني مباشرة بمارسيل خليفة , ولو أن ذقن عم سعيد المجنون موحية بالجنون بالفعل , وهي الإشارة التي لم ألتقطها في البداية , ودفعت ثمن غبائي ساعة ونصف تقريباً من الرعب .. كما أنه _بصراحة يعني _ لا يُشترط أن تمتلك ذقناً كمارسيل خليفة , كي تكون مجنوناً , الأمر يحتاج إلى مجهود شديد منك .. ولكنها خطوة لا بأس بها على كل حال .. المهم أن عم سعيد عندما تأكد من أن الجميع متوجهون إلى نفس المكان , وشرب سيجارة الله أعلم بمدى براءتها , وحبس بكوب من الشاي الله أعلم بمدى كمية الأفيون التي تذاب فيه , وتشاجر مع رجل ما , وصفع الفتى البائس الذي كان يمسح عربته البيجو السبعة راكب , على قفاه , وجأر بشيء ما , من قبيل إثبات سلطته , كما تفعل الأفيال بالظبط .. جلس جواري (وهي غلطة من ناحيتي أن أجلس جوار سائق العربة البيجو , لكن ساعة القدر يعمى البصر) .. والتفت لي مباشرة , وقال بعينين ناعستين :
_ " إزيك يا أستاذ ؟ "
_ " أهلا وسهلاً "
_ " أهلاً أهلاً
_ " أهلاً "
_ " كح .. ااااكح .. أحم .. كح كح كح .. "
_ " ليلتنا سودا إن شاء الله " .. وهي العبارة التي لم تخرج من فمي قط .. لست مجنوناً كما قلت ..
عندما بدأ عم سعيد المجنون قيادة العربة , عرفت أنه مجنون ..
أصطدم مرتين بالرصيف , وسألني عن : " إنت شايف حاجة على شمالك ؟ "
قلت له أنني لا أرى أي شيء هذا إلى جانب أنني على يمينه أساساً .. أي أنني أراه على شمالي .. هنا إبتسم بغرابة وقال :
_ " سبحان الله يا شيخ "
تصعبت أنا وأنا أقول
_ " لا إله إلا الله "
وأكملت في سري مؤكداً : " أنا هروح بلاش "
** ** ** **
تتميز داليا يونس بشيء شديد الأهمية , أنها تعيش ما تؤمن به , وهي الميزة التي يصادفها المرء في أشخاص , مرات قليلة فقط , يمكن حتى عدها بمنتهى البساطة , لهذا السبب تحديداً , لم أندهش كثيراً عندما عرفت أن علي وداليا , وهما من سأتحدث عنهما بالضرورة , قد قررا أن يكون حفل خطوبتهما في الأزهر بارك .. لا داعي رجاء للتساؤل عن سبب تسميتها بالـ"بارك" بدلاً من الـ"حديقة ", فحرف القاف صعب بعض الشيء ! .. وهو _لله الحمد_ يتحول إلى الكاف تلقائياً في الـ"بارك" دونما محاولة ..
التحدث عن داليا صعب بعض الشيء , فهي مزيج من صديقة عزيزة , وأخت أمارس معها كل سخافات الإخوة .. هذا حينما لا يغلبها دورها التربوي فتتحول إلى ناظرة مدرسة .. وهي حالات لا ينصح فيها بالمناقشة معها على الإطلاق ..
المهم هنا أنني سأقول عن داليا أنها من الشخصيات التي قد "أسمع" منها , وأهتم برأيها .. وهو الشيء الذي لا أفعله مع كثير من البشر ..
هذا سيقودنا إلى الحديث عن علي .. وهو ما سيجعلني أترك علي للحظات , وأتحدث عن علي عليوة , وأقول أنه: " ضرب الزميرة .. وضربها حربي , نطت في قلبي " .. كما قال محمد منير في تفسيره لشخصية علي , في مسرحية الملك هو الملك ..
يتميز علي بميزة مهمة جداً , أنه رجل .. أكره أن أحول كلامي إلى سلسلة متصلة من المديح , لكن الحقيقة أن علي موسى هو رجل بحق وحقيقة .. حينما حاول الحضور أن يقوموا بذكر إنطباعاتهم عن الطرفين , داليا وعلي , تكررت كلمات مثل الشهامة والمجدعة والرجولة بصورة مستمرة في حديث الجميع , وهو ما أكد إنطباعي الأول عنه .

** ** ** **

تتميز الأزهر (بارق) , أنها متسعة لدرجة تؤلم العين أحياناً ..
من يعيشون مثلي في غابات إسمنتية يعرفون معنى أن تنظر في الأفق ( مع ملاحظة أنه يوجد أفق أساساً ) , ولا تجد شيئاً على مرمى البصر إلا الأشجار , والأشجار ,والقليل من الأشجار .. وبعض الأزهار الملونة الأنيقة .. تعلو كل منها بطاقة أنيقة تقول شيئاً على طراز: ( دالاكتوتاطوليا .. قرفة مجففة ) .. هذه الأزهار تحتاج شخصاً مثل "مونية" لكي يوصل الشعور بها , لكنني , ولأني لا أرسم , سأكتفي بالقول أنها حمراء , وصفراء , وزرقاء , وخضراء , وسوداء(صدق أولا تصدق) , وبرتقالي (أرونج بالعربي) , وتركوازي (تخيل !) , والمزيج من كل هذه الأشياء .. يعني , حمراء وصفراء , وحمراء وزرقاء , وحمراء وخضراء , و.. فلنكتفي بالقول انها ملونة ..
هنا بدأت ماكينات الحقد في داخلي تتحرك .. عندما تصل داليا لسن السبعين بعون الله , ويجلس أحفادها بجوارها لتحكي لهم عن حفل خطبتها , أبسط شيء يمكن أن تقوله أن الفرح كان في حديكة.. اللعنة .. أقصد حديقة بهذا الإتساع , وهذا الجمال , هذا لو لم يتم هدمها ساعتها وتحويلها إلى مول , أو على أقل تقدرير جراج .. لندع الله أن يكتفوا بالمول فقط ..
ما يميز أي فعل "مجنون" هو إمكانية التحدث عنه بعد ذلك .. إمكانية التحدث عنه بالتحديد هو ما يجعله "مجنوناً" .. تخيل معي وأنت تصف حفل خطبتك _ أعلم أنه هذا خيال علمي لكن خليك معايا_ لطفلك الوحيد وتقول كلاماً من طراز : " تيته بقا كانت معانا .. خالتك برضة كانت معانا .. أما بقا عمك , كان برضة معانا .. وعملنا الخطوبة في قاعة ترللي .. كان يوم حلو اوي حقيقي يا فتح الله "
المشكلة أن فتح الله سمع ألف مرة هذه الحكاية , كما أنها لا تختلف كثيراً _صدقني _ في أي شيء عن الحكايات التي سمعها من أصدقائه .. في الواقع هي لا تختلف بأي شكل كان إلا في الأشخاص ..
نحن نتحول إلى قوالب متماثلة بشكل مستمر .. هذه هي الحقيقة .. انا أفعل مثل حسين .. حسين يفعل مثل عبد التواب .. عبد التواب يفعل مثل صلاح .. وصدقني , (فتح الله) سيفعل مثلهم جميهم ..
المشكلة أنه لا يوجد من يتوقف للحظات ويسأل نفسه : إيه التخلف العقلي دا ؟
أو على أقل تقدير : " هل هذا هو فعلاً ما أود فعله , أم أنه العادي "
ليس دوري هنا أن أقول : تحدى المجتمع , وانتصر على التقليدية , لانه لا توجد عندي أي مشاكل مع المجتمع , كذلك انا أعتبر التقليدية شيئاً لا بأس به .. شرط أن يكون جيداً , وأن يكون من إختيارك الحر ..
لو كان إختيارك الحر هو ما يقرره المجتمع , فبها ونعمت , وكفى الله المؤمنين شر القتال .. لكن لو كان العكس .. ربما يجب أن تعيد التفكير ..
المهم ,
تتميز حديقة الأزهر كذلك بوجود أشياء تسمى البرجولة .. هذه البرجولة هي مكان متسع , مظلل (وهذه نقطة هامة جداً) , فيه كراسي خشبية , بتصميم جميل .. سبب ذكري للبرجولة هو _طبعاً يعني_ أننا جلسنا هناك ..
هنا , آسف والله , لازم أرجع مرة أخرى للحديث عن مسألة الإختيارات , وإختيار ما يريده المرء تحديداً , وهنا انا لا أقصدك تحديداً والله , انا فقط أحكي كطرف محايد , أو متظاهراً بذلك ..
ما فعلته داليا وعلي بعد ذلك , هو أنهم جمعوا جميع الأصدقاء في مكان واحد ..
أنت تعرف حفل الخطوبة التقليدي حين يأتي جميع الأقارب ليتظاهروا بالسعادة , ويتم أخذ الصور كثيراً كثيراً كثيراً كثيراً , ليثبت كل منهم أنه حضر .. ثم يعجز العريس أو العروسة عن تذكر من حضر في النهاية ..
كل هذا , وكل هذا يعني حق المجتمع الذي لا يمكن التملص منه , تم تأديته على أكمل وجه , تبقت الآن المسألة الأخرى : الغلابة .. الأصدقاء .. الأشخاص الذين لا ذنب لهم أنهم ليسوا أقرباء للعريسين .. كان الحل هو حديقة الأزهر لتجميع كل مقاطيع مصر ..
تحت البرجولة (أو الياسمينة كما يرى محمد منير) جلسنا ,
بدأ الأمر بحفلة تعارف بسيطة , و هنا لابد من وقفة .. كما اتفقنا , طالما قمت بشيء غير تقليدي , فمن حقك أن تقوم بكل الأشياء غير التلقيدية , المتضمنة في هذا الشيء غير العادي ..
تدهشني فعلاً مدى إتساع دائرة معارف داليا .. وهو ما يختلف عن علاقات علي بعض الشيء .. علي , كإنطباع أولي بحت , تتميز علاقاته بالثباث أكتر , وبالقلة النوعية , إلا أنها قلة مكثفة كما يقال ..
الطريف هنا أن حفل التعارف البسيط , كان يتطلب أن يتلو كل شخص يعرف نفسه , دعاءاً ما , يلتقطه من كيس ممتليء بالأدعية .. تم إعدادها مسبقاً .. هذا المزج بين ما يؤمن به المرء , وبين لحظاته شديدة الخصوصية يدل على أصالة ما .. وهو شيء يثير الإحترام مهما كان الرأي مخالفاً ..
بعد هذا التعارف , الذي شرح إلى حد كبير , الصورة كلها .. كان الأمر شبيهاً بقصة متعددة الرواة .. كل راوي يضيف شيئاً , يقول لمحة ما , عن الأسباب التي جعلتنا , نحن الحضور , في النهاية نحضر حفل خطبتهما .
** ** ** **
لماذا لا نتحدث قليلاً عن روعتنا , معشر المنظمين ؟!..
حسناً .. فلنبدأ كذلك من البداية (أرجوك تحملني قليلاً .. من حقنا أن نتكلم عن أنفسنا كما يفعل الجميع) ..
داليا اتصلت بي قبل الحفل بحوالي أسبوع لتخبرني بأسلوب شبية بأساليب إختيار أفراد العصابة في فيلم شمس الزناتي : " إنت معانا في الليلة دي "
هنا لابد من قول شيء آخر عن داليا . أنها مغرمة , فضلاً عن السينابو(حاجة زي كحك العيد كدا) و التوعية و الفشار , بشيء أسمه مجموعات العمل .. أعتقد جازماً , أنها تقوم بعمل مجموعات عمل عندما تغسل أسنانها كل ليلة ..
ما علينا برضة ..
المهم أن داليا , وحتى تحصل على لقب أغرب حفل خطوبة في التاريخ , قامت بعمل مجموعات عمل , وظيفة كل مجموعة منها شيء معين .. كان حظي السعيد هو الذي أوقعني في المجموعة المختصة بتحضير الأغاني وما إلى هذا , هذا إلى جانب ما أفعله الآن .. أي سرد أحداث اليوم .. كاتب محكمة يعني .. وهو الإختيار الذي ستندم عليه عندما تقرأ هذا الكلام ..
كان أحمد أشرف هو المنسق العام لحركة كفا..(الواد راح في داهية) .. أقصد أنه كان المنسق العام لنا .. وهو من قام _حقيقة_ بدور خارق , وصل لدرجة أنه ذهب إلى مكان ما , مسافة تبعد حوالي الساعتين فقط من اجل تورتة مسكينة (وماكلنهاش كمان) .. لهذا فالمسألة منتهية .. هذا الفتى نادر فعلاً ..
كان معنا كذلك (نورا الجندي) , وهي قنبلة موقوتة حقيقية , يرى المرء عدادها على جبهتها .. هي ستنفجر أدبياً يوماً ما , وستكتب شيئاً عبقرياً يوما ما , وستجعل الجميع يجلسون في بيوتهم يأكلون السوداني
..
ما أود قوله تحديداً , هو ان تعب حوالي 5 أيام راح يا ولدي .. كنا يومياً نجلس لتحضير بعض الأغاني .. وهذا يعني أننا نفاضل بين أغاني , ونحمل أغاني , ونتحدث عن أغاني , ونشرح الأغاني , ونضحك على الأغاني , ونذكر كلام الأغاني لمن لا يعرف , ونتشاجر على الأغاني .. أي أننا قضينا أياماً لا يقضيها طلاب الكونسرفاتوار أنفسهم , وسط عدد مهول من الأغاني .. وفي النهاية إتفقنا على إسطوانة بريئة المظهر , عظيمة المحتوى ..
الجميل , الرائع , الصدمة , أن كل التعب ذهب ببساطة .. أحياناً أشك أنني كلما عملت بجد , وأخلصت العمل لابد أن تحدث مصيبة كونية .. وهو ما حدث حقيقة ..
لا .. لا تسيء بنا الظن أرجوك .. بالطبع لم ننس اللاب توب .. لسنا بهذا الغباء يعني .. نسينا السماعات ولله الحمد ..
وكانت النتيجة أننا قضينا ساعات ننظر فيها للإسطوانة بحسرة , ونسمع صوت اللاب توب الضعيف ونكاد نبكي .. عرفت الآن فقط , وجهة نظر المدخن الذي يلقي بنفسه من النافذة حين يكون معه سيجارة , وطفاية , وينسى الولاعة ..
** ** ** **
عم سعيد المجنون بعد ان تفادي عربة نقل عملاقة , خرج برأسه من النافذة .. نظر إلى الوراء , وشتم عدة شتائم متنوعة تصيب هدفها بدقة .. ثم جلس وهو يلهث .. كان لوني ساعتها تحول للون الأصفر , وأنا أرى العربة الملاكي أمامنا , والتي تفاداها ببراعة شديدة , ثم مال علي وقال :
_ " لا مؤاخذة يعني يا دكتور .. "
كنا قد تعارفنا في هذه الفترة .. وعرفت أن أسمه عم سعيد , وقال لي أنهم يسمونه المجنون , لأنه "مبيعرفش أبوه في السواقة" , وانا ضحكت وأنا أفكر في أبوه الذي غادرنا لابد تحت عجلات شيء ما .. لهذا , حينما قال عبارته هذه , قلت له بصوت مرتجف بعض الشيء (ناجي من موت مؤكد) :
_ " نعم ؟ "
_ " لما بمشي في الدخان لامؤاخذة , وهباب العربيات وكدا .. بحس إن صدري بيضيق "
وأنا نظرت له ببلاهة .. ما الغريب يعني ؟ .. فكرت في وجوب قول شيء محسوب حتى لا نذهب كلنا إلى حيث لا يشمون هباباً ولا غيره .. قلت له :
_ " حاول ما تمشيش في الـ .. في الهباب كتير "
وهو هز رأسه , ومصمص شفتيه وقال :
_ " سليم والله "
ومط شفتيه إلى الأمام فتحول إلى غوريلا بشرية .. ثم حرك يديه بإسطوانه ما نحو الكاسيت , وضعه ليتصاعد فجأة صوت رائع يحكي عن :
" جوجوجوجو
يابا يا با يابا
الاولة في الغرام بسم الاله ناديت وانا بغني
استغفر الله العظيم على ما جرى مني "
ثم يحكي قصة سعيدة عن العبد والشطان (ليس "الشيطان" من فضلك .. الشطان)
** ** ** **
بعد الأكل .. جلس علي وداليا جوار بعضهما على المدرجات .. بحركة شديدة التلقائية , كانت هي تأكل غزل البنات , وكان هو يأكل الفيشار .. تم إلتقاط هذه الصورة من أكثر من مكان .. ربما هذا يلخص الأمر كله .. يقول ساراماجو في بداية كتابة الذكريات الصغيرة , وهو سيرته الذاتيه : دع الطفل داخلك يخرج للعالم ..
هذا هو الأمر بكل بساطة , وبلا كلام لا معنى له .. هم فعلوها وخرج الطفل منهما بشكل لا حد له , كما يجب في الحقيقة ..
** ** ** **
ملحوظة أخيرة للجزء التربوي من داليا :
عادي يعني الواحد يتابع سلاف فواخرجي من غير ما يبقا عينه زايغة .. المسلسل مهم جداً تاريخياً , وجمالياً في الحقيقية .. أقصد الكادرات طبعاً : )
** ** ** **
( * ) : طبعاً الجملة مأخوذة من الفيلسوف الشعبي سيد .. وصديقه عالم الطب النفسي , طمورة

السبت، 6 سبتمبر 2008

فـسـتـان وجيـبـونـة


كنت في غاية التعب , ربما لهذا لم ألحظ أن صديقي توقف فجأة عن السير إلا بعد أن تحركت مسافة لا بأس بها . لم يبد هذا غريباً , حين ينمو إرهاقي بشكل أسطوري , تصبح مسألة إدراكي لما يحدث حولي في حكم عجائب الدنيا ..
نظرت خلفي , وجدته واقفاً , يبتسم , وينظر عبر الشارع للناحية الأخرى , مددت بصري , وانتقلت لي مباشرة عدوى الابتسام هذه .
" ابتسام " .. هكذا تمتمت , وسط ضحكة صغيرة احتلت وجهي , وتركت بقايا ابتسامة بعدها , وأنا أتحرك لأعود للمكان الذي توقف فيه صديقي متابعاً إياها .
لفترة طويلة نسبياً , كنت أرى ابتسام بشكل يومي .. نقضي _كمجموعة عمل _ ما يقارب السبع ساعات . استمرت مجموعة العمل هذه ما يقارب الستة أشهر , ضحكنا فيها ما يقارب الخمس والنصف كما قال مديرنا في الجلسة الختامية , وهو يرمق الجالسين بنظرة لوم , قبل أن يثبت تلك النظرة على ابتسام تحديداً , بنظرة عتاب لم تفلح في إخفاء الضحكة المستترة خلفها , تلك التي انفجرت عندما قالت ابتسام بجدية شديدة أن نصف الشهر هذا هو الفترة التي قضاها هو في الخارج , وأننا أتممنا المدة بأكملها ضحكاً والحمد لله .
عند انفصال المجموعة , نالت هي أكبر كم ممكن من الهدايا يمكن تخيله .. لم أندهش كما فعل واحد منا وهو يرمق الهرم الصغير من العلب , زاهية التغليف , على مكتبها .
ابتسام كانت ملكة متوجة , لها حكمها الشامل علينا جميعاً , بلا أدنى شك ..
وقفت أنا وهو ننتظر عبورها الشارع .. ذلك العبور الذي تأخر قليلاً , ليس من كثرة العربات المارة , بل من خوفها الطفولي هذا . ضبطتها أكثر من وهي تنظر نحو اليمين مرة ثم نحو اليسار , رغم أن الشارع كان في الواقع ذو اتجاه واحد لا غير.
ضحكت , وصممت أن أقول لها هذا الأمر لأثبت لها أنني لازلت صاحب الملاحظات الذهبية كما كانت تطلق عليّ ..
ثم تحركت أخيراً , وبدأت تقطع الطريق .
كتمت ضحكتي بصعوبة , وأنا أرها تجري , فيرتج جسدها بوضوح , هي نفسها كادت أن تضحك .. كانت تضم شفتيها , وعلى وجهها ملامح ضحك لا شك فيه , وهي تنظر أثناء حركتها نحو السيارات ..
مباشرة , توقفت أمامنا .. وجهها مندى بالعرق الخفيف .. قالت وهي تصفق بيديها مرة واحدة , وكأنها تفاجئنا :
_ " أجمل من في الحفلة مين ؟ "
ضحكنا بصوت عال ٍ معاً , قال مغالباً ضحكاته :
_ " دبدوبة التخينة "
أكملت وهي تصفق ثانية , مرة واحدة كما الأولى :
_ " نطي نطة يا دبدوبة "
ثم أكملت سريعاً :
_ " إزيكو يا عيال "
_ " إزيك انتي ؟
_ " زي القمر طبعاً .. الحمد لله " .. قالت , ثم أكملت ضاحكة :
_ " بعمل ريجيم صحيح الأيام دي "
ضحكنا بشدة , وكأننا لم نفترق إلا لراحة الغذاء لا أكثر ..
قلت بعدها حين صمتنا ,وأنا أبتسم :
_ " إنتي كدا زي الفل .. كفاية الطلة "
كانت " الطلة " هي أحد تعبيراتها المعتادة عن الجمال كما تراه هي .. كنا نقضي ساعات سوداء معاً وهي تحاول أن تقنعني بجمال فتاة على حساب أخرى من مجرد الـ " طلة " .. ذلك التعبير الذي لم أفهمه حتى الآن , كما تراه هي ..
لكي أفهم أي شيء , لابد من تفهمه , وتخيله تماماً , وهي ترى هذا عبطاً , وتخلفاً عقلياً في دماغي , وهي الملاحظات التي تقولها لي بلا أي حرج أو تخوف ..
لكن المهم أنها ضحكت حين قلته ..
_ " الله يكرمك يا سيدي .. " قالت ..ثم أكملت :
_" وطلعتوا فيكوا الخير , وفاكرين أهو "
انخرطت بعدها في حديث باسم معه .. صمت أنا وشردت للحظات كالعادة ,
ولكني وجدتها فجأة تقطع كلامها معه , لاحظت هذا لأنه كان مستمراً في التحدث حين نظرت لي وقالت وهي تضيق عينيها :
_ " بس مفيش مانع يعني , أخس شوية كدا "




المتابعون