الأربعاء، 14 سبتمبر 2011

عبر البحر، وإلى الشاطيء الآخر


كنت أكتب في مدونة أخرى منذ حوالي ست سنوات، وجدت حتى صعوبة في تذكر اسمها منذ قليل، لكن ما اذكره جيداً كان العاطفية المفرطة والواضحة في نفس الوقت في كل ما أكتبه..
قبل هذه الأيام المجيدة، وكمراهق عبيط، كسرت قلب فتاةٍ تصغرني بعام، النظرة المتفهمة لما حدث، تقول أن هذا لم يكن متعمّداً، لكن أشياء كهذه تحدث.. كما يحدث أن تسقط شرفة سليمة تماماً على مارٍ عابر بريء في شارع ما، فيموت. سواء أحببنا هذا أم كرهناه، أشياء كهذه تحدث طيلة الوقت. لا يجب على صاحب العمارة أن يشعر بالذنب تجاه الميت، سليم.. قل هذا لصاحب العمارة وهو يتأمل الجثة أمامه.
لم أتفهم هذا.. لم أستطع نزع فكرة أنني شخص دنيء من رأسي.. كنت أشعر بالذنب، بأن الله خلقني ليعذب بي عباده الطيبين، البؤساء، أنني الاختبار الذي يضعهم أمامه، وأنني الشرير الذي لم ينقذهم منه، ووضعهم في تجربة مباشرة معه.
لم تكن المدونة القديمة هذه وسيلة لأي شيء، سوى تنفيس غاضب عمّا يحدث لي طيلة اليوم، أخرج من الكلية، لأدخل إلى السايبر الذي يتوسط المسافة إلى البيت، وأكتب كلاماً يبدو لي لا بأس به، عن الكلية، عمّا أفعله هناك، عن الموسيقى التي تعجبني، والأفلام التى شاهدتها، عن الكتب، أكتب كلاماً أحاول فيه أن أقترب من الأدب كما أتصوره، صورة نجيب محفوظ الشهيرة تلح على خيالي، مبتسماً بفتور، ابسامته الأليفة تلك، ممسكاً بعصاه، والنظّارة الطبية تحجب نصف وجهه.
لم احتمل الشعور بالذنب، كان هاجساً مستمراً، بأنني دمّرت حياة انسان بشكل لا يقبل الاصلاح.. هذا الكلام الذي أعرف أنه خرف كبير الآن.. الآن للأسف وليس وقتها.. منذ كنت طفلاً وانا أتمنى أن تكون لديّ القدرة على معرفة ما سيكون. الغيب سيظل هو الهاجس الأهم بالنسبة لي. المهم أنني وكوسيلة للتخلص من هذا العبء، قررت أن أكتب في تدوينة ما نصّه أنني أعتذر.. وأنني أعرف إن امكانية قراءتها لهذا الكلام صفر كبير، لكنني على كل حالٍ، آسف، والله آسف.. كان هذا استدعاءاً للعبة القديمة كنت ألعبها مع أولاد عمتي على بحر اسكندرية، يكتب كلّ منا رسالة ما، ويضعها في زجاجة مياة غازية مسدودة بقطعة فلّين ويلقيها في البحر.. وباعتباري صاحب نظرة مبعدية، كنت أكتب ثلاث نسخ، على ثلاث ورقات، كل واحدة منها بلغة، العربية والانجليزية والايطالية التي يجيدها زوج عمّتي، والذي كنت انظر له باعتباره ساحراً..على اعتبار أن احتمال وصول الرسالة لإيطاليا ليس بعيداً جداً..
كانت في بلد أخرى في هذه الفترة، وكنت في مصر، وكانت كل المراسلات بيننا قد انقطعت، ولا يوجد بيننا أصدقاء مشتركون، ولم أكن أكتب بأسمي الحقيقي أصلاً وقتها، ولم تكن هناك وسيلة اتصال واحدة ممكنة. ورغم ذلك، حدث أنها عثرت على المدونة بصدفة ما، دوناً عن قرابة بليون صفحة ذات محتويً عربي على الانترنت، قرأت نصوصاً تعرفها، كانت قد قرأتها قديماً، ثم قرأت الاعتذار الموجه لها. 
وأنا الذي وقت كبرت قليلاً، كنت اعتبر نفسي طفلاً سخيفاً، حين أتوقع أن الرسالة قد تعبر البحر المتوسط لتصل ليد إيطالية على الشاطيء الآخر ..


هناك 9 تعليقات:

Mist يقول...

هذا جيد ..هذا جيد
لعل صدق إحساسك كان كافيًا..والأيام تأكل من الألم حتى لا تبقي منه شيئًا

Rana يقول...

"ورغم ذلك، حدث أنها عثرت على المدونة بصدفة ما، دوناً عن قرابة بليون صفحة ذات محتويً عربي على الانترنت، قرأت نصوصاً تعرفها، كانت قد قرأتها قديماً، ثم قرأت الاعتذار الموجه لها. وأنا الذي وقت كبرت قليلاً، كنت اعتبر نفسي طفلاً سخيفاً، حين أتوقع أن الرسالة قد تعبر البحر المتوسط لتصل ليد إيطالية على الشاطيء الآخر"

ربما لا يفوت الأوان أبدًا لنعتذر :)

سابرينا يقول...

غريب لما نشوف نفسنا من بره......وكمان نتستطيع ان نحكي عنها بهذه السهولة والعذوبة!
.........
شاعرية... فكرة رسايل البحر

سابرينا يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
maram يقول...

تؤ..... الله!!!

انت بتكتب حلو واللا ايه؟؟
:)

غير معرف يقول...

عارف يا دكتور أحمد انت بتحسسني أد إيه الشخص اللي كنت بحبه كان ابن كلب و معندوش أدني مراعاة لشعور الآخرين كان نفسي لو كنا صحاب عشان أحكيلك بس ماما بتنتقدني كتير لما بكلم في الموضوع ده

غير معرف يقول...

عارف يا دكتور أحمد انت بتحسسني أد إيه الشخص اللي كنت بحبه كان ابن كلب و معندوش أدني مراعاة لشعور الآخرين كان نفسي لو كنا صحاب عشان أحكيلك بس ماما بتنتقدني كتير لما بكلم في الموضوع ده

غير معرف يقول...

إيه كل الجمال ده :))) <3

غير معرف يقول...

يا أحمد إنت مفكرتش تكتب وتنشر ؟
أنا عن نفسي هكون سعيدة جدا لو شوفت لك حاجة منشورة وهقراها ضروري
انت قاريء جيد، كاتب جيد، إنسان ذكي وعذب جدا على ما أظن يعني.. ف ليه حارمنا من كتابتك يا جميل؟ :)

المتابعون