السبت، 24 يناير 2009



الملاحظة الوحيدة التي لم تفارق ذهني طوال أيام الحرب ( لو صحت تسمية ما حدث بالحرب أساساً ) ، هي أن الأمور تزداد تعقيداً بمرور الزمن ، بشكل لا يمكن تصوره ..
لا أعرف كيف عاش جدي مثلاً حياته ، لكني على الأقل أعتقد أن الأمور كانت واضحة بالنسبة له .. على الأقل ما يمكن تسميته بالبديهيات ... هناك اسرائيل ، وهناك فلسطين .. هناك أناس يموتون وهذا الشيء سيء .. وغير انساني .
بالأمس كنت أقرأ مقالاً نشره صاحبه السعيد بنفسه على الفيس بوك يقول للفلسطينين أنهم يدفعون ببساطة ثمن فعلتهم بإنتخاب حماس .. ويحذرهم بأن يقول في النهاية أنهم لابد في الانتخابات القادمة أن يحسنوا الإختيار حتى لا يقعوا في ذات المشكلة ..
أي أن الفلسطينيين مسئولون عن كل ما يحدث لهم حالياً لأنهم _ويالغباءهم_ اختاروا الطرف الخطأ في ممارسة بدت ساعتها ديمقراطية .
بدا لي هذا الكلام شديد الغباء إلى درجة أنه يتحول إلى المتعة الخام .. حين يتحول السوء إلى شيء قائم بحد ذاته تتسلى فعلاً بمشاهدته .. يمكنني أن أفهم منطق الصحف القومية في تغطيتها لأحداث الحرب .. هؤلاء رجال يخافون على مناصبهم بشدة .. يخافون عليها لدرجة أنهم لا يهتمون للحظة بما يقول عنهم كل الناس .. وهم يدافعون عن أنفسهم في كل يوم ، أمام من عيّنهم ، بأنهم مازالوا على العهد ، وأنهم يمارسون دورهم بكل اتقان .. بكل مقال يكتبونه ، وبكل مقال يمنعونه من النشر .. لكن ماذا عن هذا الشخص ؟ .. ماذا عن من يفترض به أنه مواطن عادي ربنا مسهل له وعنده نت ويجلس لكي يكتب هذا الكلام لمواطنين عاديين مثله ؟
هل كان عند جدي أشخاص كهؤلاء ؟ .. هل هذا طبيعي في كل عصر أم ماذا ؟ .. أعرف أن لكل عصر ، هناك المغردين عن السرب فيه ، هناك من يرفضون ما يقوله الآخرون كبديهيات ويطرحون رؤيتهم الخاصة ..وهؤلاء ليسوا طبعاً مخطئين .. هم بشر عاديون .. يخطئون ويصيبون ، ولا بجب أن نحكم عليهم بأحكام مسبقة .. ولكن لماذا يصبح الأمر الآن بهذا التعقيد ؟
منذ فترة ليست ببعيدة ، كان النقاش يدور حول شرعية الأعمال الاستشهادية ، وهل قتل المدنيين العُزل أمر انساني ، او حتى ديني . فيرد الطرف الآخر أنه لا يوجد مدنيون في اسرائيل ، وأنهم طالما على أرض محتله إذن فهم محتلون .. يرد الطرف الأول بأنهم طالما لا يمسكون السلاح فهم ليسوا محاربين .. وأننا لابد أن نعاملهم بأخلاقنا لا بأخلاقهم .. الخ .. الخ
هذا نقاش يمكنني أن أفهمه . أن أفهم بواعثه ، وأسبابه ، وحتى ما ينتج عنه .
لكن كيف يمكنني الآن أن أتحدث عن خطأ المقتول في أنه ضايق قاتله .. مع ملاحظه أنهما ليس قاتلاً ومقتولاً عاديين في حادثة يومية في شارع خلفي .. هذا محتل ، والثاني تم احتلاله ..
بالطبع كما قلت .. لكل عصر اختلافاته .. ولكل عصر مشاكله .. والمقارنة بين عصر وعصر يبدو غير مقنع بالنسبة لي ، لكن لا يمكنك مع ذلك أن تتجاهل أن هناك ببساطة "مصائب" أكثر تعقيداً من "مشاكل".
الذي أجده مثيراً للإحباط أنني أصبحت أحتاج إلى أكثر من جملة ، لقول ما كنت أستطيع قوله قديماً بجملة واحدة ..
كان يكفي قديماً ان تقول أنك تكره اسرائيل ليُفهم من كلامك أنك تكره اسرائيل .. أو أنك توافق على العمليات الاستشهادية ، لكي يُفهم ببساطة أنك توافق على المقاومة .. ولكن ما حدث منذ يومين .. أنني كنت أتحدث في ذات الموضوع .. ووجدت نفسي أقول أن ما تفعله إسرائيل هو إبادة عرقية لا أقل ( أجدها الآن بديهية ، لكن وسط سياق الحديث بدت لي منطقية) ، ولكني أجد ما فعلته حماس بكسر تهدئة واهية أمراً غبياً ، ثم أقول ، ولكن أسرائيل كانت ستهاجم سواء أطلقت حماس صوريخها البائسة أم لا ، ما حدث كان حجة لا أكثر .. ثم أقول ، ولكني أجد ما فعلته حماس أصلاً بإستيلاءها على قطاع غزة أمراً ممقوتاً قتل الوحدة الهشة التي كانت موجودة .. ثم أعود لأقول ولكن هذا لا يمنع أن ما فعلته السلطة ممثلة في فتح ، وتجاهلها لرأي الشعب الفلسطيني الذي انتخب حماس ، أمر غير مقبول .. ثم أنتبه إلى أنني أضعت الموضوع الأساسي الذي كنت أتحدث فيه فأسأل محدثي بصوت متعب : " إحنا كنا بنقول إيه ؟ "


">

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

حسبنا الله ونعم الوكيل..

غير معرف يقول...

الحل الأمثل لجميع هذه المشكلات هو أن نمسك جميعا بالسلاح و نعلن الحرب على إسرائيل ثم نجيلهم/نبيدهم ،و بعدها نتناقش في ماهية الحقوق الحماسية أو الفتحوية أو غيرها،و من كان منا المخظئ و من المصيب ونضع المسميات في نصابها..هناك احتمالية أخرى هي أن تقتل في الحرب،و حينها لن تقلقك مثل هذه الأفكار ثانية..أعدك بهذا!
ع*2

المتابعون