الأحد، 26 ديسمبر 2010

روايات مصرية للجيب


عندما يقول لطفي : "والله أعلم" ، فالأمر بالتأكيد ليس معتاداً .. مهما كان المرء متسامحا ًمع البشر، ومتقبلاً لزلات ألسنتم _التي ستلقيهم في النار بالتأكيد يوماً ما_ فلطفي لا يمكن له أن يقول "والله أعلم" بنفس البساطة التي يقول لي بها أنه أرتكب كارثة. لطفي يرتكب الكوارث طيلة الوقت، في الحقيقة، مذ عرفت لطفي ولم أقابل له فعلاً طبيعياً أستطيع استرجاعه حيث أتحدث عنه. لطفي رجل الكوارث لنفس الأسباب التي تجعل من أدهم رجلاً للمستحيل. لا يمكن له أن يخضع ببساطة وأن يقول كلاماً كالذي تلوكه أفواهنا، وتحركه ألسنتنا _التي ستلقينا جميعاً في جهنم_وهو يهز رأسه في أسف .
لطفي اتصل بي بعد الثانية عشر مساءاً، بالطبع لكي يستفيد من خدمة كلام أكثر، التي تسمح له بمكالمات أكثر لخلق الله المشتركين معه في نفس الشركة، طالما يتصل بعد الثانية عشر. موفرة بذلك فرصة لطيفة للعشاق، وللطفي.
سيظل لغزاً علمياً محفوفاً بالتماسيح و كهنة المعبد، ما يجعل الأشخاص الذين أريد الحديث معهم منتمين إلى شركة محمول أخرى، وبالتالي تكلفة أكبر، وبالتالي تساؤلاً عن كيف سأنظر لنفسي لو قمت بتغيير شركتي لأصبح عضواً في شركة أخرى فقط لأتحدث معهم أكثر. وتساؤلاً آخر عن لماذا لا يفعلون هم المثل، فيصبحون مثلي بدلاً من أن أتحول لأكون مثلهم، وما إذا كانت فكرة الإحتفاظ بشريحتين تنتميان لشركتين مختلفتين خطوة أخلاقية أمام الله والوطن.
لطفي اتصل بي ليزف لي الخبر السعيد. لطفي تساءل إن كنت نائماً، قلت له أنني كنت كذلك، لم أكن كذلك. فقط أردت اشعاره بالذنب لكي يغلق الهاتف سريعاً.وتنتهي المكالمة في أقرب وقت ممكن، ولكنني نسيت أنني أحاول فعل هذا مع لطفي، الذي لا يتأثر بهذه المشاعر البشرية الصرفة.لا أحب الجدال مع لطفي، لا أعرف السبب في الحقيقة لكنه أمر متعلق بشيء ما بالتأكيد. لطفي لم يبد عليه أنه سمع شيئاً مما قلت وهو يقول لي بأسف :
_أعتقد "والله أعلم" إني عملت أكبر كارثة في حياتي .
لطفي شخص سكر والله.

الخميس، 14 أكتوبر 2010

شَـعـر

قالت لي أن أرحل .. وأكملت بعد دُفعة جديدة ، أرجوك .. لكن من قال أننا يجب أن ننفذ كل ما يطلبه الناس منا ، خصوصاً لو كانوا يتقيأون ما تحويه بطونهم في المرحاض الذي كان نظيفاً كيوم مشمس ، وتحول بقدرة قادر بعد لحظات من بدء إلى الإعصار ، إلى مصرف عام ..
دققت في اختيار النبرة التي سأقول فيها : _أحسن ؟ ، بحيث تخرج بالظبط بين الإهتمام العادي العابر بكائن بشري يقعى على ركبتيه ، وبين الشفقة ، التي لا يجب أن تبدو واضحة تماماً ..
لكننا نعلق أهمية كبيرة على النبرات التي ننطق بها في هذه المواقف . لم يبد أنها أهتمت بنبرات كلامي ، وهي تقول بصوت حيادي مرهق :
_ خرا
هناك شيء غير مفهوم لكنه لطيف عندما تقول الفتيات هذه الأشياء .. خصوصاً ونحن في الحمام ، وتحديداً وهي تتقيأ .. وفي الوقت الذي يتصور الواحد فيه أنه قد عرفها بالدرجة التي تجعله يعرف ما يمكن ومالا يمكن أن تقوله ..
لم أكن أعرف إذا كان من الأفضل أن أضغط على رأسها براحتيّ يدي كما يفعل الناس في العرف السائد ، أو حتى ، أضعف الإيمان ، أن أمسك شعرها بينما تستكمل هي ما تفعله ، لكنني شعرت أن هذا سيكون مقتحماً بشكل ما .. وهي تجفل حتى من اللمسات المعتادة غير المتعمدة ، كل ما قررت فعله إذن هو الوقوف بجوارها ، وهي تستكمل ما تفعله ، وأن أقول لها بعد أن تنتهي : أنها الآن ستستريح ، وأن هذه هي طريقة الجسم في طرد سمومه .. وأن أقنعها أن تتجاهل الآثار الجانبية على ملابسها المبللة بالقيء ، وشعرها الذي التصقت خصلاته ببعضها .

الأربعاء، 14 يوليو 2010

طقوس دفن الفرعون


مراراً .. يتزايد يقيني بنظرية العيش دون محاولة التفسير ، وإيجاد العلاقات بين الأشياء .. العيش هكذا .. كثور في مرعى أخضر .. لا العشب ينتهي ، ولا الثور بطبيعة الحال يشبع .. ويستمر الأمر على هذا المنوال حتى يحدث بشكل غامض أن ينتهي العشب ، او يشبع الثور ، أو بالطبع النيزك الذي سيسقط على كوكب الأرض فينهي المسألة .

في اللحظة التي سيحاول فيها الثور أن يفهم ما يحدث له ، سيتوقف عن الأكل ، ربما سيظل في بيته أياماً لا يخرج ، وينام بملابس لم يغيرها منذ أسبوع كامل .. ولولا حرص القطيع على اطعامه وامداده بالسوائل ، لمات منذ زمن .. حسناً .. هذا تعبير شكسبيري بشكل ما ، لا أحد يموت من الجوع للأسف ..

عندما تعافيت بعد أسبوع كامل .. كانت القطة في انتظاري ، قطة سوداء كقلب الكافر ، كانت تجلس على عتبة البيت الذي امامي .. بمجرد أن فتحت الباب ، رفعت رأسها عن يديها ، وحدقت فيّ .. ابتسمت ، ولكني ، كثور تعلم من الدرس جيداً ، قررت أن أراها ، وأن تنتهي علاقتي بها ، بمجرد أن تختفي من على شبكية عيني ، القطة ، لا تعني شيئاً ، غير القطة .

عندما بدأت نزول السلالم ، نزلت مسرعة قبلي .. خمنت أنها خافت .. لكن الحقيقة ، فكرت ، الخوف غريب في هذه الحالة .. هي تقريباً قررت ان تخاف ، بعد أن أعطيتها ظهري وبدأت نزول السلم ، معلناً لها بصوت عال أن لا خوف مني .

عندما كنت أعبر الشارع ، أو قبل أن أعبر الشارع .. المؤكد أنه ليس بعد أن عبرت الشارع .. سرحت .. هذه الأشياء تختار أوقاتاً غريبة لتحدث .. سرحت هكذا .. وليس في شيء محدد ، او أي شيء ، سواء كان محدد أو غير .. الأدق ، هو القول أن دماغي قررت أن تتوقف عن العمل لبعض الوقت ، ولم تبلغني أنها ستفعل ، وأكتشفت أنها فعلت ، عندما عدت لكوكب الأرض ..
كنت على الناحية الأخرى من الشارع .. تحديداً على الرصيف .. نظرت للشارع ، الذي كان كما يليق به ، سياراته لا تتوقف .. في الواقع ، كان يمكن أن اموت .

عندما كدت أستدير لأمشي ، وجدت على الجدار المجاور ، صورة عملاقة ، وبالألوان ، لطقوس الاحتفال بوفاة الفرعون ، تحتمس الرابع .. كنت أعرف هذا ، لأن أبي قال لي هذا .. كانت حتحور ، واقفة تقدم للفرعون الميت شيئاً ما ، لا أذكر ماهو .. حاولت ألا أنظر لقرني البقرة على رأسها ، قبل أن أقرر العودة للبيت .

الأحد، 20 يونيو 2010

اليمامة التي تهم بانطلاقها


حين التقينا : لم تسل من انتَ ؟ ..
أو من أين ؟!
وقبلتني خلسة ونحن في المترو ..
مُحاصرين .. واقفين
وقبلتني وأنا أخرج مفتاحي ..
أمام غرفتي الفقيرة !
وقبلتني .. حالما أغلقتْ البابَ وراء ظهرها
لامعة العينين !!
** ** ** **
لا نهدها ( اليمامة التي تهم بانطلاقها )
ولا انحسار الثوب فوق ساقها
هو الذي حاصرني في الجسد _ الجزيرة .
لكنه .. شيء بها .. كأنه اليتم ..
كأنه الفرار ..
يذوب ما بين ذراعيّ : فتهدأ السريرة
وتلتوي الأنامل البيضاء حول كتفي ..
كانما نحن : الغريق .. والحطام الخشبي !
تمسك بي ..
في لحظة احتراقها ..
في لحظة التخلي عن عناقها !
تمسك بي ..
حتى مع استراحة النوم القصيرة
اذا انفلتُّ من يديها ..
وهي في استغراقها !!
وصار بيتي بيتنا معاً ، وصارْ ..
أرجوحة وثيرة .
وصارت الألفة ثوباً واحداً
نلبسه تحت جلودنا
فلا يبلى ..
ولا يلحقه الغبار !
عارية ً _ إلا من الحب _ تروح وتجيء .
يأتي غناؤها بصوتها الدافيء ،
وهي ترش الماء في الحمام ،
أو .. جالسة على الأريكة الأثيرة
وهي تسوّي شعرها ،
أو .. وهي عند النار
تعد فيها قهوة الإفطار
أو تمنح الرونق للأشياء
في لمستها الخبيرة
تكوي المناديل الحريرية .. والتنورة
أو تمسح الغبار حول صورة
وها أنا بعد رحيلها المفاجيء
أعمى بلا بصيرة
فتشت عنها كل حانات المدينة الكبيرة
وغرف الطلاب ..
والمستشفيات ..
والملاجيء ..
لكنني لم أر غير الوحشة المريرة
وذكرياتها المنثورة ..
تنتظر اليد الأميرة
تنتظر الخيط .. الذي ينظم اللآليء
( أمل دنقل .. فصل من قصة حب )

الخميس، 3 يونيو 2010

خرف الليالي


ستصبح كلها ذكريات لطيفة ؟ اتفقنا ، ستصبح لطيفة .. في الخمسين ، السن التي ترتبط في دماغي بالكسل كأسد بعد وجبة مهمة ، سأتذكر الأشياء اللطيفة وأنا أطل من شرفة البيت على ما أريد ، وأبتسم بحكمة السنين ، أدخن السيجار بحكمة ، وأملس على صلعتي اللطيفة ، وأبتسم . لكن قسماً بالله ، لو لم يحدث هذا ، قسماً بالله ، ستكون سنة سوداء على البشرية بحالها .

الأحد، 23 مايو 2010

الوقوف على القدم اليسرى


قال : ألو ..
كان ( باتيستا ) يطحن (الأندر تيكر) أمامنا ، نظرت في ساعتي وقدرت أن المباراة ستنتهي قريباً قياساً لما مر منها .
قام من مكانه ، وبدا صوته متوتراً وهو يقول كلاماً لم أستطع تمييزه تماماً ، وعيني على (الأندر تيكر) وهو يحاول أن يتسلق ركن الحلبة لكي يقفز على (باتيستا) .. وعلا صوته قليلاً فميزت ما يقول : مش معقول كدا .. في نفس الوقت الذي انتبه فيه (باتيستا) لخطة خصمه ، فنهض من مكانه راكضاً نحوه ومرسلاً نحوه لكمة أسقطت (الأندر تيكر) مرة أخرى على الأرض . سقط بعدها (باتيستا) من الارهاق
كان الاثنان مكومين على أرض الحلبة ، حين سمعت صوته من خلفي ، وهو يقول لي : وطي الزفت دا شوية .. قللت درجة الزفت قليلاً ، وأنا أسمعه ينفجر في الصراخ في الهاتف ..
حاولت أن أنظر خلفي ، لأقول له أن يهدأ قليلاً ، لكنني شككت في نيتي حين شعرت أنني سأطلب هذا فقط لأكمل متابعة المباراة في سلام ، وليس من اجل أن يهدأ فعلاً ..
نظرت له بامتعاض ، وبدا هو في ملكوت آخر وهو يستمر في مسلسل الصراخ مكرراً عبارة : مش معقول كدا .. وبدأ يحرك قدمه اليمنى وكأنه يشوط بها شيئاً ما .
في اللحظة التي كاد فيها (باتيستا) أن يثبت (الأندر تيكر) دخل الحلبة مصارعون آخرون .. وكما الأفلام القديمة ، بدأ الجميع في ضرب بعضهم .. تحول الأمر إلى معجنة حقيقية ، وبدأت في الضحك على المسخرة التي أمامي ، ونظرت خلفي ، ناحيته ، متمنياً أن يرى هو ما يحدث كذلك ، كان ينظر بالفعل لشاشة التلفاز ، وهو يستمع للهاتف ، حيث أتى الصوت ، كان واضحاً أن الكيان على الطرف الآخر يصرخ .. الصوت جاء مكسواً بتشويش الاتصالات المعتاد .
ظللت أنظر ناحيته ، وشعرت بتأنيب ضمير بعض الشيء أن ما أراه هنا أمتع مما يفعلونه هناك . نظر لي قليلاً ، ثم أغلق الهاتف .. بهذه البساطة .. بنفس بساطة أن يرفع أحدهم الهاتف من أذنه ، ويضغط زر انهاء المكالمة .. لم أعرف ان كانا قد تبادلا عبارات الوداع ، أم أنه أغلق الهاتف في وجه من يحادثه .. قررت ألا أسأل ، واكتفيت بمشاهدة ما يحدث ، حيث كان الجميع يضربون (باتيستا) حالياً ، وهو ساقط كعجل مذبوح ..
سألني عما يحدث .. وانا نظرت للشاشة وقلت له أن الأمر كما يرى .. (باتيستا) يطحن (الأندر تيكر)

الاثنين، 3 مايو 2010

نادي السينما

لي صديق كان يرى ان هناك القليل جداً ، مما يستحق الحديث عنه ، لهذا قال مرة : " أجمل ثلاث حاجات في الدنيا : السينما ، والكتب ، والنسوان " .. ضحكنا يومها كثيراً ، ولكننا ضحكنا عليه أكثر بعد ان خطب وأصبح رسمياً في عداد المرشحين للزواج في القريب .. وهو ما جعلنا _أصدقاؤه_ نتساءل إن كانت وجهة نظره لا زالت كما هي .. أصبح الآن يعود للبيت قبل الثانية عشر مساءاً ، ويتحدث بتهذيب بعد ان كان لسانه يقطر سفالة صرفة ، حتى لا ينزلق لسانه وهو معها لما هو معتاد على قوله .. وهو ما جعلنا _أصدقاؤه_ نتساءل عما سيحدث عندما يصبحان في بيت واحد .. " أكيد هيخرج الخميس ويذاكر الجمعة " يقول صديق آخر ، لننفجر في الضحك .
صديقي هذا، صاحب النظرية ، طلب مني ( في اتصال تليفوني طبعاً ) أن أرشح له عدة أفلام ، ما رآها وما لم يرها ، يشاهدها خلال سفره إلى الصعيد ، منفياً من جهة عمله ، لكي يستطيع أن يطالب بحقه في أجازة يقضيها مع عروس البحر .. و محاولة التذكر هذه جعلتني أتذكر عدداً من الأفلام التي علقت بذهني طويلاً ، وهذه الأفلـ... ما تيجوا نشوف أحسن :)


بطولة kate winslet و Jim carrey .. في دورين من أفضل أدوارهما في رأيي .. الفيلم قائم على فكرة ان هناك شركة ، توفر خدمة مسح الذكريات الغير مرغوب فيها لمن يريد التخلص منها .. في هذه الحالة ، فـ (Joel Barish) (جيم كاري) يكتشف ان حبيبته السابقة (Clementine Kruczynski) (كيت ونسلت) قد قامت بعملية مسح لذكرياتها معه ، أي أنه أصبح الآن شخصاً غربياً عنها تماماً وكأنها لم تعرفه .. لهذا يقرر أن يفعل المثل ، طالما أستطاعت هي أن تمحوه . المهم هنا ، هو أن وخلال عملية المسح نفسها ، يكتشف (Joel) أن هذا ليس ما يريده ، وأنه عدل عن رأيه في مسح الحبيبة من حياته .. حينما يعود لذكرياته القديمة وبدايات الشغف بينهما ، ولحظات الاحتكاك الأولى بين شخصين لا يعرفان أي شيء عن بعضهما البعض ، المشكلة الآن أنه تقريباً فاقد لوعيه ، غائب تماماً عن الواقع ، ويعيش في دماغه ، كل التفاصيل التي يتم محوها .. فيبدأ (Joel) و (Clementine) في محاولة الهروب من العملية .. هل سينجح ؟ .. قاتل بعقلك وكيانك معهما . :)
هذا الكلامربما يكون عبيطاً بعض الشيء ، الفيلم مليء بالتفاصيل التي لا يمكن الحديث عنها بغير قتلها تماماً ،
لابد هنا من الإشارة أن محمود درويش يقول : لا أريد من الحب غير البداية ، وهو قول موفق بشدة ، وكذلك التنوية أن عنوان الفيلم مأخوذ من قصيدة للشاعر (Alexander Pope) بعنوان Eloisa to Abelard .. والإيماءة إلى Kate Winslet في الشعر الأزرق .

لا أحب الحكمة التي تأتي بأثر رجعي ، لا أحد يصدقها ، ولا ينبغي لأحد أن يفعل ، لكنني هنا لا أستطيع منع نفسي من الفخر ،
بعد مشاهدة فيلم Cast away قلت لأصدقائي أن توم هانكس سيكرر التجربة مرة أخرى ، ولم يصدقني أحد .. في Cast away ، لا بوجد حوار بالمعنى المفهوم ، تشعر حتى انه مرتجل من قبل الممثلين ، الفيلم بالكامل ، صامت تماماً ، وهو أمر مذهل .. لم يصدقني أحد لأنهم رأوا أن الفيلم رائع وأستوفى كل شروط التجربة كما يقولون ، ولا يوجد معنى لتكرار الأمر مرة أخرى .. من حسن الحظ ان ستيفن سبيلبرج رأى العكس ..
الفيلم يحكي قصة فيكور نافورسكي ، الذي وصل إلى مطار نيويورك ، وخلال وصوله ، تقوم حرب أهلية في بلاده ، كركوزيا ، ويصبح مصير الدولة هناك غامضاً ، حيث أن هناك دولة جديدة قد تم اعلانها من قبل الثوار ، و هذه الدولة الجديدة لم تعترف بها الولايات المتحدى بعد ، وبالتالي فمن المستحيل السماح له بدخول الولايات المتحدة ، وكذلك من المستحيل اعادته إلى كركوزيا التي لا تعترف بها أميركا كدولة أصلاً ، بهذا يصبح محل اقامة السيد فيكتور ، هو المطار .. يطلب منه مدير المطار أن يبقى هنا ولا يتحرك ، ولكنه في الخفاء يخطط لدفعه دفعاً إلى خارج المطار ، فيصبح من اختصاص قوات الهجرة والأمن .. أي انه يريد القاء عبء فيكتور عن كاهله ، وكاهل المطار ، لأن هناك تفتيشاً (لجنة يعني) ستأتي من كبار المسئولين ، وسيكون عيباً في حقه أن يبدو المطار ، كأنه قبلة للمشردين .. يبدو الأمر بسيطاً ، لكن إزاء ذكاء فيكتور الحاد ، يصبح الموضوع نوعاً من تحدى الكرامة ، المدير يريد طرده ولا يصدق أن شخصاً لا يستطيع حتى أن يتحدث الإنجليزية يستطيع أن يتغلب عليه .. في رأيي ، هناك الكثير من ملامح شخصية شارلي شابلن ، والوغد البدين ، في شخصيتي فيكتور ومدير المطار ، الفيلم خرافي الجمال من الآخر . لي نظرية تقول أن الناس الحلوة بتلم على بعض ، لا أملك اثباتاً علمياً ، لكن مثلاً ، توم هانكس هو أحد منتجي فيلم Where the Wild Things Are ، لم أندهش عندما عرفت هذا الخبر لأنني كما قلت أصبحت هذه الأشياء تؤكد وجهة نظري لا أكثر .. كنت قد سمعت عن الفيلم وهو في طور الإنتاج ، ولكنني أصبت بالذهول عندما وجدته ضمن الأفلام المعروضة في الطائرة العائدة بي إلى بر المحروسة .. شاهدت الفيلم بأكمله ، ثم شاهدته مرة أخرى وثالثة ورابعة ..
الفيلم يتحدث عن الطفل ماكس ، الذي لا يمتلك شيئاً إلا خياله .. والذي يعاني من صعوبة في التأقلم مع عالمه ، ويزيد الأمر عليه ، حين يسخر منه أصدقاء أخته ، ويهيلون الثلوج عليه ، و تنتهي المجزرة بأخته وهي تنحاز لصفهم ، وترحل معهم ، ماكس ، الذي يرتدي الزي التنكري لذئب يهرب من بيته ، والهروب هنا لا يكون على مستوى الحقيقة فقط ، بل يتعداه إلى الخيال أيضاً ، وفي مزج شديد الجمال ، لا يظهر الفيلم على الإطلاق العالمين : الحقيقي والتخيلي وكأنهما كيانان منفصلان ، بل على العكس تماماً ، تنسحب الكاميرا بسلاسة شديدة من هذا العالم ، لتجد نفسك فجأة في خياله ، دون أي قطع او الصور الكارتونية القديمة عن التخيل .
يصل ماكس إلى جزيرة ، تقطنها قبيلة من الوحوش ، من بينهم شخصية كارول ، الوحش ، والذي يشابه ماكس في كثير من التفاصيل ، هذه الوحوش تشعر بالحزن الشديد ، ولا تشعر بالسعادة أبداً ، يقول لهم ماكس ألا يأكلوه ، كما كانوا قد قرروا أن يفعلوا ، وبدلاً من ذلك أن يعينوه ملكاً عليهم ، وهو مسئول عن جلب السعادة لهم .. هذا ما يمكن قوله عن الفيلم دون تدميره ، الفيلم حقاً من أروع الأفلام التي رأيتها في فترة طويلة ..
نستكمل غداً

الأحد، 2 مايو 2010

وحدث لي ما حدث


ومن أهم القصص التي تلقي الضوء على هذا الجانب من شخصيتي ، قصة زواجي من د.هدى . وحينما قابلتها لأول مرة حدث لي ما حدث ، وكان لابد من أن اتأمل فيه وأفهمه ((عقلياً)) حتى يمكنني التعامل معه . وكنت حينذاك عضواً في الحزب الشيوعي المصري . فطلبت النصح من مسئولي الحزبي ، فأخبرني أنها (( برجوازية)) ، والزواج من مثلها يسبب مشكلات كثيرة ، أي أن المسئول عني في الحزب طرح تصوراً عقلياً أيدولوجياً (طبقياً) للحب والزواج . وهداني وجداني (وربما فطرتي السليمة) إلى أن أذهب لأمي أطلب منها النصح (وهو أمر نادر للغاية ، لعلي لم أفعله من قبل أو بعد) . فسألتني سؤالاً بسيطاً للغاية وهو : " هل يشعر قلبك بالفرح حينما تراها ؟" لم أجب عن السؤال ، ولكنني أحسست ساعتها أن أثقالاً أيديولوجية وتحليلات طبقية مادية سقطت من وجداني ، وأن أغلال القلب بدأت تنفك ، وقررت الارتباط بالدكتورة هدى . ولعل هذه كانت من أوائل أحداث حياتي التي يهتز فيها النموذج المادي الوظيفي كإطار للرؤية .
( د. عبد الوهاب المسيري / رحلتي الفكرية .. في البذور والجذور والثمر .. سيرة غير ذاتية غير موضوعية )

السبت، 1 مايو 2010

الريشة الخضراء


حدث هذا منذ زمن طويل .. أختي الصغرى ليلاً تهزني بقوة لا تتناسب مع حجمها الصغير ، ومع سنّها الأصغر ، لتقول في فزع : اصح بسرعة ..
لم أصح بسرعة .. استغرقت وقتاً لكي أعرف أين أنا ، ولكي أستعيد وعيي الذي يسمح لي بإدراك أننا قد تجاوزنا منتصف الليل بأربع ساعات ، وأنني الآن في سريري ، وأنها الآن تقف بجواري تبكي ..
لا نأخذ الأطفال بجدية ، هذه جملة تقليدية نبرر بها كل شيء .. لكن لنا عذر .. من يمكن أن يصدق ما تقوله وهي تبكي : في عفريت في أوضتي ..
نقول غالباً ما لا نعنيه ، نستخدم قدراتنا كبشر لهم وعي وخيال ، في خلق ما لا يوجد .. العفريت .. هذه كلمة نقولها كلما أعيتنا الحيل في فهم ما يحدث حولنا ، نحيل ما يحدث على كائن غير موجود من الأصل ، وعينا بما يحدث حولنا أمر له عيوبه ، وعيوبه أن ما لا نفهمه ، نسميه بشيء مما لا نراه ، مما يتجاوز وعينا .
عفريت ؟ .. تساءلت وأنا نصف نائم ، نصف معتدل على سريري . وهي قالت بذعر : عفريت .. عفريت ..
كانت قد أبتعدت بعض الشيء ، مفسحة لي المجال لكي أقوم من مكاني مكتشفاً هذا العفريت . لكنني كنت أود النوم بشدة ، ولم أكن قد أويت إلى السرير أصلاً إلا من ساعة تقريباً ، وكانت هي نائمة في سبات ، قبل أن أفعل أنا بفترة طويلة .. لهذا لم أقم من مكاني وأنا أقول : عفريت إيه بس اللي هيطلع دلوقتي ؟!
تبدو الجملة متناقضة بشدة ، التساؤل لم يكن مثلاً : عفريت إيه ؟ .. مفيش حاجة إسمها عفريت .. ولم يكن جملة تقريرية : مفيش حاجة أصلاً إسمها عفريت .. بل كانت على العكس تماماً ، تساؤل عن السبب الذي يدفع العفريت للظهور في هذا الوقت المتأخر .. وهو الشيء الذي بقليل من التفكير يمكن تفسيره ، العفاريت لا يمكنها أن تظهر العصر مثلاً .. العفاريت تظهر غالباً بعد منتصف الليل ، وفترة الأربع ساعات هذه ، تسمح للعفريت بمزد من الغموض .
كنت أريد النوم بشدة ، وهي جملة نستخدمها في تبرير كل شيء .. أبتسمت بأبوة وأنا أقول لها أن تستهدى بالله ، وتدخل تنام ..
وهي فقدت أعصابها وهي تبكي قائلة أنني لا أصدقها ، وأن لا أحد في هذا البيت يأخذها بجدية .. وأنفجرت ملقية مزيداً من الدموع ، قائلة أن العفريت يرتدي طاقية حمراء ، وبذلة سوداء ، وأنه ينظر واقف عند الباب ينظر بشر . ثم صارخة : " في عفريت في أوضتي "
حاولت أن أذكرها بجملة وودي في حكاية لعبة : " في تعبان في جزمتي " .. تحب هي هذا الفيلم ، وتبكي مثلما فعلت كلما سقط باز الذي لا يطير ، عند محاولته للطيران ، مهشماً . ليكتشف بعدها أنه لعبة لا تطير .. ولكنها بمجرد ما سمعتني وأنا أقولها نصف نائم حتى صرخت من جديد : أنت بتتريق عليا .. ثم المزيد والمزيد من البكاء .
قمت من مكاني ، محاولاً ألا أقع ، ربت عليها قائلاً لها ألا تخاف ، معيداً عليها ما قلته : مفيش حاجة يا ماما إسمها عفريت أساساً .. الحاجات دي بتاعه الصغيرين، أنت كبيرة ..
وهي هزت رأسها ، بشدة : والله موجود .. لابس طاقية حمرا وبدلة سودا .. ومليش دعوة صغيرين ولا كبار .. أنا شايفاه .
قلت لها أن تهدأ .. أمسكت بيدها ، وخرجنا من غرفتي إلى المطبخ .. صببت الماء في كوب بلاستيكي ، لأننا في مرحلة تعليمها ألا تشرب من الزجاجة مباشرة ، رغم أننا جميعاً نفعل ذلك . لم تشرب إلا جرعة بسيطة ، شربت أنا الباقي ، وحملتها إلى الحوض الذي كانت بقايا عشاء أمس مستقرة فيه ، غسلت لها وجهها ، هدأت قليلاً ..
خرجنا من المطبخ ، توجهت إلى غرفتها ، و أنا ألعن الحس التربوي المفاجئ الذي ظهر من العدم ليقرر أن عليها أن تتعلم النوم وحدها .. طوال الطريق كانت ممسكة بيدي ، ولكنها كانت مائلة بها بحيث تستقر خلفي ، أشعلت النور ، وبدت الغرفة كأي واحدة أخرى خالية من العفاريت .. نظرت لها ، وهي تنظر لزاوية الحجرة اليمنى حيث يستقر مكتب تستذكر فيه دروسها ، وحدها طبعاً ، فهذه مرحلة الاعتماد على النفس .. نظرت لما تنظر له ، وقلت : شفتي ؟ مفيش عفاريت ..
بدا ما أقوله وكأنه سخف لأنها تخلت عن يدي لتقف أمامي وتقول : ما هو مش هيبان قدامك .. لكن لما تنام ، هيرجع تاني .
حملتها ناحية السرير .. وضعتها فيه ، وقلت لها العفريت خاف مني ، وأنها يمكن أن تكمل نومها الآن ، نظرت لي بشك ، ثم طلبت مني أن أنام بجوارها تحسباً لظهور آخر للعفريت ، قلت لها أن العفاريت لا تظهر مرتين لنفس الشخص ، عقدت حاجبيها وتساءلت إن كان كنت أقول هذا الكلام فقط لجعلها تنام ، تظاهرت بالدهشة ، سألتها هل كذبت عليها من قبل ؟ .. قالت أنني فعلت حين وعدتها باصطحابها للسينما ولم أفعل .. فكرت في أنني فعلت هذا لأن أفلام عادل أمام غالباً ليست مناسبة لطفلة ، وقلت لها أنني سآخذها لفيلم آخر ليس فيه عادل أمام .. فكرت قليلاً ، ثم قالت لي أنها تحب عادل أمام .. قلت لها أن واحداً من أصدقائي دخل الفيلم بالفعل ، وأخبرني أنه غير مضحك على الإطلاق .. قالت أن صاحبي لا يفهم .. قلت لها أنه حمار بالفعل وضحكت ، فضحكتْ .. قلت لها أنني سآخذها لفيلم آخر لا تتوقف فيه عن الضحك من أوله لآخره . هزت رأسها موافقة. قلت لها أنني سأتركها الآن لتنام . وعندما كدت أطفأ النور ، قالت لي أن أتركه مضاء على الأقل ، فكرت في الأمر قليلاً ، ثم قررت ألا أفعل . وعدت للنوم .
مرت الأيام ، وهي الجملة الرائعة التي نبرر بها أن هناك كثيراً جداً مما حدث ، وأنه بلا أهمية ، كبرت أختي ، وهي غير قادرة على النوم في غرفة غير مضاء نورها ، ثم تركت البيت ، وتركته أنا أيضاً ، وأصبح موضوع النور المضاء ، أمراً شديد الأهمية في محاوراتنا الساخرة ،
قد يبدو من المناسب أن ينتهي الأمر هنا ، حيث يعم الأمن أرجاء المعمورة ، وينام الناس أغلبهم في العتمة ، , وتنتمي أختي لقائمة أخرى من البشر ينامون في النور ، لكن لم يحدث الأمر بهذا الشكل .
ابن أختي الصغرى ليلاً يهزني بقوة لا تتناسب مع حجمه الصغير ، ومع سنّه الأصغر ، ليقول في فزع : اصح بسرعة ..
لم أصح بسرعة .. استغرقت وقتاً لكي أعرف أين أنا ، ولكي أستعيد وعيي الذي يسمح لي بإدراك أننا قد تجاوزنا منتصف الليل بأربع ساعات ، وأنني الآن في سريري ، وأنه الآن يقف بجواري يبكي ..
لا نأخذ الأطفال بجدية ، هذه جملة تقليدية نبرر بها كل شيء .. لكن لنا عذر .. من يمكن أن يصدق ما يقوله وهو يبكي : في عفريت في أوضتي ..
هذه المرة كنت نائماً منذ فترة طويلة ، ابتسمت في داخلي ، وأنا أتساءل عن لعبة الجينات ، وقلت له : لابس طاقية حمرا وبدلة سودا طبعاً .. وهو صرخ باكياً : أنت عارفه منين ؟ ..
نظرت له في ذهول ، كانت أختي قد تركته في البيت لأنها مسافرة ليومين ، وجعلته ينام في نفس الحجرة التي كانت تنام فيها ، والتي لم يتغير فيها شيء ، حتى صور المطربين ، ودفاترها القديمة ..
سألته : أنت متأكد أنه لابس طاقية حمرا .. وهو قال لي غارقاً في دموعه : وعليها ريشة خضرا ..
لم أشعر به وهو يتسلل بجواري ، ويضع على جسمه اللحاف ، ويقول لي : هتروح تشوفه ؟ .. لم أعرف ماذا يمكن فعله ، ولكنني قررت أن أضع اللحاف على رأسه ، ورأسي ، وعندما سالني : خالو .. انت خايف من العفريت ، قلت له أنني سأموت من الخوف . ربت على كتفي ، وقال لي : ماما قالت لي مفيش حاجة إسمها عفاريت .. متخافش .. نظرت له وحاولت أن أبتسم .

السبت، 24 أبريل 2010

بخصوص ما يحدث


لابد في البداية من توضيح أنه لم يكن شاباً طرياً ، أو هكذا كان يرى نفسه .. بالطبع لا يمكن الاعتماد على وجهة نظر الشخص في نفسه ، لكن للأسف ليس هناك مجال آخر لجمع عشرين شخصاً بشكل عشوائي ، وعرض فترة كافية من حياة هذا الإنسان عليهم . ليقرروا إن كان هذا الشاب ، طرياً أم لا .. لهذا سيكون كافياً ، أن يتم التنويه في البداية أن هذا الشاب ، ليس طرياً ، لأنه لم يكن يرى نفسه كذلك .
ربما يستدعي هذا ، التساؤل إن كان خشناً ، وهي النقيض الواضح للطراوة . لكن هذا الشخص لم يفكر في هذه المسالة من قبل ، هو كان يكتفي بنفي أنه طري .

كان عائداً إلى بيته في أمان الله ، عندما لاحظ أن هذا الشارع هو نفس الشارع الذي قابلها فيه مرة حين كان يريد أن يقابلها .
أنت تعرف بالطبع هواجس العشاق تلك ، أن تمشي في شارع عادي مثلاً ، سنطلق عليه اسم (أ) افتراضاً ، ثم فجأة ، تشعر أنها تمشي الآن وحالاً في الشارع الموازي وهو ما سنختار له الاسم (ب) ، لهذا تستغل أي تخريمة ، لتدخل في الشارع (ب) ، ثم كفقاعة مكللة بالنور ، تظهر الفتاة ، هنا طبعاً سينفجر الإحساس ، أنكما لبعض ، وأن هذه إشارة كونية تقول لك بكل وضوح : أن ما حدث الآن لا يمكن أن يحدث بهذه البساطة ، لتحاول أنت التقاط أنفاسك ، وتبتسم تمهيداً لمحادثتها مبهوراً بما يحدث . وهو حقك بصراحة ، ما احتمالات حدوث هذا ؟ .. دوناً عن كل شوارع المدينة ، تقرر هي أن تمشي في شارع ، ستمشي أنت فيه بعد ثوان ، مع الأخذ في الاعتبار ، أن هناك هاجساً ما دفعك لتمشي فيه ، لأنك كنت تمشي في شارع آخر أصلاً .

لكل هذه الأسباب ، كان يمشي في الشارع (ب) خائفاً ..

لابد هنا من توضيح أنهما ليسا مع "بعض" الآن ، وهو ما يدفع المرء حقاً للتوقف لحظة عن ممارسة حياته اليومية ، والتساؤل بصوت مرتفع : " نعم ؟ .. خير يعني ؟! " ، لماذا تحدث هذه الأشياء اللطيفة ، حينما تقرر الأمور أن تمشي في سكة أخرى مختلفة تماماً .

هنا ، شعر أنه سيراها .. ولم يكن هذا محبباً إلى قلبه الآن . وتساءل إن كان يجب أن يختار أي تخريمة للمشي في الشارع (أ) الموازي ، وهو الشارع المحبب إلى قلبه الآن ، لأنه لا يحمل كل هذه الطاقة فوق الطبيعية لذكرى لقاء لإثنين لم يصبحا لـ" بعض " .

الحقيقة أنه لو كان يقرأ كثيراً ، لعرف أن هذه الأشياء بالذات ، تحدث كثيراً ، يعني أن تقرر ألا تمشي في شارع ، و أن تمشي في شارع آخر ، لتجد أن الشارع الآخر بالذات ، هو ما اختارته الأخت الفاضلة لكي تمشي فيه .. هذا يحدث كثيراً وبشكل غريب ، وهو ما يجعلك تعيد التساؤل بنبرة أحد هذه المرة : " نعم بجد ؟ .. خير ؟ " .. لكن للأسف هو لم يكن يقرأ كثيراً ، يعني كان يقرأ عادي يعني ، ولكنه لم يكن يقرأ ما يجب أن يقرأه ، وفي هذه الحالة ، كان يجب أن يقرأ رواية أو قصة ، أو حتى قصيدة _ وهي الشكل الأمثل لمناقشة مثل هذه المواضيع _ تتحدث عن فتى يقرر ألا يمشي في شارع ، ويختار شارعاً آخر ، ليجد فتاته قديماً أو الأخت الفاضلة حالياً تمشي في هذا الشارع بالذات . ربما كان سيعرف أن الأمر خطير فعلاً ، وأن اختياراته التي تكتسي بالعفوية ، لابد كذلك من إدراك أنها حسنة النية بشكل مبالغ فيه .

هذا ما حدث على كل حال ، أختار تخريمة ما ، جعلته الآن في الشارع (أ) الذي لا يحمل أي ذكرى سيئة ، حتى الآن طبعاً لأن كل البشر لو تم عرض هذا المشهد أمامهم ، سيعرفون أن طبائع الأمور تقول أنها الآن في بداية الشارع (أ) .

لم يشعر بشيء حين رآها ، ربما سيعود لبيته ، ويفكر أن الدنيا غريبة .. وأنه الآن لم يعد يشعر بأي شيء من أي نوع ناحيتها ، وأن هذا محزن نوعاً ما . ورأيي الشخصي ، أنه كذلك فعلاً.

لابد هنا من توضيح أنه قرر في البداية ألا ينظر لها ، يعني .. هو كان يكره هذه المواقف كما يفعل الجميع ، وكان يصاب دائماً بالحيرة من نوع الفعل الأمثل ، ولكنه مثل الجميع ، فعل ما قرر ألا يفعله ، ونظر لها في نفس الوقت الذي كانت تنظر له .
كانا يمشيان بسرعة واحدة تقريباً ، وهو أمر قد يمكن قوله بطريقة حالمة ، لكنه كان السبب في أنه رفع يده اليسرى بضع سنتيمترات ، كنوع من التحية للعيش والملح ، مع ابتسامة خفيفة ، رسمت هي نسخة منها على وجهها ، مع رفع يدها اليمنى بنفس الطريقة .

هو لم يكن شاباً طرياً .. أو لم يكن يعتبر نفسه كذلك ، وحتى الآن ، لم يسمح للأمر بالدخول عميقاً في داخله ، وكان تعامله مثالياً يوحي بقوة الشكيمة حقاً .. أصل يعني ، هذه الأشياء تحدث كل يوم ، ولا داعي لملء الدنياً صراخاً حزناً على الحب الضائع .
لكن السلام بهذا الشكل ، حز في نفسه .. و حز بشدة لدرجة أنه شعر بالشيء حاد الأطراف يتحرك بداخله في مختلف الاتجاهات .

مشي لبضع خطوات أخرى ، حتى وصل أول الشارع ..

لابد هنا من توضيح أن الحقيقة تختلف كثيراً عن المجاز.. ما يحدث في الحقيقة ، يحدث بجد ، يحدث بشكل لا يقبل اللبس ولا الاختلاف عليه . عندما وقف على أول الشارع ، وقف فعلاً هناك ، لم يتخيل أنه يقف ، ولم يشعر أنه يقف . نحن نقلل كثيراً من أهمية ما يحدث حقاً ، ونعطيه حجماً لا يليق بجلاله ، ولا بخشونته ، متأثرين ربما بالاعتياد ، والاعتياد بداية السخف كما هو مفهوم .
أما المجاز ، فهو أمر لا يمكن الإمساك به ، ولهذا فعليه يعتمد تراث أغان ممتدة من القرون الوسطى إلى الآن . أمر طري . عندما يقول أنه حزين ، فالجملة نفسها بلا معنى ، بلا أي مفهوم سوى عنده فقط . لهذا عندما شعر بأن هناك شيئاً يحز في نفسه ، وهو يرى الأمر الذي كان بينهما يتحول إلى تحية بلهاء ، شعر بالذعر ، وبدأ يشعر أنه طري فعلاً .

ربما لهذا السبب ، وهو واقف على أول الشارع ، سعل عدة مرات ، ثم بدأ يقيء دماً .

الثلاثاء، 20 أبريل 2010

هكذا تحدث عم أحمد


لم يكن الأمر شجاعة مفرطة مني ، لكن رأي عم أحمد كان عكس ذلك على ما يبدو ، لأنه نظر لي بإعجاب ثم أستكمل ما كان يفعله . بصراحة ، ليس الأمر أنني لا أخاف ، الأمر كان أنني جائع جداً ، والوقت قد تآخر ولابد من العودة قبل أن تبدأ أمي في القلق . لهذا فقد تجاهلت تماماً الخناقة الدائرة على بعد مترات مني ، وأستكملت الأكل .
لم ألحظ أن الخناقة دخلت فيها السكاكين السنج إلا عندما قطع عم أحمد ما يفعله وصرخ : نزل السنجة دي بقا وامشي من هنا يابن الو*** .. عندها فقط رفعت رأسي عما أنا منهمك فيه لأجد أن الشاب الممسك بالسنجة يصرخ : يعني عاجبك يا عم أحمد ياخد الأمانة ؟ ، ثم بدا وكأنه ملبوس بالكلمة حيث أخذ يكررها وهو يسحل الفتى الآخر الذي لاحظت الآن فقط أنه ملقى على الأرض : ياخد الأمانة يعني ؟ .. ياخد الأمانة ؟ .. ثم ناظراً للمسحول : ما تيجي تلبسني طرحة أحسن يا عـ** .. تحرك عم أحمد ، الذي بدأت أفهم أن له سلطة تتجاوز بائع الفول على عربة متهالكة ، و أمسك مغرفة الفول التي بدت كسلاح تافة ، ثم جرى ناحية الفتى وضربه بها على ظهره وهو يقول :
انت ملكش كبير يا حمادة يعني ؟ بقولك نزل البتاعة النجسة دي يبقا تسمع الكلام ..
حمادة سمع كلام عم أحمد وخفض السنجة ، وترك الفتى الذي بدا أنه فقد الوعي .. وبمجرد ما فعل هذا ، عاد عم أحمد للعربة ، وسألني دون مقدمات : شفت لما حمادة كبر لي ؟
وأنا قلت له أنني رأيته وحمادة بيكبر له ولكن بصراحة لم أتابع الخناقة لأنني كنت جائعاً جداً .. ولهذا السبب تحديداً لم أتحرك من مكاني ، في حين أن جميع الواقفين جواري تحركوا لمكان أكثر أمناً .
هز عم أحمد رأسه وقال لي : اتخانقت قبل كدا ؟ .. يعرف عم أحمد أنني طبيب في طور التكوين ، لهذا كان يعاملني معاملة خاصة ، مزيد من السلطة ، مزيد من الفول ، مزيد من الزيت ، ومزيد من المودة ، ورفض الاثنين جنية الذين أعطيهما له ، حيث يظل يقول بصوت عال نسبياً : خلاص يا دكتور .. علينا المرة دي بقا يا دكتور .. خلاص بقا والله .. رجل طيب .
قلت له أنني تشاجرت كثيراً في الواقع ، كثيراً جداً .. لهذا قال لي : اسمع بقا .. لما تتخانق ، اوعا تهدا .. صدقني ، اللي بياخد الخناقة ، مش الأجمد ولا الأرجل .. اللي بياخدها الأجن .. خليك مجنون وأرمي نفسك ..
هززت رأسي ، قال لي : وخاف على زميلك .. اضربه ، بس ربنا مبيسامحش في التعوير ..

الاثنين، 12 أبريل 2010

عام واحد

إلى فوزية توفيق
** ** ** **
العزيزة بيرّي ..
لاحظت فجأة .. نعم .. أن هناك عاماً كاملاً قد مر ! .. العجيب أنني أشعر أن كل هذا قد حدث بالأمس فقط ، حين عرفت أنك قد رحلتِ .. و بكينا ، و بدأت أمك ِ في تعاطي مضادات الإكتئاب .. وعندما سكن هذا الحزن في قلبي ، ولم يغاردني أبداً .. عام كامل ..
لم أستطع التحدث مع والدتك ولو لمرة من ساعتها ! .. أنا أتجنب الحديث معها بصراحة .. آسفة . ولكنني ببساطة لا أستطيع .. لقد فقدتك ِ ، ولا أعرف من أين أحتلتني قناعة أنني سأذكرها بكِ (كما لو أنها قد نسيتك لحظة) ، أعني .. كنا دوماً معاً ، نفس الكلية ، ونفس أشياء عديدة نتشارك بها ، وطلبت هي مني النصيحة عندما أتى إليك ما أتى . كنا مرتبطين دائماً ! وعشت أنا و متِ أنت ِ ! كيف إذن أتحدث معها ؟! .. لا أستطيع .. لا أستطيع التعامل مع ألمها .. أعرف أخبارها عن طريق أمي ، تخبرني أمي أنها فقدت حس دعابتها . أن ملامحها تختفي ببطء . قلبي معها . أفقد رؤيتها .. حقاً أفعل .. أفقد حتى قهقهاتها على الهاتف ، بالظبط كما أفتقد رؤيتكم جميعاً معاً .. حين كنا نقوم بهذه الحيل البلهاء لكي نلتقي ، ونبدأ ثرثرتنا الفارغة ! لكننا كنا معاً ، وكنت انتِ معنا . لن أتساءل عن حكمة الله الآن فيما يحدث ، لن أجدف .. بسببك ، عرفت كم هو الموت قريب .. أتذكر هذا كما أتذكر أن الحياة نعمة ، لأنها يمكن أن تنتهي في أي لحظة ! .. لم أقل لأحد أنني كل مرة أستقل فيها سيارةً أشعر بالرعب (حرفياً أشعر بالرعب) .. أصبحت حادثتكِ تسكنني ! . كل مرة أحتضن أختي الصغيرة ، قبل الخروج .. أرتجف من فكرة أن هذه هي قد تكون المرة الأخيرة التي تراني فيها . يذكرني موتك ِ بكل هذا ! وأحاول أن أستمتع بيومي ، وأقمع خوفي الذي يصاحبني في كل خطوة أخطوها خلال اليوم .. لكن الفكرة أن الحياة قصيرة جداً ! .. وأنها عاجلاً أو آجلاً ، تنتهي .. وأنها قد تنتهي في أي لحظة ! .. أنت كنت هناك ، مع أصدقائك ، تضحكين وتمزحين .. و تحدث حادثة .. يخرجون جميعاً منها سالمين .. وأنت ِ .. أنتِ فقط تموتين .. بمنتهى البساطة .
كان موتك درساً موجعاً ، قاسياً .. يا عزيزتي .
كم أتمنى لو كنت صديقة أفضل .. ولكنني بكل صدق ، أتمنى أن تصبح أمكِ بحال أفضل ! ليست عندي أي قدرة على تخيل كيف تناضل لتستمر في حياة من غير وجودك فيها .. ربي القدير .. أجعل طانط دينا تتعافى . فقط من أجل ولديها الصغيرين الذين يحتاجان حقاً إلى صوتها ، وسلامتها .. إلهي الرحيم .. أغمر قلبها بالسكينة .
أعرف أنك في مكان أفضل يا بيرّي .. أدعو أن نلحق بك يوماً في الجنة .
أدعو ليرحمك الله .. و لتظل سيرتك دوماً بيننا ، ولنتذكرك دائماً ( أدعو لك يومياً )
لك دائماً
هاجر
** ** ** **
الأصل ، باللغة الإنجليزية ، في مدونة Epitaph .. وكل الشكر لها

الجمعة، 9 أبريل 2010

بعض الأشجار لها رائحة


لم أستطع تذكر آخر مرة انفردت فيها بأبي .. في الواقع ، خطرت ببالي فكرة جفلت منها ، هي أنني لم أجلس أصلاً مع أبي وحدنا من قبل .
حدث الأمر بترتيب عشوائي بحت ، سافر أهل البيت لمحافظة أخرى ليعزوا أشخاصاً لم أسمع عنهم في حياتي ، في وفاة شخص لم أسمع عنه في حياتي . وبقي أبي هنا لأن هناك وردية في المساء ، على أن يخرج منها مباشرة على محطة القطارات ، وأنا رفعت يدي من المسألة منذ البداية ، وقلت لهم أنني لا أتخيل أن أمد يدي لأسلم على أشخاص لم أرهم في حياتي ، والألعن أن أقول لهم أنني حزين لما حدث لهم ، وأنهم يجب ألا يأخذوا الأمر على محمل شخصي ، فالبقاء لله كما تعرفون .
بقي أبي إذن ، أستيقظ عندما أذن الظهر .. سمعت صوته ، صوت تحركاته ، صوت السيفون تحديداً ، ثم صوت الدوش ، ثم صوته هو شخصياً ، ينادي علي ، ليطلب مني منشفة ، استغربت الأمر ، أنه عرف أنني في البيت ، صوت التلفاز لم يكن عالياً ، أنا كنت أقرأ أصلاً ، والجهاز كان أمامي كخلفية أنظر لها من حين لآخر ، مفكراً أنه في المستقبل القريب ، لن يقرأ أحد في الحدائق العامة ، وسيكتفون بعرض مناظر طبيعة على الحائط مثلاً ، بالظبط كما يفعلون في السجون لتهدئة السجناء .
ذهبت له بالمنشفة ، طرقت الباب ، مد يده المبللة فقط ، وألتقطها .. تركته وعدت إلى مكاني ، جلست وفكرت أنه من الغريب فعلاً أن ينسى أبي المنشفة ، مع عقل يهتم بالتفاصيل ربما لدرجة الهوس ، من المستحيل أن ينسى أمراً كهذا وهو يحضر لحمامه .
وجدته أمامي بعد خمس دقائق ، ينشف رأسه ، شعر رأسه ، ما تبقى من شعر رأسه ، نظرت له ، لم يكن يرتدي إلا المنشفة على وسطه فقط ، وأنا ضحكت وقلت له : يا منحرف يا جامد . وهو تساءل عن امكانيه الإنحراف بكرش كهذا ، وانا قلت أنه السر كله .. سمعت صوت ضحكه وهو يتحرك ليدخل غرفته ، هدأت حدتها قليلاً وهو يسألني : تاكل حاجة ؟ .. قلت له أنني أكلت فعلاً ، بدا وكأنه تفاجأ بهذا ، لأنني لم أسمع صوته ، شعرت أنني أريد أن أقول له أن يعمل حسابي طيب ، ولكنني قررت ألا أفعل .. خرج من غرفته وهو يرتدي ملابس البيت ، ويمسك بيده شريط دواء ، ابتسم لي وقال أن أخلي بالي من أخواتي لو أخذ هذا الدواء الآن .. سألته عن السبب وانا أبتسم ، أكتيفيد .. قال .. الحقيقة أنه ، وأنا كأمتداد طبيعي لسلالته ، نعاني من صعوبة بالغة في التعامل مع مضادات الهستامين .. نأخذ الحبة من هنا ، وتبدأ الأعراض اللعينة ، دوخة ، وصداع ، ورغبة شنيعة في النوم .. سالته إن كان مزكوماً ، نفى هذا ، وقال أنه يعاني من احتقان في لوزتيه ، قلت له أن يأخذ أي مضاد حيوي وخلاص ، لكنه هز رأسه مؤكداً أن الإفرازات المخاطية ستدمره بعد ساعات ، لهذا سيستبق الأمر ويأخذ حبة الآن .. هززت كتفي ، ولكنني نظرت له ، حين قال أنه أنني محظوظ لأنني لا أعاني نفس المشكلة كلما أخذت نفس الدواء ، حاولت أن أقول له أنني انام بالساعات ، ولكنني أكتفيت بالنظر ، ولم أعلق .
غاب لفترة في المطبخ ، عاد بطبق مملوء بالأرز والبامية ، في أحد أطرافه تستقر قطعة لحم، وضعه أمامي على الطاولة أمام التلفاز ، ثم غاب ثانية ، وخرج بطبق آخر ، أمسكه هو ، وجلس بجواري على الكنبة ، شعرت برغبة في شجار ظهيري لا بأس به ، قلت له ، أنني قلت له أنني أكلت .. وهو كان يمسك الطبق بيده اليسرى ويفتش في ثنيات الكنبة بالأخرى عن الريموت .. قال لي أنه يعرف ، ثم قال : كُل معايا يا عم .. فشل في العثور عليه ، وقال ، غريبة ، كنت لمحته .. سألني إن كان خلفي ، وانا قلت له أنني منذ أن أستيقظت أشاهد هذا الهراء لأنني لا أجد الريموت .. قال لي أنه خير ، قلت له أنهم في بعض السجون يبثون مشاهد لمناظر طبيعية طول اليوم على السجناء لأنهم وجدوا أنها تهدئهم ، وتقلل كثيراً من معدلات الشجارات بينهم ، بدا مهتماً ، أكملت أن المستقبل ربما ، سينهي عادة القراءة في الحدائق ، ويستبدلها بشاشة تعرض عليك صور أشجار لا تشم لها رائحة ، وأنت تقرأ ، ابتسم ، قال أنه في المستقبل لن يقرأ أحد .. ثم توقف عن الأكل وسألني بفم نصف مملوء ، عن رائحة الأشجار ، قلت له أن بعض الأشجار لها رائحة .. هز رأسه . ثم سألني عن عادة القراءة في الحدائق ، قلت له أنه يجب أن يجربها يوماً ما ، الصباح الباكر جداً ربما ، أو المغربية .
دون مقدمات ، دون كلمة تمهد ، وبعد أن توقف عن الأكل لدقائق ، سألني مباشرة : لست أباً سيئاً في المجمل ، صح ؟ .. مططت شفتيّ قليلاً ، وقلت أنه ليس أباً سيئاً .. هز رأسه ورفع الملعقة إلى فمه .
بابا ، نظر لي ، قلت : أنا بنام نوم أهل الكهف لما باخد الدوا دا .. تساءل : أكتيفيد ؟ .. قلت له : آة .. قال : يا راجل ؟ .. هززت رأسي ، وقلت : آة والله . نظر في طبقه وبدا على ملامحه الاستغراب وقال : مكنتش أعرف الحكاية دي .. هززت رأسي بمعنى أنه عادي يعني ..
أعتدل في جلسته ووضع الطبق على المائدة ، وبمجرد أن لامس ظهره ، مسند الكنبة الخلفي ، مددت يدي له بالريموت .. نظر ليدي ، وقال : يا راجل ؟ .. وانا أبتسمت بركن فمي ، وكتمت ضحكي ، وقلت : آة والله

السبت، 3 أبريل 2010

بالسلامة


كان الفاصل الزمني بين آخر مرة كنت فيها هنا ، وبين الآن ، كبيراً .. يتجاوز الشهور بتقدير مبدئي ، لم أفكر فيه إلا عندما صمتوا جميعاً ونظروا لي .. كنت أفكر في أمرين بالتحديد ، الفاصل الزمني الممتد ، و المرات التي أغلقت فيها هاتفي ، عندما كانت الإتصالات تزيد عن مرتين .. شعرت بالحرج ، وزاد الأمر سوءاً ، الصمت الذي تلبسنا .
كان معي كتاب ، وكنت ، كعادتي أفكر في موضوع لا علاقة له بما يحدث ، كان الكتاب يتحدث عن عام سيء ، ، و أفكاري كانت تتمحور حول داليدا .. رغم أني لا أحب سالمة يا سلامة .. وإن كنت أحب حركتها على المسرح وهي تغنيها .. ورغم أن عامي لم يكن سيئاً .
قلت : صباح الخير .. وقام واحد ليسلم علي قائلاً أن الحمد لله على السلامة ، قلت له الله يسلمك ، وسحبت كرسياً ، وجلست متحاشياً النظر لأحد ، لكنهم كذلك لم ينطقوا بكلمة ، وشعرت أن وجهي يحمر ، وأنني أريد الجري من هنا ، لكن تفكيري هذا كان غير واقعي ، فأعتدلت في جلستي ، و سألت عن الأحوال .. تحدث إثنان أو ثلاثة ، ثم كان لابد من سؤالي نفس السؤال .. وأنا أمسكت الكتاب ، وقلت أنني غيرت رقم هاتفي .

الأحد، 28 مارس 2010

Don't leave home



الأولى ، هي أنوثة الحضرة ، كيت ونسلت في ( الإشراق الأبدي لعقل لا تشوبة شائبة ) .. تُعرف بعلامات ، الأزرق لون الشعر ، والضوء ينكسر بالقرب منها ، وأن الكتاب يسعد بما يحدث ..
الثانية ، هي امرأة صغيرة تقرأ ، لوحة بالزيت للسيد جان -هونورى فراجونارد .. سعيد الحظ برؤية أصابع بالتأكيد أصابت العالم بالخبل



الأربعاء، 24 مارس 2010

تـراب


كنت قد طلبت منه أن يسمع لزياد الرحباني .. ينتمي هو لجيل فيروز مع الأخوين ، يتذوق جيداً ما تقدمه من خلالهما ، لهذا السبب رفض لسانه طعم زياد الحمضي .. لم أتوقف عن المحاولة معه ولم يتوقف عن الرفض والسخرية ..
تزامناً مع حفلة زياد الرحباني في مصر ، طلبت منه أن يسمع (بلا ولا شي) .. أغنية يعتبرها كثير من اليساريين تجسيداً للحب الحقيقي .. حيث الحب فقط دون أي شيء آخر .. بلا مجوهرات أو ليرات .. بلا نسوان الحي أو أدوات التجميل أو أب و أم ، بلا ولا شيء ..ويطلب منها في النهاية أن يجلسا في الزرع الأخضر ، حيث هذه الأرض لا تنتمي لأحد .. توقعت أن الأغنية ستلفت نظره وأنه سيتقبل نوعاً هذا الطراز القريب بعض الشيء من أغاني فيروز . ولم يحدث هذا ..
أستمر لربع ساعة تقريباً في الحديث عن الموسيقى المملة ، وصوت زياد النشاز ، الأمر الوحيد الذي تقبله نوعاً هو صوت رشا رزق ، القادمة من عالم كارتون سبيس تون .. أخبرني أن كان من الجميل أن يسمع من تغني أغاني كونان المحقق الصغير ، والقناص ، وهي تغني عن أشياء إعتيادية ..
ثم قال في النهاية : يا عم ، دا بيكح على البت تراب ويقولها بحبك !
وأنا أنفجرت في الضحك ، ثم توقفت حين أنفجر هو في البكاء .

الخميس، 4 مارس 2010

قـضـاء


عندما دخلت المطبخ ، كانت هي منهمكة في تخريط الملوخية .. تخريط طبعاً ، وليس تقطيع ، وذلك ربما لأن الأداة تسمى بالـ"مخرطة" ، وأحياناً يسبق إسم الإداة ، ما يفُعل بها ..
بعد ثلاث خطوات للداخل ، تذكرت أن رائحة السجائر ربما لا تزال عالقة بي ، بحركة تلقائية تحسست الولاعة التي تستقر في جيبي الأيسر ، في حين أن العلبة نفسها في مكانها التقليدي بجيبي الخلفي ، حيث تبدة كمحفظة بريئة الشكل .
ألقيت السلام .. فردت بهدوء ، وهي تلتفت لي دون أن تغير إيقاع حركتها المتمايلة .. وسألتني متى جئت .. تحركت للداخل ، متجاوزاً مكان وقوفها إلى الموقد ، موقد طبعاً لأن النيران توقد فيه ، وأحياناً يسبق ما يفعل بها ، إسم الإداة .. ونظرت للأطباق التي استقرت فيه ، وأغلقته مرة أخرى ..وقلت إنني وصلت منذ دقائق .
سألتني عن أخبار يومي ، فقلت أنه لا جديد .. لم أقل بالطبع أنني منذ خرجت وأنا أدور في الشوارع لأن هذه الأشياء لا تُقال .. ونظرت لها وهي تعدل ورقة اللحم التي تخرط الملوخية عليها ، ترفعها وتهزها أكثر من مرة ، ثم تطرحها جانباً ، متناولة السكين ، وناظرة لرخامة المطبخ ، حتى عثرت على المبشرة .. مبشرة طبعاً ، وذلك لأسباب تتعلق بعملية البشْر ، التي تحول الجزر، مثلاً ، إلى كتلة صفراء بلا ملامح ، مبشورة .. وأحياناً يتعلق إسم الأداة بالناتج منها ، كما يتعلق بما تفعله .
طلبت مني أن أناولها بصلتين من الحامل البلاستيكي الذي يفصلني عنه خطوتين .. و أن تكون البصلتين كبيرتين .. قرفصت متحسساً البصل بيدي ، محاولاً إختيار ما تريده ..
البصل كله صغير .. قلت .. فهزت رأسها .. قائلة أن آتيها بالموجود .. حاولت إختيار أكبر "الموجود" .. ثم وقفت ، وناولتها أربع بصلات .. وهي أمسكتهم ، متحركة إلى الحوض ،واضعة ثلاث مما تحمله فيه ، ثم ممسكة السكين ، وبدأت في إزلة القشرة الخارجية وهي تقول : صاحبك اتصل سأل عليك .
سألتها عن إسمه فقالت أنها نسيت ، ضحكت .. وأنا ضحكت .
لم يكن من المفروض أن أقابل أحداً اليوم .. حاولت التذكر ، فلم أنجح .. اليوم بالذات لم يكن من المفروض أن أرى أحداً .. ذهبت للسينما ، وخرجت في منتصف الفيلم ، بعد أن تشاجرت مع عامل التشغيل ، الذي أصر على أن يعطيني حقي في الإستراحة .. يعطيني ، تعني أنني كنت الوحيد في السينما ، ولهذا قلت له أنني لا أريد الزفت الإستراحة .. وهو قال لي بعد كلمة من هنا وكلمة من هناك أن الأمر ليس بمزاجي ، ولكنها قواعد .. سببت أم القواعد على أمه ، وكدنا نشتبك بالأيدي لولا تدخل فتى البوفية الذي قال لي أن اوحد الله في سري ، وأن الموضوع لا يستحق .. وبالتالي طال السباب فتى البوفية على البوفية ، وانتهى الأمر بي شبة محمول إلى الخارج ، شبة مطرود ، من رجل الأمن الذي قال لي أن أشكالي ليس لهم سينما .. وأنا وقفت في الخارج مصمماً على احداث مذبحة ، لولا خروج عامل التذاكر الذي أعطاني نصف قيمة التذكرة .. اشتريت بها علبة سجائر ، شربت نصفها قبل أن أعود .
غريبة .. قلت لها .. وأكملت أنني لم أكن سأقابل أحداً اليوم .وهي قالت لي أنه ربما لم يكن يتصل لهذا السبب . وأكملت تقشير البصلة الأخيرة .
يمكن .. قلت .
سألتني إن كنت سآكل معهم اليوم .. هززت رأسي قائلاً إنني أكلت بالفعل في الخارج .. وبالفعل ، لم يدخل بطني شيء منذ ثلاثة أيام .
أمسكت المبشرة .. وبدأت في تحريك البصلة على الحواف المشرشرة بقوة ، والبصلة التي كانت دائرية الشكل في يدها ، بدأت تتحول إلى مسحوق في الطبق الذي تستقر فيه المبشرة .
كنت قد تحركت لأقف بجوارها .. وقلت لنفسي أنها لو شمت رائحة السجائر ، فهناك التبرير السحري ، أنني كنت وسط جماعة من المدخنين . ولو أن مسألة شمّها للرائحة أمر مشكوك فيه ، بسبب رائحة البصل التي ملأت المطبخ .. وجعلتها تتوقف كل لحظات لتستنشق بقوة ..
كانت قد بدأت في البصلة الأخيرة حين بدأت في البكاء .. حدث الأمر فجأة هكذا .. ولم أستطع أن أوقف المياة التي بدأت تتساقط من عيني ، منعت نفسي من النهنهة ، وهي لا تتناسب مع دموع البصل الهادئة التي توحي بإهتياج الأغشية لا غير .. وهي توقفت فجأة لتسألني إن كنت أبكي .. وأنا قلت لها أنه ، طبعاً ، لا .. رائحة البصل مؤذية فقط ..
طيب أخرج بدل ما عينك توجعك .. قالت ، وأنا قلت أنني سأذهب للنوم .. جففت عيني في طرف الفانلة .. وهي قالت ، اللهم إنها لا تسأله رد القضاء .. وأنا سألتها عن سبب هذا الكلام الآن .. وهي لم تجب ، وقالت أنها تدعو طول النهار ..
تحركت للخارج وأنا أتحسس خطواتي ، وهي تكمل أنها تسأله اللطف فيه .

الأحد، 21 فبراير 2010

تماماً


العظام التي تلقيها للكلب ، ليست إحساناً .. الإحسان هو العظام التي تشترك في تناولها مع هذا الكلب .. عندما تكون جائعاً مثله تماماً

جاك لندن

الأحد، 10 يناير 2010

المتابعون