السبت، 24 يناير 2009



الملاحظة الوحيدة التي لم تفارق ذهني طوال أيام الحرب ( لو صحت تسمية ما حدث بالحرب أساساً ) ، هي أن الأمور تزداد تعقيداً بمرور الزمن ، بشكل لا يمكن تصوره ..
لا أعرف كيف عاش جدي مثلاً حياته ، لكني على الأقل أعتقد أن الأمور كانت واضحة بالنسبة له .. على الأقل ما يمكن تسميته بالبديهيات ... هناك اسرائيل ، وهناك فلسطين .. هناك أناس يموتون وهذا الشيء سيء .. وغير انساني .
بالأمس كنت أقرأ مقالاً نشره صاحبه السعيد بنفسه على الفيس بوك يقول للفلسطينين أنهم يدفعون ببساطة ثمن فعلتهم بإنتخاب حماس .. ويحذرهم بأن يقول في النهاية أنهم لابد في الانتخابات القادمة أن يحسنوا الإختيار حتى لا يقعوا في ذات المشكلة ..
أي أن الفلسطينيين مسئولون عن كل ما يحدث لهم حالياً لأنهم _ويالغباءهم_ اختاروا الطرف الخطأ في ممارسة بدت ساعتها ديمقراطية .
بدا لي هذا الكلام شديد الغباء إلى درجة أنه يتحول إلى المتعة الخام .. حين يتحول السوء إلى شيء قائم بحد ذاته تتسلى فعلاً بمشاهدته .. يمكنني أن أفهم منطق الصحف القومية في تغطيتها لأحداث الحرب .. هؤلاء رجال يخافون على مناصبهم بشدة .. يخافون عليها لدرجة أنهم لا يهتمون للحظة بما يقول عنهم كل الناس .. وهم يدافعون عن أنفسهم في كل يوم ، أمام من عيّنهم ، بأنهم مازالوا على العهد ، وأنهم يمارسون دورهم بكل اتقان .. بكل مقال يكتبونه ، وبكل مقال يمنعونه من النشر .. لكن ماذا عن هذا الشخص ؟ .. ماذا عن من يفترض به أنه مواطن عادي ربنا مسهل له وعنده نت ويجلس لكي يكتب هذا الكلام لمواطنين عاديين مثله ؟
هل كان عند جدي أشخاص كهؤلاء ؟ .. هل هذا طبيعي في كل عصر أم ماذا ؟ .. أعرف أن لكل عصر ، هناك المغردين عن السرب فيه ، هناك من يرفضون ما يقوله الآخرون كبديهيات ويطرحون رؤيتهم الخاصة ..وهؤلاء ليسوا طبعاً مخطئين .. هم بشر عاديون .. يخطئون ويصيبون ، ولا بجب أن نحكم عليهم بأحكام مسبقة .. ولكن لماذا يصبح الأمر الآن بهذا التعقيد ؟
منذ فترة ليست ببعيدة ، كان النقاش يدور حول شرعية الأعمال الاستشهادية ، وهل قتل المدنيين العُزل أمر انساني ، او حتى ديني . فيرد الطرف الآخر أنه لا يوجد مدنيون في اسرائيل ، وأنهم طالما على أرض محتله إذن فهم محتلون .. يرد الطرف الأول بأنهم طالما لا يمسكون السلاح فهم ليسوا محاربين .. وأننا لابد أن نعاملهم بأخلاقنا لا بأخلاقهم .. الخ .. الخ
هذا نقاش يمكنني أن أفهمه . أن أفهم بواعثه ، وأسبابه ، وحتى ما ينتج عنه .
لكن كيف يمكنني الآن أن أتحدث عن خطأ المقتول في أنه ضايق قاتله .. مع ملاحظه أنهما ليس قاتلاً ومقتولاً عاديين في حادثة يومية في شارع خلفي .. هذا محتل ، والثاني تم احتلاله ..
بالطبع كما قلت .. لكل عصر اختلافاته .. ولكل عصر مشاكله .. والمقارنة بين عصر وعصر يبدو غير مقنع بالنسبة لي ، لكن لا يمكنك مع ذلك أن تتجاهل أن هناك ببساطة "مصائب" أكثر تعقيداً من "مشاكل".
الذي أجده مثيراً للإحباط أنني أصبحت أحتاج إلى أكثر من جملة ، لقول ما كنت أستطيع قوله قديماً بجملة واحدة ..
كان يكفي قديماً ان تقول أنك تكره اسرائيل ليُفهم من كلامك أنك تكره اسرائيل .. أو أنك توافق على العمليات الاستشهادية ، لكي يُفهم ببساطة أنك توافق على المقاومة .. ولكن ما حدث منذ يومين .. أنني كنت أتحدث في ذات الموضوع .. ووجدت نفسي أقول أن ما تفعله إسرائيل هو إبادة عرقية لا أقل ( أجدها الآن بديهية ، لكن وسط سياق الحديث بدت لي منطقية) ، ولكني أجد ما فعلته حماس بكسر تهدئة واهية أمراً غبياً ، ثم أقول ، ولكن أسرائيل كانت ستهاجم سواء أطلقت حماس صوريخها البائسة أم لا ، ما حدث كان حجة لا أكثر .. ثم أقول ، ولكني أجد ما فعلته حماس أصلاً بإستيلاءها على قطاع غزة أمراً ممقوتاً قتل الوحدة الهشة التي كانت موجودة .. ثم أعود لأقول ولكن هذا لا يمنع أن ما فعلته السلطة ممثلة في فتح ، وتجاهلها لرأي الشعب الفلسطيني الذي انتخب حماس ، أمر غير مقبول .. ثم أنتبه إلى أنني أضعت الموضوع الأساسي الذي كنت أتحدث فيه فأسأل محدثي بصوت متعب : " إحنا كنا بنقول إيه ؟ "


">

الأربعاء، 21 يناير 2009

صراع الجبابرة أو أنتقام الأبطال أو الموت المدمر أو سحابة الدم الأزرق


لا أظن أن 2008 يحتاج لشهادة مني ، لإثبات أنه كان عاماً حافلاً .. هو كان عاماً مملاً ثقيلاً مضجراً .. ربما الوصف الجامع هو ما سمعته منذ فترة أنه كان : "مبالغاً فيه " .. أحببت هذا الوصف ، لأن البني آدم يحب أحياناً أن يسمع ما يفكر فيه على لسان أشخاص آخرين ..
والآن وفي بداية 2009 لا أجد ما يجعلني أغير رأيي من أجله .. والحقيقة التي أخجل من الإعتراف بها ، إنني منذ بدأ العام لا أفكر إلا في أنني لم أعد قادراً على إستخدام رقم (007) كدلالة على العام وبالتالي جيمس بوند يقفز إلى دماغك في الوقت نفسه .. والمصيبة أنني لم أكتشف هذا التداخل إلا منذ أربعة أيام حين شاهدت أحد أصدقائي يكتب (920) كدلالة على عام (1920) .. لم أكن أعرف أننا يمكن أن نحذف رقم القرن .. وهذا شيء يدعو للأسف ، كون شيء بهذه الروعة التي تقترب من النكتة الرخمة كان أمامي طوال الوقت وتركته يفلت مني .. من الجميل أن تفعل شيئاً تعرف أن له دلالة ما ، حتى لو كانت سخيفة أو طفولية ، أو حتى لا معنى لها ..
هناك دلالة ما (لا يهم معرفة معناها) حين تعرف مثلاً أن غاندي بكل دعواته للسلام ، قد قتل على يد شخص ما ، ربما لم يكن له أي معنى قبل هذا الفعل ، وربما تم إعدامه رفساً بالأقدام .. لا يهم .. لايهم ما حدث له قبل ، أو ما حدث له بعد .. المهم أنه فعل شيئاً للحظات وقف الكون كله على قدم واحدة لمشاهدته .. حتى أن شخصاً ما من مصر يكتب الآن عنه .. بعد مرور ما يقارب الستين عاماً ..
كنت أود فعلاً الحديث عن نفسي ، أو عن غزة أو عن نصر الله ، أو حتى عن تسيبني ليفني التي تبدو كمشروع رجل وفشل للأسف الشديد .. كانت النتيجة ستكون أرحم بالتأكيد من الشيء الذي هي عليه الآن.. لكني قررت ألا أتحدث عن شيء من هذا .. سأتحدث فقط ، وبكل بساطة عن الكتب المميزة(سواء في الجودة أو السوء) التي قرأتها العام الماضي .. وهو مشروع مريح لي لأنني أكون في أفضل حالاتي نفسياً حين أتحدث عن الكتب ..
لابد طبعاً أن أشير إلى محاولة ممثالة شديدة الجمال لرحاب بسام جعلت من مجرد قراءة رأيها عملاً أدبياً في حد ذاته ..
شيء مهم لابد كذلك من الأشارة إليه ، وهو أن هذه هي ما يسمونها "رأي انطباعي بحت" ، وهم يسمونها كذلك على سبيل الذم بالمناسبة .. فقط أنا أحب ما أقرأ أو أكرهه وأقول هذا مع محاولة متخبطة لذكر السبب ..
هناك شيء غريب هنا .. لماذا أفترض أن رأيي يهم أحداً غيري .. ولماذا أفترض أساساً أنه رأي ..
أنا هنا أتبرأ منذ البداية من كلمة رأي .. هو فقط انطباع من شخص يقرأ كثيراً . لا أكثر ولا أقل .
********
بداية هذا العام كانت مع (النبي) .. كتاب جبران الأهم .. الكتاب ضمن اصدارات دار الشروق وترجمه ثروت عكاشة .. وهو كتاب مزودج ، أي بالعربية والإنجليزية _وهي لغة الكتاب الأصلية_ .. والحقيقة أن ترجمة ثروت عكاشة وصلت بالنص العربي بالفعل إلى درجة شديدة الإرتفاع .. هذا رجل يدرك جيداً ما يفعله ويعرف كيف يحول جماليات النص بلغة ما إلى لغة أخرى محتفظاً له بكل ما يميزه..
الكتاب سمعت عنه كل الآراء الممكنة قبل قراءته .. أنه ممل وأنه رائع ، أنه ملهم وأنه ضحل ، أنه تافة وأنه أعمق ما يمكن كتابته .. والحقيقة أن رأيي أنه مزيج من كل هذا .. بعض المقاطع بالفعل أشعرتني أن هذا كلام ملهم ، وبعضها جعلني أصرخ من الإفتعال ..
الكتاب يحكي عن نبي (طبعاً يعني) يأتي إلى مدينة أورفليس ويبدأ في تعليم أهلها بعض المعارف عن حياتهم .. سيتحدث عن الزواج وعن الحب وعن الدين والغناء والعمل وأشياء من هذا القبيل ..
ما لفت نظري هو تعبير جبران عن النبي بأنه " كان فجراً لذاته" وهذا التعبير بالذات هو أحد الأسباب التي جعلتني أكمل الكتاب حين أصطدم بمقطع من المقاطع المفتعلة إياها ..
مجملاً ، الكتاب مميز بالفعل .. ولكنه ليس لدرجة التقديس التي يتحدث البعض عنه بها ..
**
هذا العام كان بداية تعرفي _الذي تأخر ، أعترف_ بإبراهيم أصلان ..
كنت قد قرأت له في فترة ما (خلوة الغلبان) طبعة مكتبة الأسرة .. وشعرت أن من وضع عبارة (سيرة ذاتية) على الغلاف أحمق بشكل ما .. ما يكتبه إبراهيم أصلان في (خلوة الغلبان) هو أي شيء في الدنيا إلا أن يكون سيرة .. تفسير وضع الكلمة لابد أن يكون : لأنه يتحدث عن نفسه .. والحقيقة أن هذا لا علاقة له كذلك بالسيرة ..
يحكي إبراهيم أصلان عن حكايات يومية .. وهو نوع من الكتابة أحترمه جداً .. ولكنه يحول كل حكاية يومية إلى قطعة فنية شديدة الجمال والحساسية .. أعتقد أن هذا الكتاب (لأني لاأعرف كيف يمكن تصنيفه) أضاف الكثير فعلاً .. وأعتقد أنه من الكتب التي يندم المرء حين ينهيها لأنه لم يقرأها من قبل ..
بعدها قرأت له وردية ليل و حكايات من فضل الله عثمان .. وكان كلاهما مؤكداً لوجهة نظري الأولى ..
وما كان مميزاً كذلك هو رواية مالك الحزين ، التي تم تحويلها إلى (الكيت كات) لداود عبد السيد و بطوله محمود عبد العزيز .. طبعاً الشيخ حسني بهذا الفيلم تحول لشخصية قائمة بذاتها .. وهو ما يؤكده إبراهيم أصلان حين يعود للحديث عنه مرة أخرى في كتابه (شيء من هذا القبيل) شديد الشبة ب(خلوة الغلبان) .. في (شيء من هذا القبيل) يعود للحديث مرة أخرى عن تفاصيل حياتيه شديدة البساطة .. وحتى يتحدث عن فيلم ما في مهرجان ما ،ويلخص قصة قصيرة لكاتب ألماني .. ويتحدث عن سمكري السيارات وإيقاع طرقاته على الصاج في واحدة من أجمل الكتابات التي يمكن تخيلها .. كتاب شديد الروعة فعلاً ..
**
السيميائي لـ (باولو كويللو) ترجمة بهاء طاهر..
لم أحب الرواية من الآخر كدا .. ولا أعرف لماذا يعتبرها البعض من عيون الأدب .. شعرت أني أقرأ كتاباً في التنمية البشرية :
أسطورتك الذاتية .. اسطورتك الذاتية ..اسطورتك الذاتية ..اسطورتك الذاتية .. وشوية يقلب بقا : روح العالم .. روح العالم .. روح العالم .. روح العالم .. (وهو نفس ما يفعله ابراهيم الفقي بارك الله فيه : اتنفس .. اتنفس .. اتنفس )
وبين هذه الجملة وهذه الجملة كثير من الحركة والسفر .. وقليل من الأهرامات لإضفاء عبق الماضي .. وقليل من الصحراء عشان حبة سيما ..
هناك اعتراف لابد من قوله ، وهي أنني كلما رأيت صور هذا الرجل ، شعرت أنني أمام مقاول نصاب في الأسمنت .. أعتقد أنني يوماً ما سأحاول أن أقرأ ( فيرونيكا تقرر أن تموت ) لأني سمعت عنها الكثير من المديح
هذه _ساحر الصحراء_ من الروايات المقلب بأمانة .. ولا أعتقد أنني سأعود لها يوماً ما .. أو ربما أهديها لأحد أصدقائي D:
**
بمناسبة الحديث عن (بهاء طاهر) .. قرأت له هذا العام الكثير .. وأغلبها كانت إعادة قراءات ..
أعجبتني جداً (خالتي صفية والدير) .. و شعرت أن نقطة النور فيلم عربي لكنه فيلم ممتع كذلك ( مشكة هذا الكلام أنه يبدو كالحكمة بأثر رجعي .. الرواية في طريقها للتحول لفيلم بالفعل ، بطولة (نور الشريف) ) . وهمت صبابه بـ(واحة الغروب) .. و شعرت بغربة شديدة في (قالت ضحى) ..
مجملاً أحب بهاء طاهر .. أحب لغته متناهية البساطة .. و أحب شعوري بروحه الطافحة في كل حرف يكتبه .. هناك من يقولون أنهم يشعرون بحزن غريب ودرجة من شفقة وجلد ذات .. وهذا كله صحيح .. مازلت أعتبر أن مافعله بهاء طاهر في (الحب في زمن المنفى) يستحق الوقوف عنده.. هو جلد ذاته وذاتنا حتى كادت الرواية أن تصرخ .. قرأت الرواية ثلاث مرات آخرها هذا العام .. و مازلت أعتبرها شديدة القسوة بشكل مبالغ فيه .. ثم أعيد التفكير فأقول أن الحقيقة أنه لم يأت بجديد .. هو فقط سرد الوقائع .. ثم أسأل : هل دوره هو سرد الوقائع فقط دون تدخل ؟ ..هل الروائي كاميرا مطالبة بالنقل الحرفي ؟ أم أنه لابد أن يمرهها عبره ويعدل فيها ؟ كل هذه الأسئلة ربما تدل على نجاحه أكثر من أي شيء ..
روايات بهاء طاهر مجملاً من الأشياء التي أرشحها للقراءة دوماً ..
**
وبمناسبة الحديث عن نقل الواقع ، أعتقد أن تجربة (رأيت رام الله) تقول الكثير مما وودت التعبير عنه .
هذا هو ما أعنيه حين أقول أنني أرغب في نقل الواقع عبر مرشّح الكاتب ..
يحكي مريد البرغوثي (والد تميم البرغوثي وزوج رضوى عاشور) عن تجربته في العودة إلى رام الله بعد غربة 30 عاماً .
أعتقد أن المقطع الذي يحكي فيه عن مشاعره المضطربه وهو يعبر الجسر على نهر الأردن (جسر العودة كما تسميه فيروز) .. واحد من أروع مقاطع النثر التي قرأتها في حياتي ..
كتاب شديد الروعة .
**
رضوى عاشور لم أقرأ لها هذا العام إلا بمعجزة ما .. أشكر من تسبب فيها .
كانت تجربتي معها منذ العام السابق (2007) سعيدة جداً .. قرأت لها (ثلاثية غرناطة) وأصبت بحالة شبيهة بالإندهاش من أنك يمكن أن تكتب بأسلوب شديد العادية يصل ربما لدرجة الكلاسيكية وتحدث هذا الأثر غير الطبيعي ..
تماهيت تماماً مع مريمة وصندوقها .. وطبعاً جملة "لا وحشة في قبر مريمة" جعلتني أتوقف عن القراءة لأعيدها مرة وأخرى وأخرى ..
تتحدث الرواية عن فترة حاسمة في تاريخ العرب والمسلمين في الأندلس .. مرحلة التنصير إياها ومحاكم التفتيش وهذا الجو المقبض ، وببراعة شديدة تنقل لنا تفاصيل يومية عن الحياة في وقت بعيد .. أحببت فعلاً الرواية وكانت حافزاً لأبدأ في قراءة (قطعة من أوروبا) وأنا أتوقع خيراً .. والحقيقة أن الرواية لم تكن بروعة سابقتها بالنسبة لي .. شعرت بثقل الرواية في بعض الأجزاء ،حين تكتفي بسرد التاريخ لا أكثر .. لا أنكر أنها كانت معلومات مهمة في حد ذاتها ، وأضافت للرواية ،ولكن هذا لا يمنع الشعور بثقل الرواية الذي أتحدث عنه ..
(أطياف) و (تقارير السيدة راء) أنهيتمها في أقل من أربعة أيام .. أطياف عمل شديد الروعة .. والسيدة راء عمل شديد العذوبة .. وكلاهما يستحق أن أكرر الشكر الذي أشرت له ، مرة أخرى ..
**
(موانيء المشرق) لـ (أمين معلوف) ..دار الفارابي
عرفت بعدها أنه كاتب لبناني يكتب بالفرنسية ..
لم تعجبني الرواية كثيراً .. وأشعر بالذنب لأني صممت على الإستمتاع بالأربعين جنيها الذين طاروا في شراءها .. وحجمها ليس كبيراًبالمناسبة ،وطبعتها ليست فاخرة بنفس المناسبة .. أعتقد أنها تجربة لن تتكرر ، أذكرها هنا لأنبه نفسي ، أنه ليس من الضروري أن أقرأ كل شيء :)
**
( ن ) لـ( سحر الموجي ) نسخة دار الهلال تسببت بعدة مشكلات لعديد من أصدقائي ، الغلاف رائع بالمناسبة ، لكن من وجهة نظر أبوية تربوية بحتة فهو ( قليل الحيا ) .. يحكي لي صديق ما أنه بعدما أخذ الرواية مني أستعاد أيام مراهقته ، حين كان يخبيء مجلات الشبكة اللبانية في البنطلون ! .. المشكلة فعلاً أنه من الصعب تبرير الغلاف لمين يراه دون معرفة طبيعة روايات الهلال .. عموماً استمتعت كثيراً بحكايات العديد ممن قرئوا الكتاب وطرقهم اللولبية في إخفاء غلافه .. عموماً دار الشروق في طبعتها الجديدة للرواية حلّت الإشكال ..
عن الرواية فلا أجد الكثير لقوله .. استمتعت بـ(طريقة) كتابة سحر الموجي لكن الـ( مضمون ) لم يعجبني كثيراً .. شعرت أنها تتحدث عن عالم بعييييد تماماً عني .. وأنها لم تبذل أي جهد لتقريبه لمن يقرأ ..
ستجد طبعاً أن كل الذكور أولاد ستين كلب ، حتى صديق البطلات كان يخون امرأته بشكل أو بآخر وكلما اتيحت له الفرصة .. وأن كل الإناث رقيقات حالمات كالضوء أو أشد نقاءاً .. وأنا بصراحة أكره الكتابة بهذه الطريقة ..
هناك كذلك الكثير من الكلام عن إيجاد الذات واكتشاف النفس ، وتحديد الهدف .. وهو ما يعيدنا إلى الأخ ابراهيم الفقي بارك الله فيه :( اتنفس .. اتنفس .. اتنفس )
أساساً تسمية (الكتابة النسوية) تجلب لي نوعاً من الحساسية ، وأكره فعلاً أن أصنف الأدب بعيداً عن النص نفسه . بالطبع لا يمكن إغفال جنس الكاتب .. لكن لا يمكن كذلك أن أعطيه كل هذه الأهمية .. وإلا سيجب علينا أن نعطي كل شيء في حياة الكاتب نفس الأهمية : ( بيحب البامية / بيكره البامية - بيحب خالتو سعاد / بيكره خالتو سعاد - بيحب نبيلة عبيد / بيكره نبيلة عبيد )
الرواية ممتعة على أي حال .. وإن كنت شعرت أنها شديدة الشبة بـ ( دارية ) لسحر الموجي نفسها ، وإن كانت (ن) أمتع في رأيي .
**
بالحديث عن الكتابة النسوية .. كنت قد قرأت من فترة (يوميات امرأة مشعة) لـ (نعمات البحيري ) والحقيقة أنها أعجبتني وإن كانت نفس الملاحظة السابقة تنطبق هنا تماماً .. لا أعرف هل أنا على صواب أم أنني سأكتشف يوماً أنني ذكوري متعصب ، لكن لم يعجبني جو كره المجتمع والرجال هذا ..
لا أقول أن مجمتعنا يعيش أزهى عصور الحرية وأن المرأة تأخذ حقها وزيادة.. في الحقيقة أنا ممن يعتنقون الرأي المخالف تماماً .. لكني كذلك لا أجد مبرراً للكره نفسه ..
هناك ملاحظة شديدة الذكاء قالها د.عبد الوهاب المسيري على لسان ا.سهير القلماوي وهي أن المنظمات النسائية حالياً تخرج من محاولة اعادة حقوق المرأة ، وحصولها على حقها من المجتمع كاملاً ، إلى منظمات ( ضد الرجل ) نفسه .
الرواية تتحدث عن ذكريات نعمات البحيري مع مرض السرطان .. وهي خلال هذا تصف معاناة المرضى الذين تقابلهم خلال رحلة علاجها القاسية . في ملاحظات شديدة الرهافة والعذوبة .. وهي تصف ببراعة شديدة شعور الغربة وسط أناس لا يفهمون ما تحبه او يكرهون ما تكرهه
الرواية أحد الأعمال الهامة لنعمات البحيري ، التي توفيت العام السابق .
والكتاب كذلك صادر عن مكتبة الأسرة .
**
الأنثى كنوع لـ ( جويس كارول أوتس ) :
عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ..سلسلة الجوائز .. وبقطع جديد للكتاب .. أحببته بالمناسبة ..
مجموعة قصصية يجمعها موضوع واحد وهو الأنثى كنوع مختلف .. القصص تتحدث عن كم العنف والغضب الذي من الممكن أن تكون عليه المرأة .. وأنها حين يحين وقت الإنفجار ، تكون ألعن من الرجل على كل المستويات .
تتناول المجموعة أكثر من مرحلة عمرية .. ستجد الطفلة والمراهقة والشابة ..
عموماً القصص شديدة التميز وأحببتها كثيراً ..
**
عامي هذا كان عاماً ذهبياً بالنسبة لـ( محمد المخزنجي ).. لن أكف عن الإنبهار بأدوات وأسلوب وطرق تعبير هذا الرجل ..
هو يعرف أدواته جيداً ويعرف كيف يستخدمها بكل شكل ممكن ، لكي يخرج لك قطعة فنية تفتح فمك أمامها ..
(أوتار الماء) كانت مجموعة متناقضة المستوى .. هناك قصص بديعة فعلاً مثل ( أوتار الماء ) .. وقصة يتحدث فيها عن مغترب عن وطنه طويلاً ، يتصل بمعارفه ليجد أن الوضع تغير (وهي الملاحظة شديدة التقليدية وربما الملل ، لكنه ينسجها ويصفها ببراعة شديدة ) .. ذكرتني القصة طبعاً بـ(محمد صلاح) في رواية شيكاجو ، وحالة الحنين الغريبة التي تجعله يرتدي ملابسه المصرية ويستمع لأم كلثوم ويحاول الإتصال بمن كان يعرفهم في مصر ..
هناك قصص شعرت أنها مجرد اضافة للمساحة ..ونوع آخر مذهل بكل معنى الكلمة .. هناك قصة يتحدث فيها عن تشيكوف وحقيبته الطبية ، وحلمه القديم (أعني الراوي) بواحدة مثلها عندما كان طفلاً ..على الرغم من القصص التي لم تعجبني كثيراً إلا أن هذه المجوعة بدت بداية منطقية للتعرف على عالمه ..
بعدها قرأت ( سفر ) وأعتبرتها ساعتها _ومازلت_ أروع مجموعة قصصية سأقرأها لهذا الرجل .. من الغريب أن يقرر المرء أنه لن يقرأ لكاتب ما أن عملاً ما هو الأروع وهو لم يكمل عملين ، لكني فعلاً انبهرت بالقصص ..
قصة ( راحة ) تحديداً أعتبرها من أجمل القصص التي يمكن قراءتها .. بكل بساطة يرسم صورة متكاملة عن حالة التخبط لغريب يركب الترام ويفاجأ أنه لا يستطيع معرفة المحطات التي يمر بها لأن الثلج كان يغطي كل النوافذ إلى الدرجة التي تستحيل معها الرؤية .. يبدأ بخربشة الزجاج بأظافره على أمل أن يستطيع الرؤية ، ولكنه لا يفلح إلا في جعل الأمر أسوأ فأسوأ ، عندها تتدخل راكبة كانت تشاهد تخطبه هذا ، وتضع راحتها فقط على الزجاج .. وحين تبعدها ، يظهر كل شيء في المكان الذي تخلفه راحة يدها ..
طبعاً تلخيص القصص عمل إجرامي ، لكننا نحاول على رأي ( ابراهيم أصلان ) .
( رشق السكين ) لم تعجبني كثيراً للأسف .. أحببت طبعاً قصصاً معينة منها ، لكن مجملاً لم يعلق الكثير في ذهني بعد نهايتها ..وهو ما يختلف بشكل كامل عنر( الآتي ) ..
في ( الآتي ) يشترك الرسام ( حامد ندا ) في خلق حالة غير عادية ، حتى في قطع الكتاب \ اللوحات .. رسوم حامد ندا تجعل القراءة عملاً مختلفاً والعكس بالعكس .. لم أصادف تجارب من هذه النوع قبلاً في الأدب العربي ، ولا أعرف هل سبقتها تجارب أخرى أم لا بالنسبة لكليهما ..
وبالحديث عن التجارب التي لم أصادفها من قبل ، بدت لي ( حيوانات أيامنا ) عملاً شديد الجمال كذلك .
يتحدث المخزنجي بالكامل في كامل المجموعة / المتتالية / الرواية / الكتاب القصصي (كما وضع على غلافه) ، عن عالم الحيوان .. سيتحدث مثلاً عن الخيول ( في واحد من أجمل نصوصه ) وعن الأفيال والدببة ، خالقاً حالة متكاملة تتسحق القراءة بكل تأكيد ..
عمل شديد الروعة أوصي بقراءته كلما طُلب رأيي ..
**
سعدية وعبد الحكم وآخرون لـ ( حسين عبد العليم ).. دار ميريت
الرواية تسرد حياة سعدية التي تتحول إلى واحدة من الخواطي أو العارهات في الفترة التي كان البغاء فيها مصرحاً به في مصر ..
طبعاً لا يعرف الكثيرون أن كلوت بك كان واحداً من أهم أحياء البغاء في الشرق بأكمله .. الجميل في الموضوع أن سعدية تتحول لتمارس هذه المهنة بسبب نوع غريب من الفضول .. أنها "عايزة أجرب" .. ويطلق عليها أغرب لقب من الممكن ان يكون لغانية .. "سعدية عاوزة تجرب" .. الفكرة نفسها شديدة الطرافة والإبتكارية بالفعل ..
نجح حسين عبد العليم في خلق حالة تشابة ممتعة فعلاً بين شخصياته الثلاث الأهم .. الظابط أسعد .. وسعدية .. وعبد الحكم الذي نعرف أنه أخوها ..
الظابط أسعد دخل البوليس وهو لا يمتلك من خواص الظابط شيئاً على الإطلاق .. له عقل تأملي هاديء ويميل لتحليل الأمور والتفكير فيها ، خواص مدرس أو كاتب أو أي شيء آخر غير ظابط الشرطة .. وفي واحد من أجمل مشاهد الرواية ، يلتقي الظابط أسعد بسعدية بعد أن طلب منه أهلها أن يحدثها لكي تعود عما هي فيه .. والمصيبة أنه يجد في كلامها عن ممارسة البغاء ، نفس وجهه نظره في البوليس بالظبط .. لهذا يقول أن " البنت دي عبقرية " ..
عبد الحكم هو من بدا بعيداً عن خط الرواية في البداية .. هو كان مهووساً ( وهي الصفة المميزة لكل شخصيات الرواية ) بالكلاب ، لدرجة أنهم في قريته أطلقوا عليه لقب ( أبو كلب ) .. وهو من سيُكلف بمهمة البحث عن سعدية و اعادتها إلى القرية أو حتى قتلها ..
هناك من ( الآخرون ) الحكيمة المهووسة بالـبوس .. وهنا لا نتحدث عن الجنس بصفته ، بل فقط بالبوس .. وفي أحد الجمل التي تقولها واضحكتني فعلاً عن طبيب وسيم اغرته بتقبيلها : " جاب قراري في البوس ابن الكلب " .
الهوس اذن بأشياء ربما لا معنى لها إلا عند صاحبها هو التيمة الأهم على طول الرواية ..
(حسين عبد العليم ) سيصدر له هذا العام في معرض الكتاب تقريباً رواية (المواطن ويصا عبد النور ) .
**
( المستبعدون ) و ( العاشقات ) لـ( ألفريدة يلينك ) ..وكلاهما من ترجمة ( مصطفى فهمي ) ..
ما أفعله هنا هو تحذير هام .. لا تقرأ هذه الكتب من فضلك أبداً ..
كلا الكتابين مأساة تم صبها في كتناب ..
كرهت الروايتين بشكل غير عادي وكرهت ألفريدة يلينك ، وكرهت أسلوبها المريض المصاب الكساح و طبعاً كرهت مصطفى فهمي وكرهت الغباء البشري الذي يعطي لصاحبه الحق في حرق أحداث الرواية في المقدمة .. الحقيقة أنها كانت حفلة ممتعة ..
**
( بالأبيض على الأسود ) لـ(روبين دافيد جونزالس جاليجو) ترجمة (ناصر الكندري) .. المجلس الوطني للثقافة والفنون الكويت
هي سيرة ذاتية شديدة الغرابة ..
المؤلف هو ابن لأم اسبانية وأب فنزويلي .. الأم كذلك هي ابنه الأمين العام السابق للحزب الشيوعي الأسباني .
ولد الطفل (روبن جاليجو) وهو مصاب بشلل دماغي عام يمنعه من الحركة بشكل عام .. والكتاب يسرد حياته الممتدة بين العديد من مؤسسات اعادة التأهيل ، ومصحات المعاقين ، وحتى دور رعاية كبار السن في روسيا .
لم أحب الكتاب كثيراً ، وما صدقت اني انهيته .. ليس السبب انني لم احب كل هذا الجو من البؤس العام ، لأن الكاتب لم ينجرف إلى مسألة استنزاف المشاعر (ولو حدث هذا كنت سأغلق الكتاب بعد 10 صفحات على أقصى تقدير) .. ربما كان السبب هو اختلاف الثقافات أو لأي سبب آخر ..
القصة أو الإطار العام غير عادية طبعاً .. لكن كان الأسلوب وطريقة الروي عادية جداً ، بما لا يتناسب في رأيي ..
**
( غريق على أرض صلبة ) لـ( جابرييل جارسيا ماركيز )
من اصدارات دار ميريت ، وهي مجموعة مقالات لماركيز .. لم أكن ساعتها قد تعرفت على الوجة الروائي لهذا الرجل ، وكانت بدايته الصحفية معي موفقة جداً ..
أحببت مقالاته وأحببت طريقته في الكتابة كثيراً
في الكتاب يتحدث ماركيز عن أشياء شديدة العمق وأشياء شديدة البساطة .. حتى أنه يتحدث عن شاكيرا ! .. وأسعدني أن نتشارك في الإعجاب بها .
كتاب ممتع .
**
ثلاثة أيام عند أمي لـ ( فرانسوا فايرجان )
أعتقد أنني سأدعو لسلسلة الجوائز كثيراً .. لم أكن أعرف المؤلف قبلاً ، وأندهش فعلاً أنني كان يمكن ألا أعرفه ..
نموذج ممتاز لكتابة ( الرواية داخل الرواية ) .. التي استخدمها ( بول اوستر ) ببراعة شديدة في ( oracle night ) التي تم ترجمتها إلى ( ليلة التنبؤ ) ضمن سلسلة ابداعات عالمية .
بالعودة إلى ( ثلاثة أيام عند أمي ) ..
هذه من الروايات التي يصعب فعلاً تلخيص فكرتها الأساسية ، وهذه يعتبرها البعض علامة على الجودة بالمناسبة .. لكن الخط العام هو عن كاتب ومشاكله وأفكاره و احباطاته وطبعاً أمه ، وعلاقته بها وأخوته
من أجمل الروايات التي قرأتها ، والأمر ليس مقصوراً على هذا العام فقط .
**
(الآخر مثلي) لـ( خوسيه ساراماجو ) .. سلسلة الجوائز , الهيئة المصرية العامة للكتاب . فقط نؤكد أنه ( خويسه ) وليس( جوزيه ) كنوع من التظاهر بمعرفة البرتغالية.
أروع كتاب قرأته هذا العام بلا جدال .. لم أكن أعرف عن ساراماجو إلا أنه كاتب برتغالي حائز على نوبل ، والحقيقة أنني أحياناً أستعيد الإيمان بفكرة ان هناك كتباً تغير البشر وأن الإنسان قبلها لا يمت بصلة لمن يتكون بعدها . بصراحة.. على الدوام تبدو لي الفكرة نفسها بلهاء . لا يوجد كتاب قادر على تغيير الإنسان .. هناك شك أصلاً في أن الإنسان قد يتغير .. أنا لم أصادف أنساناً تغير .. ولم أصادف حتى إنساناً صادف إنساناً تغير (وهذا ليس مجرد تلاعب بالألفاظ) .. ربما تختلف طباعه بعض الشيء ، تختلف درجة حدتها او تزيد .. بدلاً من ان يكون ملحداً يصبح مؤمناً أو أن يقتنع أن الله خدعة كبيرة ، يتحول من الماركسية إلى العدمية إلى الإخوان ، لكنه في كل حالة من الحالات سيبحث عن الشيء ذاته ، ويكره الأشياء ذاتها ، ويتوجس من الأشياء ذاتها .
لكن هناك نوع معين من الكتب يجعلك تتساءل فعلاً : هل ما زلت أنا بعدما قرأته ؟! ..
( الآخر مثلي ) ببساطة يحكي عن شخص يكتشف أن هناك نسخة أخرى منه تسكن في نفس المدينة .. (نسخة منه) تعني تشابه مطلق في كل شيء وإن كان كلاً منهما يأخذ طريقاً في الحياة مختلفاً عن الآخر . ومختلفاً كذلك في علاقاتهم الإنسانية..
كل هذا قد يبدو شديد العادية ، واعداً ربما بقصة ممتعة ، لكن ما يفعله ساراماجو بمن يقرأ هو غير العادي .
هو ببساطة يدمر كل شيء ، ويعيد بناء عالم خاص به دون أحد .. كل شيء تعتبره أنت بديهياً هو عنده قمة الغرابة .. وينتبه كذلك لأفكار وملاحظات لم يعترف بها أحد لنفسه في أشد لحظاته خصوصيه .
قرأت لساراماجو بنفس المعجزة التي قرأت بها لـ(رضوى عاشور) .. الحقيقة أنني كنت قد بدأت فيها منذ فترة ، وتوقفت عن القراءة تماماً في أي شيء لفترة .. ثم عدت بسبب انطباع ٍ سمعته عنها ..
في احدى مقاطع الرواية توقفت قليلاً عن القراءة ، وتساءلت : _ " الراجل دا بيهرج ؟ " .. والحقيقة أنه لم يكن يهرج على الإطلاق .
**
( رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر .. سيرة غير ذاتيه غير موضوعية ) لـ( عبد الوهاب المسيري ) .. دار الشروق
هو كذلك من الكتب شديدة الأهمية والإمتاع التي قرأتها هذا العام ..
لا أنوي الحديث عنه لأنه مستحيل .. لكني فقط أسجل انبهاري بقدرته على اخراج فكرته من قلب الواقع .. ومن وسط مجموعة هائلة من الأحداث والأفكار .. يخرج هو فكرته التي غالباً ما تكون غريبة ، ويشرح بكل هدوء ، لم هي الأصوب .
كتاب خارق ( على مستوى الحجم والأفكار )
**
( بيروت بيروت ) لـ ( صنع الله ابراهيم) .. دار المستقبل العربي
كرهت هذه الرواية ،
وهذا فعلاً غريب لأنني أحببت ( أمريكانلي ) وهما يتشابهان كثيراً ..
طبعاً أسلوب صنع الله كالعادة ، يجعلك تتساءل عن السبب الذي توضع من أجله كلمة ( رواية ) على العمل ..
هنا لا أعني جفاف الأسلوب أو حتى ابتعاده عن السرد .. أنا فقط لا اشعر مطلقاً أن ما أقرأه رواية .. هو فقط مجموعة مقالات مجمعة من كل مكان . تتشابه ولله الحمد في الموضوع .
**
كنت قد قررت ألا أتحدث عن أي كتب لنجيب محفوظ ، لهذا سأكتفي فقط بالقول أنني قرأت له الثلاثية وأولاد حارتنا .. و حكايات حارتنا و الفجر الكاذب وقشتمر ورأيت فيما يرى النائم وبداية ونهاية والشحاذ والسراب .. .. وطبعاً الحرافيش للمرة السابعة تقريباً .. ومازلت منبهراً بقلب الليل .. ومندهشاً بالفعل من قدرة بشري على انجاز شيء مثل الحرافيش .
**
كنهاية سعيدة لعام غير عادي .. نصحني أحد أصدقائي بأن أختم هذا العام بـ( الحب في زمن الكوليرا ) لـ( جابرييل جارسيا ماركيز )
الحقيقة أن الترشيح بدا لي مشكوكاً في صحته كثيراً ، السبب الأول أن قراءة ( مئة عام من العزلة ) جعلتني أكره نفسي .. وفعلاً يحتل مرتبة هامة من الكتب المملة التي قرأتها في حياتي .
والسبب الثاني أنه هو نفسه قال لي أن الكتاب سيعجبني ثم تنهد وقال بملامح شديدة البلاهة دفعتني للضحك :
_ " الحب جميل يا بني"
والحقيقة أن الحب ليس جميلاً ، يمكنني أن أؤكد هذا .. يمكنني أن أقول أنه ضروري ، أنه موجود ، أنه لا غنى عنه ، ان وجودنا نحن كبشر سيفقد الكثير لو لم يكن موجوداً ( ككل عاطفة عموماً ) ، وأن الإنسان حين يحب يختلف ، يتغير ، لكن أن يرتبط " الحب " بالـ"جمال" فهو خطأ منطقي، للأسف لم أصارحه بهذا ، لأن الدبلة في اصبعه الأيمن لم تكمل شهرها الخامس .. واكتفيت بقراءة الرواية .
و أعتقد أن أفضل ترجمة كما قيل لي هي ترجمة دار المدى . لصالح علماني طبعاً
و الحقيقة التي لا يمكن اخفاؤها أن الرواية جميلة بالفعل .. وإن كان جمالها مستفزاً .. وهنا لابد من القليل من التحذلق مرة أخرى والتأكيد أن "الجمال" و " الاستفزاز" صفتان يمكن قرنهما لوصف الشيء نفسه .
تحكي الرواية عن ( فلورنتينو اريثا ) الذي يعشق ( فيرمينا داثا ) ، وكأي فيلم عربي صميم ، يصمم والدها على تزويجها من شخص آخر غني وله مكانة اجتماعية متميزة ( يمكننا الآن أن نؤكد بضمير مستريح أن الأمر لا يرتبط بنا فقط ) وهو الدكتور ( خوفينال أوربينو ) .. ويتم الزواج بالفعل ، وتنتهي قصة الحب بين البطلة والبطل .. هنا لابد من ملاحظة أخرى شديدة الغرابة ، وهي ان ( فيرمينا داثا ) نفسها ، وهي من كانت شديدة التمسك بـ( فلورنتينو) ، تقرر فجأة أنها لا تحبه ، وان مشاعرها خادعة بشكل غريب .. وهكذا بكل قسوة ولا مبالاة .. تقرر الزواج أخيراً بالأخ ( خوفينال ) ..
الجميل هنا أنهما يعيشان حياة أسرية مترابطة لمدة 53 عاماً .. نعرف أن الحياة تستمر بشكل جميل ، وأن السلام يسود الكون . و كنوع من قضاء وقت الفراغ ، وفي انتظار موت الدكتور( خوفينال أوربينو) لكي يتزوج محبوبته ، يقرر الأخ فلورنتينو اريثا أن ينغمس في اللهو والمجون .. وكأي رجل له مزاج ، يقرر أن حظه هو مع الأرامل .. في واحدة من المقاطع اللافتة من الرواية ، يصف ماركيز سبب غرامه هو بالنساء الأرامل ، ولم يغرمن هن به .. المهم أن الدكتور خوفينال أوربينو يموت فعلاً في يوم ما ، عندها يبدأ فلورنتينو اريثا في مد جسور الود مرة أخرى مع فيرمينا اريثا . و هنا لابد من القول أنهما يبلغان السبعين من العمر ، يدفعك هذا إلى التساؤل حول النظرة التي نصدرها نحن ونصدقها بعد ذلك .. سمعت مرة من أحد أصدقائي أنه كاد أن يفرغ ما في جوفه حين رأى رجلاً عجوزاً يقبل زوجته في المطار .. أنا لا أشاطره الرأي لأني ببساطة أؤمن تماماً بان ما يقوله سخيف .. لكني فقط أفهم لم قال هذا .. الشيخوخة لها شكلها العام فعلاً ، حتى ان لها رائحتها كما يصفها ماركيز ..
الرواية فعلاً خارقة للعادة .. ومن أجمل الروايات التي قرأتها والتي أعتقد أنني سأعود لها .
**
الآن .. أقرأ ( اليزابيت كستلو ) لـ ( ج.م. كوتسي ) . كاتب جنوب افريقيا .
وأتساءل في كل مرة أمسك فيها كتاباً جديداً : ما هو الشيء الذي أفعله بالظبط ؟ و ما فائدته تحديداً ؟
**
ملاحظة أخيرة ، أن العنوان بمنتهى الأمانة .. لا يعني شيئاًَ .

المتابعون