الأحد، 23 مايو 2010

الوقوف على القدم اليسرى


قال : ألو ..
كان ( باتيستا ) يطحن (الأندر تيكر) أمامنا ، نظرت في ساعتي وقدرت أن المباراة ستنتهي قريباً قياساً لما مر منها .
قام من مكانه ، وبدا صوته متوتراً وهو يقول كلاماً لم أستطع تمييزه تماماً ، وعيني على (الأندر تيكر) وهو يحاول أن يتسلق ركن الحلبة لكي يقفز على (باتيستا) .. وعلا صوته قليلاً فميزت ما يقول : مش معقول كدا .. في نفس الوقت الذي انتبه فيه (باتيستا) لخطة خصمه ، فنهض من مكانه راكضاً نحوه ومرسلاً نحوه لكمة أسقطت (الأندر تيكر) مرة أخرى على الأرض . سقط بعدها (باتيستا) من الارهاق
كان الاثنان مكومين على أرض الحلبة ، حين سمعت صوته من خلفي ، وهو يقول لي : وطي الزفت دا شوية .. قللت درجة الزفت قليلاً ، وأنا أسمعه ينفجر في الصراخ في الهاتف ..
حاولت أن أنظر خلفي ، لأقول له أن يهدأ قليلاً ، لكنني شككت في نيتي حين شعرت أنني سأطلب هذا فقط لأكمل متابعة المباراة في سلام ، وليس من اجل أن يهدأ فعلاً ..
نظرت له بامتعاض ، وبدا هو في ملكوت آخر وهو يستمر في مسلسل الصراخ مكرراً عبارة : مش معقول كدا .. وبدأ يحرك قدمه اليمنى وكأنه يشوط بها شيئاً ما .
في اللحظة التي كاد فيها (باتيستا) أن يثبت (الأندر تيكر) دخل الحلبة مصارعون آخرون .. وكما الأفلام القديمة ، بدأ الجميع في ضرب بعضهم .. تحول الأمر إلى معجنة حقيقية ، وبدأت في الضحك على المسخرة التي أمامي ، ونظرت خلفي ، ناحيته ، متمنياً أن يرى هو ما يحدث كذلك ، كان ينظر بالفعل لشاشة التلفاز ، وهو يستمع للهاتف ، حيث أتى الصوت ، كان واضحاً أن الكيان على الطرف الآخر يصرخ .. الصوت جاء مكسواً بتشويش الاتصالات المعتاد .
ظللت أنظر ناحيته ، وشعرت بتأنيب ضمير بعض الشيء أن ما أراه هنا أمتع مما يفعلونه هناك . نظر لي قليلاً ، ثم أغلق الهاتف .. بهذه البساطة .. بنفس بساطة أن يرفع أحدهم الهاتف من أذنه ، ويضغط زر انهاء المكالمة .. لم أعرف ان كانا قد تبادلا عبارات الوداع ، أم أنه أغلق الهاتف في وجه من يحادثه .. قررت ألا أسأل ، واكتفيت بمشاهدة ما يحدث ، حيث كان الجميع يضربون (باتيستا) حالياً ، وهو ساقط كعجل مذبوح ..
سألني عما يحدث .. وانا نظرت للشاشة وقلت له أن الأمر كما يرى .. (باتيستا) يطحن (الأندر تيكر)

الاثنين، 3 مايو 2010

نادي السينما

لي صديق كان يرى ان هناك القليل جداً ، مما يستحق الحديث عنه ، لهذا قال مرة : " أجمل ثلاث حاجات في الدنيا : السينما ، والكتب ، والنسوان " .. ضحكنا يومها كثيراً ، ولكننا ضحكنا عليه أكثر بعد ان خطب وأصبح رسمياً في عداد المرشحين للزواج في القريب .. وهو ما جعلنا _أصدقاؤه_ نتساءل إن كانت وجهة نظره لا زالت كما هي .. أصبح الآن يعود للبيت قبل الثانية عشر مساءاً ، ويتحدث بتهذيب بعد ان كان لسانه يقطر سفالة صرفة ، حتى لا ينزلق لسانه وهو معها لما هو معتاد على قوله .. وهو ما جعلنا _أصدقاؤه_ نتساءل عما سيحدث عندما يصبحان في بيت واحد .. " أكيد هيخرج الخميس ويذاكر الجمعة " يقول صديق آخر ، لننفجر في الضحك .
صديقي هذا، صاحب النظرية ، طلب مني ( في اتصال تليفوني طبعاً ) أن أرشح له عدة أفلام ، ما رآها وما لم يرها ، يشاهدها خلال سفره إلى الصعيد ، منفياً من جهة عمله ، لكي يستطيع أن يطالب بحقه في أجازة يقضيها مع عروس البحر .. و محاولة التذكر هذه جعلتني أتذكر عدداً من الأفلام التي علقت بذهني طويلاً ، وهذه الأفلـ... ما تيجوا نشوف أحسن :)


بطولة kate winslet و Jim carrey .. في دورين من أفضل أدوارهما في رأيي .. الفيلم قائم على فكرة ان هناك شركة ، توفر خدمة مسح الذكريات الغير مرغوب فيها لمن يريد التخلص منها .. في هذه الحالة ، فـ (Joel Barish) (جيم كاري) يكتشف ان حبيبته السابقة (Clementine Kruczynski) (كيت ونسلت) قد قامت بعملية مسح لذكرياتها معه ، أي أنه أصبح الآن شخصاً غربياً عنها تماماً وكأنها لم تعرفه .. لهذا يقرر أن يفعل المثل ، طالما أستطاعت هي أن تمحوه . المهم هنا ، هو أن وخلال عملية المسح نفسها ، يكتشف (Joel) أن هذا ليس ما يريده ، وأنه عدل عن رأيه في مسح الحبيبة من حياته .. حينما يعود لذكرياته القديمة وبدايات الشغف بينهما ، ولحظات الاحتكاك الأولى بين شخصين لا يعرفان أي شيء عن بعضهما البعض ، المشكلة الآن أنه تقريباً فاقد لوعيه ، غائب تماماً عن الواقع ، ويعيش في دماغه ، كل التفاصيل التي يتم محوها .. فيبدأ (Joel) و (Clementine) في محاولة الهروب من العملية .. هل سينجح ؟ .. قاتل بعقلك وكيانك معهما . :)
هذا الكلامربما يكون عبيطاً بعض الشيء ، الفيلم مليء بالتفاصيل التي لا يمكن الحديث عنها بغير قتلها تماماً ،
لابد هنا من الإشارة أن محمود درويش يقول : لا أريد من الحب غير البداية ، وهو قول موفق بشدة ، وكذلك التنوية أن عنوان الفيلم مأخوذ من قصيدة للشاعر (Alexander Pope) بعنوان Eloisa to Abelard .. والإيماءة إلى Kate Winslet في الشعر الأزرق .

لا أحب الحكمة التي تأتي بأثر رجعي ، لا أحد يصدقها ، ولا ينبغي لأحد أن يفعل ، لكنني هنا لا أستطيع منع نفسي من الفخر ،
بعد مشاهدة فيلم Cast away قلت لأصدقائي أن توم هانكس سيكرر التجربة مرة أخرى ، ولم يصدقني أحد .. في Cast away ، لا بوجد حوار بالمعنى المفهوم ، تشعر حتى انه مرتجل من قبل الممثلين ، الفيلم بالكامل ، صامت تماماً ، وهو أمر مذهل .. لم يصدقني أحد لأنهم رأوا أن الفيلم رائع وأستوفى كل شروط التجربة كما يقولون ، ولا يوجد معنى لتكرار الأمر مرة أخرى .. من حسن الحظ ان ستيفن سبيلبرج رأى العكس ..
الفيلم يحكي قصة فيكور نافورسكي ، الذي وصل إلى مطار نيويورك ، وخلال وصوله ، تقوم حرب أهلية في بلاده ، كركوزيا ، ويصبح مصير الدولة هناك غامضاً ، حيث أن هناك دولة جديدة قد تم اعلانها من قبل الثوار ، و هذه الدولة الجديدة لم تعترف بها الولايات المتحدى بعد ، وبالتالي فمن المستحيل السماح له بدخول الولايات المتحدة ، وكذلك من المستحيل اعادته إلى كركوزيا التي لا تعترف بها أميركا كدولة أصلاً ، بهذا يصبح محل اقامة السيد فيكتور ، هو المطار .. يطلب منه مدير المطار أن يبقى هنا ولا يتحرك ، ولكنه في الخفاء يخطط لدفعه دفعاً إلى خارج المطار ، فيصبح من اختصاص قوات الهجرة والأمن .. أي انه يريد القاء عبء فيكتور عن كاهله ، وكاهل المطار ، لأن هناك تفتيشاً (لجنة يعني) ستأتي من كبار المسئولين ، وسيكون عيباً في حقه أن يبدو المطار ، كأنه قبلة للمشردين .. يبدو الأمر بسيطاً ، لكن إزاء ذكاء فيكتور الحاد ، يصبح الموضوع نوعاً من تحدى الكرامة ، المدير يريد طرده ولا يصدق أن شخصاً لا يستطيع حتى أن يتحدث الإنجليزية يستطيع أن يتغلب عليه .. في رأيي ، هناك الكثير من ملامح شخصية شارلي شابلن ، والوغد البدين ، في شخصيتي فيكتور ومدير المطار ، الفيلم خرافي الجمال من الآخر . لي نظرية تقول أن الناس الحلوة بتلم على بعض ، لا أملك اثباتاً علمياً ، لكن مثلاً ، توم هانكس هو أحد منتجي فيلم Where the Wild Things Are ، لم أندهش عندما عرفت هذا الخبر لأنني كما قلت أصبحت هذه الأشياء تؤكد وجهة نظري لا أكثر .. كنت قد سمعت عن الفيلم وهو في طور الإنتاج ، ولكنني أصبت بالذهول عندما وجدته ضمن الأفلام المعروضة في الطائرة العائدة بي إلى بر المحروسة .. شاهدت الفيلم بأكمله ، ثم شاهدته مرة أخرى وثالثة ورابعة ..
الفيلم يتحدث عن الطفل ماكس ، الذي لا يمتلك شيئاً إلا خياله .. والذي يعاني من صعوبة في التأقلم مع عالمه ، ويزيد الأمر عليه ، حين يسخر منه أصدقاء أخته ، ويهيلون الثلوج عليه ، و تنتهي المجزرة بأخته وهي تنحاز لصفهم ، وترحل معهم ، ماكس ، الذي يرتدي الزي التنكري لذئب يهرب من بيته ، والهروب هنا لا يكون على مستوى الحقيقة فقط ، بل يتعداه إلى الخيال أيضاً ، وفي مزج شديد الجمال ، لا يظهر الفيلم على الإطلاق العالمين : الحقيقي والتخيلي وكأنهما كيانان منفصلان ، بل على العكس تماماً ، تنسحب الكاميرا بسلاسة شديدة من هذا العالم ، لتجد نفسك فجأة في خياله ، دون أي قطع او الصور الكارتونية القديمة عن التخيل .
يصل ماكس إلى جزيرة ، تقطنها قبيلة من الوحوش ، من بينهم شخصية كارول ، الوحش ، والذي يشابه ماكس في كثير من التفاصيل ، هذه الوحوش تشعر بالحزن الشديد ، ولا تشعر بالسعادة أبداً ، يقول لهم ماكس ألا يأكلوه ، كما كانوا قد قرروا أن يفعلوا ، وبدلاً من ذلك أن يعينوه ملكاً عليهم ، وهو مسئول عن جلب السعادة لهم .. هذا ما يمكن قوله عن الفيلم دون تدميره ، الفيلم حقاً من أروع الأفلام التي رأيتها في فترة طويلة ..
نستكمل غداً

الأحد، 2 مايو 2010

وحدث لي ما حدث


ومن أهم القصص التي تلقي الضوء على هذا الجانب من شخصيتي ، قصة زواجي من د.هدى . وحينما قابلتها لأول مرة حدث لي ما حدث ، وكان لابد من أن اتأمل فيه وأفهمه ((عقلياً)) حتى يمكنني التعامل معه . وكنت حينذاك عضواً في الحزب الشيوعي المصري . فطلبت النصح من مسئولي الحزبي ، فأخبرني أنها (( برجوازية)) ، والزواج من مثلها يسبب مشكلات كثيرة ، أي أن المسئول عني في الحزب طرح تصوراً عقلياً أيدولوجياً (طبقياً) للحب والزواج . وهداني وجداني (وربما فطرتي السليمة) إلى أن أذهب لأمي أطلب منها النصح (وهو أمر نادر للغاية ، لعلي لم أفعله من قبل أو بعد) . فسألتني سؤالاً بسيطاً للغاية وهو : " هل يشعر قلبك بالفرح حينما تراها ؟" لم أجب عن السؤال ، ولكنني أحسست ساعتها أن أثقالاً أيديولوجية وتحليلات طبقية مادية سقطت من وجداني ، وأن أغلال القلب بدأت تنفك ، وقررت الارتباط بالدكتورة هدى . ولعل هذه كانت من أوائل أحداث حياتي التي يهتز فيها النموذج المادي الوظيفي كإطار للرؤية .
( د. عبد الوهاب المسيري / رحلتي الفكرية .. في البذور والجذور والثمر .. سيرة غير ذاتية غير موضوعية )

السبت، 1 مايو 2010

الريشة الخضراء


حدث هذا منذ زمن طويل .. أختي الصغرى ليلاً تهزني بقوة لا تتناسب مع حجمها الصغير ، ومع سنّها الأصغر ، لتقول في فزع : اصح بسرعة ..
لم أصح بسرعة .. استغرقت وقتاً لكي أعرف أين أنا ، ولكي أستعيد وعيي الذي يسمح لي بإدراك أننا قد تجاوزنا منتصف الليل بأربع ساعات ، وأنني الآن في سريري ، وأنها الآن تقف بجواري تبكي ..
لا نأخذ الأطفال بجدية ، هذه جملة تقليدية نبرر بها كل شيء .. لكن لنا عذر .. من يمكن أن يصدق ما تقوله وهي تبكي : في عفريت في أوضتي ..
نقول غالباً ما لا نعنيه ، نستخدم قدراتنا كبشر لهم وعي وخيال ، في خلق ما لا يوجد .. العفريت .. هذه كلمة نقولها كلما أعيتنا الحيل في فهم ما يحدث حولنا ، نحيل ما يحدث على كائن غير موجود من الأصل ، وعينا بما يحدث حولنا أمر له عيوبه ، وعيوبه أن ما لا نفهمه ، نسميه بشيء مما لا نراه ، مما يتجاوز وعينا .
عفريت ؟ .. تساءلت وأنا نصف نائم ، نصف معتدل على سريري . وهي قالت بذعر : عفريت .. عفريت ..
كانت قد أبتعدت بعض الشيء ، مفسحة لي المجال لكي أقوم من مكاني مكتشفاً هذا العفريت . لكنني كنت أود النوم بشدة ، ولم أكن قد أويت إلى السرير أصلاً إلا من ساعة تقريباً ، وكانت هي نائمة في سبات ، قبل أن أفعل أنا بفترة طويلة .. لهذا لم أقم من مكاني وأنا أقول : عفريت إيه بس اللي هيطلع دلوقتي ؟!
تبدو الجملة متناقضة بشدة ، التساؤل لم يكن مثلاً : عفريت إيه ؟ .. مفيش حاجة إسمها عفريت .. ولم يكن جملة تقريرية : مفيش حاجة أصلاً إسمها عفريت .. بل كانت على العكس تماماً ، تساؤل عن السبب الذي يدفع العفريت للظهور في هذا الوقت المتأخر .. وهو الشيء الذي بقليل من التفكير يمكن تفسيره ، العفاريت لا يمكنها أن تظهر العصر مثلاً .. العفاريت تظهر غالباً بعد منتصف الليل ، وفترة الأربع ساعات هذه ، تسمح للعفريت بمزد من الغموض .
كنت أريد النوم بشدة ، وهي جملة نستخدمها في تبرير كل شيء .. أبتسمت بأبوة وأنا أقول لها أن تستهدى بالله ، وتدخل تنام ..
وهي فقدت أعصابها وهي تبكي قائلة أنني لا أصدقها ، وأن لا أحد في هذا البيت يأخذها بجدية .. وأنفجرت ملقية مزيداً من الدموع ، قائلة أن العفريت يرتدي طاقية حمراء ، وبذلة سوداء ، وأنه ينظر واقف عند الباب ينظر بشر . ثم صارخة : " في عفريت في أوضتي "
حاولت أن أذكرها بجملة وودي في حكاية لعبة : " في تعبان في جزمتي " .. تحب هي هذا الفيلم ، وتبكي مثلما فعلت كلما سقط باز الذي لا يطير ، عند محاولته للطيران ، مهشماً . ليكتشف بعدها أنه لعبة لا تطير .. ولكنها بمجرد ما سمعتني وأنا أقولها نصف نائم حتى صرخت من جديد : أنت بتتريق عليا .. ثم المزيد والمزيد من البكاء .
قمت من مكاني ، محاولاً ألا أقع ، ربت عليها قائلاً لها ألا تخاف ، معيداً عليها ما قلته : مفيش حاجة يا ماما إسمها عفريت أساساً .. الحاجات دي بتاعه الصغيرين، أنت كبيرة ..
وهي هزت رأسها ، بشدة : والله موجود .. لابس طاقية حمرا وبدلة سودا .. ومليش دعوة صغيرين ولا كبار .. أنا شايفاه .
قلت لها أن تهدأ .. أمسكت بيدها ، وخرجنا من غرفتي إلى المطبخ .. صببت الماء في كوب بلاستيكي ، لأننا في مرحلة تعليمها ألا تشرب من الزجاجة مباشرة ، رغم أننا جميعاً نفعل ذلك . لم تشرب إلا جرعة بسيطة ، شربت أنا الباقي ، وحملتها إلى الحوض الذي كانت بقايا عشاء أمس مستقرة فيه ، غسلت لها وجهها ، هدأت قليلاً ..
خرجنا من المطبخ ، توجهت إلى غرفتها ، و أنا ألعن الحس التربوي المفاجئ الذي ظهر من العدم ليقرر أن عليها أن تتعلم النوم وحدها .. طوال الطريق كانت ممسكة بيدي ، ولكنها كانت مائلة بها بحيث تستقر خلفي ، أشعلت النور ، وبدت الغرفة كأي واحدة أخرى خالية من العفاريت .. نظرت لها ، وهي تنظر لزاوية الحجرة اليمنى حيث يستقر مكتب تستذكر فيه دروسها ، وحدها طبعاً ، فهذه مرحلة الاعتماد على النفس .. نظرت لما تنظر له ، وقلت : شفتي ؟ مفيش عفاريت ..
بدا ما أقوله وكأنه سخف لأنها تخلت عن يدي لتقف أمامي وتقول : ما هو مش هيبان قدامك .. لكن لما تنام ، هيرجع تاني .
حملتها ناحية السرير .. وضعتها فيه ، وقلت لها العفريت خاف مني ، وأنها يمكن أن تكمل نومها الآن ، نظرت لي بشك ، ثم طلبت مني أن أنام بجوارها تحسباً لظهور آخر للعفريت ، قلت لها أن العفاريت لا تظهر مرتين لنفس الشخص ، عقدت حاجبيها وتساءلت إن كان كنت أقول هذا الكلام فقط لجعلها تنام ، تظاهرت بالدهشة ، سألتها هل كذبت عليها من قبل ؟ .. قالت أنني فعلت حين وعدتها باصطحابها للسينما ولم أفعل .. فكرت في أنني فعلت هذا لأن أفلام عادل أمام غالباً ليست مناسبة لطفلة ، وقلت لها أنني سآخذها لفيلم آخر ليس فيه عادل أمام .. فكرت قليلاً ، ثم قالت لي أنها تحب عادل أمام .. قلت لها أن واحداً من أصدقائي دخل الفيلم بالفعل ، وأخبرني أنه غير مضحك على الإطلاق .. قالت أن صاحبي لا يفهم .. قلت لها أنه حمار بالفعل وضحكت ، فضحكتْ .. قلت لها أنني سآخذها لفيلم آخر لا تتوقف فيه عن الضحك من أوله لآخره . هزت رأسها موافقة. قلت لها أنني سأتركها الآن لتنام . وعندما كدت أطفأ النور ، قالت لي أن أتركه مضاء على الأقل ، فكرت في الأمر قليلاً ، ثم قررت ألا أفعل . وعدت للنوم .
مرت الأيام ، وهي الجملة الرائعة التي نبرر بها أن هناك كثيراً جداً مما حدث ، وأنه بلا أهمية ، كبرت أختي ، وهي غير قادرة على النوم في غرفة غير مضاء نورها ، ثم تركت البيت ، وتركته أنا أيضاً ، وأصبح موضوع النور المضاء ، أمراً شديد الأهمية في محاوراتنا الساخرة ،
قد يبدو من المناسب أن ينتهي الأمر هنا ، حيث يعم الأمن أرجاء المعمورة ، وينام الناس أغلبهم في العتمة ، , وتنتمي أختي لقائمة أخرى من البشر ينامون في النور ، لكن لم يحدث الأمر بهذا الشكل .
ابن أختي الصغرى ليلاً يهزني بقوة لا تتناسب مع حجمه الصغير ، ومع سنّه الأصغر ، ليقول في فزع : اصح بسرعة ..
لم أصح بسرعة .. استغرقت وقتاً لكي أعرف أين أنا ، ولكي أستعيد وعيي الذي يسمح لي بإدراك أننا قد تجاوزنا منتصف الليل بأربع ساعات ، وأنني الآن في سريري ، وأنه الآن يقف بجواري يبكي ..
لا نأخذ الأطفال بجدية ، هذه جملة تقليدية نبرر بها كل شيء .. لكن لنا عذر .. من يمكن أن يصدق ما يقوله وهو يبكي : في عفريت في أوضتي ..
هذه المرة كنت نائماً منذ فترة طويلة ، ابتسمت في داخلي ، وأنا أتساءل عن لعبة الجينات ، وقلت له : لابس طاقية حمرا وبدلة سودا طبعاً .. وهو صرخ باكياً : أنت عارفه منين ؟ ..
نظرت له في ذهول ، كانت أختي قد تركته في البيت لأنها مسافرة ليومين ، وجعلته ينام في نفس الحجرة التي كانت تنام فيها ، والتي لم يتغير فيها شيء ، حتى صور المطربين ، ودفاترها القديمة ..
سألته : أنت متأكد أنه لابس طاقية حمرا .. وهو قال لي غارقاً في دموعه : وعليها ريشة خضرا ..
لم أشعر به وهو يتسلل بجواري ، ويضع على جسمه اللحاف ، ويقول لي : هتروح تشوفه ؟ .. لم أعرف ماذا يمكن فعله ، ولكنني قررت أن أضع اللحاف على رأسه ، ورأسي ، وعندما سالني : خالو .. انت خايف من العفريت ، قلت له أنني سأموت من الخوف . ربت على كتفي ، وقال لي : ماما قالت لي مفيش حاجة إسمها عفاريت .. متخافش .. نظرت له وحاولت أن أبتسم .

المتابعون