السبت، 30 يناير 2016

يحب الأشياء، ويرثي لها



بالأمس، 29 يناير، كان عيد ميلاد السيد أنطون تشيخوف، خير من أنجبت روسيا، والذي كان ليبلغ عامه السادس والخمسين بعد المائة، لولا أمر الموت.
عاش تشيخوف حياة حافلة، درس الطب، وعمل في الكتابة لكسب المال، في البداية، ثم عجبه الموضوع فأسس فرقة مسرحية. عالج الفقراء مجاناً كقدّيس.

أصيب بالسلّ، وعانى من النزيف المتكرر. في نهاية حياته، سافر مع زوجته أولغا إلى الريف الألماني للإستشفاء، وهناك زاره السيد تولستوي. تبادلا بعض الأحاديث الودّية التي ستخلّدها الكتب، تولستوي أعلن مراراً أنه يحب تشيخوف الإنسان أكثر من الكاتب، في الواقع، تولستوي أحبه "حب الأب لإبنه"، كما سيقول كاتب عظيم آخر، هو مكسيم غوركي، ربما ببعض الغيرة من هذا الحب الذي لم يحظ به أحد من الكهل المتجهّم، تشيخوف كان يستحق هذا الحب للإنسان الذي كان عليه، قبل أي شيء، عامله تولستوي بقسوة فيما يخص أعماله، وكان يخبره أكثر من مرّة عن سذاجة بعض مسرحياته. أتذكر هذا المشهد الذي تم تسجيله أكثر من مرة: تشيخوف يجلس في شرفه بيته الريفي، محادثاً فتاة تبلغ الخامسة من العمر بمنتهى الجدّية عن بقرتها ودجاجاتها، ويتركها تعبث بيديها في ذقنه. في العديد من المرّات التي كان يتم تناول أعمال تشيخوف فيها، يتم كذلك تناول كم كان شخصاً رقيقاً، شديد الحساسية. يخبر الناس عن "كم هي حياة تافهة تلك التي تعيشونا أيها السادة"، لكنه يشفق عليهم، ويرثى لهم.

أصيب تشيخوف بنوبة نزيف في سفره، وبينما كان نائماً نومته الأخيرة، اعتدل من رقدته ليعلن لزوجته بالألمانية: إنني أموت. حاول الطبيب تخديره، فطلب هو كأس شامبانيا، تأمّلها بعد شربها على مرة واحدة، ثم كانت آخر كلماته: مضى وقت طويل منذ أن شربت الشامبانيا. ومات عن أربعة وأربعين سنة، بعد أن فعل الأشياء كلها. بشكل أدق: بعد أن فعل المهم منها.


هناك تعليقان (2):

Unknown يقول...

المدونة نورت يا عمنا والله
ارجو انك ما تحرمناش من طلتك هنا كده بين حين وآخر خصوصا ان الفيس مش متاح لينا فعلى الأقل نأنس بحكاياتك هنا

sham يقول...

اللمسة الذهبية
فني تركيب سيراميك دبي
تركيب صحى بدبى
خدمات دبي

المتابعون