الاثنين، 3 نوفمبر 2008

شـمـس الشـمـّوسـة


بالطبع تذكرين ذلك اليوم ..

واقفين كعادتنا نتبادل الحديث في هدوء , ربما بثقة الفلاسفة , وسكينة رهبان التبت , لهذا .. ولهذا فقط .. تصبح انفعالاتنا شيئاً ثميناً حين تحدث .. شيئاً يكسر الهدوء المخيم على كلينا , وعليّ أنا بالذات حين أكون معك ِ

كان اليوم مشمساً , تذكرين ؟!

أحيانا ً تغيب الشمس ، فقط لتعرف كم نفتقدها على الأرجح ، و أحياناً ، تفرض حضورها حتى يصبح مقيتاً ، كريهاً , غبياً بلا حد ..
كان اليوم مشمساً ، مقيتاًَ إذاً ..
ولا أعرف بالضبط لمَ لم ْ نقف في مكان أقل تعرضاً للشمس من هذا المكان المفتوح تماماًَ ، غير المحدد بأي شيء من أي اتجاه .. فقط الشمس من فوقنا هي الشيء الوحيد الذي يشي لنا ، بمعنى كلمة (فوق) ..
الشمس كانت تستعرض قوتها بشكل غير محتمل ، هذه القوة التي يجب أن تعرف أنها ليست بحاجة لإثبات من الأصل ..

كنت أنا واقفاً ، ظهري للشمس ، وجهي ناحيتك ِ .. ربما كما أفعل مع كل أزمة أمر بها .. أعطيها ظهري ، بكل بساطة .. قبل أن أحرك قدميّ طبعاً ، مستعداً للركض بعيداً عنها ..
وأنت ِ واقفة أمامي .. بالظبط أمامي .

والشمس تسقط عليّ ، فتصنع الظل ، الذي تعلوه كرة ما ، هي رأسي ، التي يسقط ظلها , هي تحديداً ، على وجهك ، فيصبح بإمكانك ساعتها أنا تفتحي عينيك مباشرة ، و أنت ِ تنظرين إلى وجهي ..

كنت سعيداً بالطبع ، لا أنكر هذا ، و أنا أتأمل وجهك ِ الناظر لي ، و الذي لم تحركيه لحظة ، عن وجهي ..
عدم التحريك هذا ، بدا لي غير طبيعي ، في البداية ، ثم تجاهلت هذا الخاطر سريعاً ،

لكني ، فجأة ، شعرت باستغراب ، أجرؤ أن أسميه خوفاً ..
الاستغراب كان لأنني تغاضيت , في البداية , عن عدم طبيعية أمر ما ، وهذه الأمور بالذات تصيبني بشعور يشابه شعوري حين أحك الفوم ببعضه ، أو أسمع صوت حركة أشياء صدئة على بعضها البعض ..

الخوف كان هو الأوضح ..والأمر كان سؤالاً بريئاً : هل تنظرين لأنك تريدين ذلك ، أم لأن نظرتك لأي شيء آخر تعني الشمس ؟!

أكره استغرابي هذا ، الذي أجرؤ أن أسميه خوفاً ، ولكن من المستحيل أن أتجاهله في هدوء ، وأفكر في شيء آخر ..
حينما يأتي ذلك الشعور اللعين ، لا يصبح بإمكاني إلا الانصياع في هدوء ، وبلا أدنى مقاومة ..

تحركت ببطء من مكاني .. درت نصف دائرة .. الغريب أنك لم تعلقي بأي شكل ، الغريب أنك تقبلت ما يحدث باعتباره شيئاً عادياً ، الغريب أن هذا أسعدني ..

لم تبدلي من وضع وقوفك على الإطلاق .. فقط كنت تدورين معي ، مستكملة حديثك بهدوء تام ، وأنت تنظرين لي ، وأنا أدور نصف دائرة قطرها أكبر من دائرة وقوفنا ..

الآن وصلت حيث كنت أرغب .. وظللت أنت مكملة حديثك دون أن تغيري من نبرة صوتك ..
تابعت حديثك ، الذي أضعت نصفه ، والذي بدا أنه مهم جداً ، من كلماتك المتلاحقة ، التي بدأت تمييزها ، ومن نبرة صوتك ، التي لم تتغير ، ولكني لاحظت أنها كانت عالية بعض الشيء ..

انتبهت أننا الآن نقف في وضع غير متعرض للشمس على الإطلاق ، وأنها أصبحت على جانبنا ، مستأنسة الضوء تماماً ..
لكني فجأة شعرت باستغراب أشد ، أجرؤ بثقة أكبر أن أسميه خوفاً ..

بدا لي أنك تتلفتين كثيراً حولك ِ ، وأنك تتكلمين ، وأنت تشيحين وجهك بعض الشيء .. ولم أعد أستطيع تمييز طريقتك الطبيعية في التعبير بالوجه واليدين ، عن حركاتك الغير طبيعية ، التي انتابني شعور أنها موجودة .. رغم عدم قدرتي على التمييز فجأة .. بالأحرى لم أعد أعرف ما هو الطبيعي وما هو الغير طبيعي .. والغير طبيعي دليلي القوي أنه موجود ، أنني اشعر بهذا بقوة ..

مباشرة فكرت فيما يجب فعله ، للتأكد من كونها طبيعية أو غير طبيعية ، وكيف يجب فعل هذا دون أن تشعر هي بما يدور في دماغي ، لأنها لو عرفت ، فالطبيعي سيتحول لغير طبيعي ، والغير طبيعي سيتحول إلى طبيعي طبعاً ، وهو ما يبدو غريباً ، كيف يتحول الغير طبيعي لطبيعي بهذه البساطة ؟ .. هكذا يتصرف الإنسان ببساطة حين يشعر أنه مراقب ربما ..

لم أسترسل في فكرة الطبيعي للأسف ، لأني لاحظت أنها توقفت عن الحديث ونظرت لي صامتة . انتبهت بعد فترة من الصمت ، أن ما يخيم علينا ، هو الصمت فعلاً ..
حاولت بطريقة مثيرة للشفقة أن أرسم بسمة بلهاء على وجهي ، لكنها لم تسمح لتلك البسمة بالاكتمال :
_ " أنت لست هنا نهائياً ؟ "

حاولت ، مرة أخرى أن أرفع ملامح وجهي ، وأن أحرك عضلات البسمة على وجهي ، لكنها أجهضت المشروع تماماً حين عادت تقول :
_ " انت أصلاً لا تنظر لي "

وأنا تذكرت هنا ، أنني كان لابد أن أنظر لها وأنا أفكر في كل هذه الأفكار ..
حين أكون غير طبيعي ، يجب أن أتظاهر أنني طبيعي ، هذه هي القاعدة ببساطة .. ياللغباء !

هناك 7 تعليقات:

غير معرف يقول...

جاااامده جدا
والغريب ان الأفكار الصغيرة دي بتيجي في دماغ أي حد، بس الاحتمال الكبير انه يعدي وينفض
ويقعد بقى طووول اليوم يفكر مع نفسه في كده

معاك انت قلبت بكوميديا تحفة
وموقف لا تحسد عليه
ابقى خلي بالك

أحمد عبد الفتاح يقول...

فكرتني بالمخزنجي
وحده المخزني الذى يستطيع أن يلتقط من بين ركام الحياة تلك اللحظات المدهشة التى تمر دون أن يراها سوى المرهفين
يبدو اذا أنني امام مخزنجي أخر
تحياتي يا ولدي
متغيبش كتير بقى بعد كده
:D

روز يقول...

أحمد! أنا احتج ..! أنا قلتها لك قبل أحمد عبد الفتاح: أنت تشبه المخزنجي جدا جدا في كتاباتك ..
أنا تنبأت بها قبله! ماليش دعوى، حقوق ملكية فكرية هنا لو سمحت !
:):)
ده دليل على الدماغ العالية، ماشاء الله يعني :)
...
المهم.. إنت فصلت في الجزء الأخير الضمير، فبدل ما كان ضمير المخاطبة بقى ضمير الغائبة ..
واعتقد إن الفصل ده مقصود تماما، لأن - تقريبا - والبطل عمال بيتكلم وبيفكر في ذات الوقت في اختلاف نظرات البطلة وحركاتها واستغراقها في الكلام، كان يتحدث بضمير المخاطبة، ثم عندما قرر فجأة أن يخبرها بهذا كله كأنما انفصلت عن ذاته فجأة فأصبحت أخرى .. غائبة
لو تحدثنا عن ضمير المخاطب، نجد أن في أحيان كثيرة ممكن أن يتحدث الإنسان مع نفسه على أنها إنسان آخر -مخاطب يعني - بينما تقريبا لا يستعمل الغائب في الحديث عن نفسه ..
هنا تقريبا نفس الحال
لما قرر الخروج من دائرة توهماته بحركاتها الغريبة وقرر المواجهة، انفصلت عنه على الفور فأصبحت أخرى .. أخرى غير حاضرة، ولا هي جزء منه.
***
بس كده!
أتمنى إنك تكون فهمت حاجة!

غير معرف يقول...

والغريب ان الأفكار الصغيرة دي بتيجي" في دماغ أي حد، بس الاحتمال الكبير انه
يعدي وينفض"

بالظبــــــط...احلى حاجة فاسلوبك انه سلس كمان(ماشاء الله يعني)..الافكار ااه عميقة وليها مغزى..بس سلسة ومش معقدة فالتعبير

وفيه فعلا حاجات بتكبتها بحس فيها اوي بـ"حنبن غير مبرر لاشياء غير مفهومة"(h)..

باختصار يعني

رائع استمر:p

حامد برهام يقول...

الفكرة حلوة يا أبو جمال تليق بدماغك وشاعرية أفكارك التي تجعلني أقول عليك فنان..ولكن ..انا حاسس ان فيه بعض الفقرات طولت منك شوية بإطناب كان ممكن يتحزف بدون تأثير علي الشعور أو الفكرة ..ولكنك لم تفعل بشكل لا يليق بالقصة القصيرة التي أنت استاذها ....دخلت من غير مقدمات ولا تحية اعذرني...ولكن هذا ليس أول نقد لي معك ...لا جعله الله اخر

حامد برهام يقول...

اه نسيت....العنوان يا أبو جمال....ليس بأفضل أختيار علي الإطلاق..شمس الشموسة تعطيني مشاعر لا أجد شئ منها في قصتك ...

FreeKiller يقول...

كالعادة
بتاخد موقف صغير و تعمل منه قصة
و فعلا الغالبية بيفكر نفس الأفكار دي و بينفض
و ان كنت انا مش من الناس اللي بتنفض
بس برضه مشمن الناس اللي ما بتظهرش طبيعيه لما بتكون بتفكر ف حاجة مش طبيعية
فهمت حاجة!!!!

عموما تعقيب بسيط بس:
غير لا تعرف بأل
اللي بعدها هو اللي بيتعرف بأل
لانه هيكون المضاف اليه
مينفعش المضاف هو اللي يتعرف يا جمال

تحياتي

المتابعون