الخميس، 15 سبتمبر 2011

اليد اليمنى، والقدم اليسرى


في الرابعة فجراً، اليوم، كنت جالساً على حافة النافذة، أشرب كوب قهوة سكّرها زائد، ومعها سيجارة أحاول قدر الإمكان ألا أنهيها بسرعة، لأنها الوحيدة.. نجحت مؤخراً في تقليص العدد، واصبحت اكتفي بواحدةٍ ادخنها باستمتاع شديد، وقلق بالغ من انتهاءها.. نافذة البيت في الطابق السادس، قدمي اليمنى داخل البيت، واليسرى معلقة في الفراغ.. كل فترة، غالباً مع كل نفضةٍ للرماد، انظر إلى الشارع، واذكر نفسي بالجملة ذاتها: المسافة بين قدمي اليسرى، وبين أسفلت الشارع كبيرة جداً. مع الاعتياد، توقفت عن الخوف، اصبح الأمر لطيفاً حتى، تحولت قدمي اليسرى بمثابة مزحة غير مفهومة إلا لي، الشيء الوحيد من جسدي الذي يقترب من الأرض ، الأرض يعني أسفلت الشارع، يعني الأرض الحقيقية، لا أرض البيت الأسمنتية البائسة.
 منذ ساعة تقريباً، كنت اقرأ في مجلة علمية ما، عن السيدة العجوز التي قامت بانشاء المحمية الأولى من نوعها لإنقاذ صغار الفيلة التي تعرض ذووها للصيد، بهدف الحصول على لحمهم، أو العاج، أو تعرضت هي نفسها للاعتداء لأن هناك بعض المهووسين أولاد الحرام يعتقدون في قدرات خارقة للحوم الفيلة حديثة الولادة..
كانت العجوز تحكي عن انثى الفيل الصغيرة : "عايشة".. التي انقذتها من الموت، ثم رعتها لعدة شهور، واضطرت لتركها لحضورحفل زفاف ابنتها.. ماتت "عايشة".. تحكي السيدة بمرارة، لأنها تعلقت كثيراً بها.. تحولت إلى الأم الثانية، وحين تركتها، ماتت من الحزن. عادت بعد شهرين لتجد الصغيرة قد ماتت. تقول بمرارة: " لا يجب أن يتعلق أحد بشيء ما لهذه الدرجة". قرأت الجملة، ودمعت عيناي.
تذكرت الجملة وأنا في منتصف السيجارة، وانتبهت حين لسعت أصابعي. افلتّها وشاهدت سقوطها الحر بحسرة حتى ارتطمت بالأرض.. الاتفاق اتفاق.. سيجارة واحدة في اليوم.
حاولت الانتحار وأنا ابلغ من العمر خمسة عشر عاماً.. لا استطيع تحديد ما اذا كانت محاولة جادة، أم مجرد تصريف هرمونات زائدة. لكني اتذكر شعوري واقفاً على قدميّ على ارتفاع 7 طوابق، ومصمماً على التنفيذ، حين خطرت ببالي أكثر الافكار بديهية في الدنيا، أنني لن أكون موجوداً لأعرف بالظبط ما الذي يشعر به المنتحر.. كان هذا مفزعاً. لم استطع فهم كيف يكون الشخص غير موجود. وكيف يكون غير موجود بارادته الحرة، هذا سخيف بشكل لا يصدق. لهذا قررت العدول، وفي طريقي للنزول، اختلت قدماي، وامسكت بالعمود الذي على يميني بكل قوتي، لدرجة أنني بعد أن تمالك انفاسي كنت غير قادر على اجبار يدي اليمنى على تركه. كانت لها ارادتها المستقلة وقررت التصرف بمعزل عن المعتوة الذي سيذهب بهم إلى داهية. ظللت هكذا وقتاً لا اذكره، حتى قررت يدي اليمنى أن تخفف قبضتها أخيراً. 
قررت أن الاتفاق لا يسري على نصف السيجارة، الاتفاق كان واحدة كاملة، نزلت بحذر، وشعرت بالبهجة حين لامست قدماي الأرض بسلام، ذهبت إلى المكتب، اشعلت سيجارة أخرى، وصارحت نفسي أنني خائف. 

هناك 4 تعليقات:

غير معرف يقول...

:) :)
معلش يا أحمد
معلش

الخطة س-18 يا أحمد بقا :))

أحمد جمال يقول...

:)

روحي نامي طيب

shady يقول...

بوست جميل غير مستغل بمكا يكفي:)

ممكن تطلع منه بنص/قصة اجمل على فكرة

خاصة ان نفسك كمان اطول

maram يقول...

حححححححححححححححححح

مرام

المتابعون