الأحد، 30 نوفمبر 2008

سمّعنا صوتك


كنت أكره هذا الكلام بغرابة .. لا .. التعبير السليم ليس : "أكره" .. ولا حتى أشمئز .. ربما هو القليل من "أختنق" على الكثير والكثير من "أحتقر" .. والقليل من الأول هدفه التأكيد على حالة تخرج من كونها نفسية إلى الواقع الملموس وتستقر في حلقي مباشرة .. والكثير من الثاني هدفه طبعاً محاولة تفسير لإبتعاد نظراتي عن وجه من يحدثني .. وهو الفعل الذي يمكن تفسيره كذلك على أنه سمت التفكير . لكن لا ..
ابتسم في حكمة وهو يقول ، أن هناك لحظة يتوقف فيها ما يحدث ، ويحدث ما لم يكن يحدث ، وانا فكرت في هذا الكلام للحظات ، وتوصلت إلى أنه هراء لا أكثر ، أو هو محاولة بلهاء لإدعاء أنه ليس هراءً ..
لم أرد .. استمر في الحديث مصمماً ، أن الشاب مامي _مثلاً_ لم نعد نسمع له حساً منذ فترة لا بأس بها .. وتنهد وهو يقول ، حال الدنيا ببساطة ..هز رأسه بعد أن أنهى جملته وصمت .
بعد فترة تذكرت ان الشاب مامي سمعت حسّه منذ فترة لا بأس بها .. هو حتى غنّى أغنية لا بأس بها مع إليسا أستغل كونها مزة حقيقية لا بأس بها .. فكرت أن الأغنية كانت جميلة فعلاً لا (لا بأس بها) فقط . وأنني حتى سمعتها لفترة .. أينعم كنت أعرف أنني لن أستمر كثيراً في هذا لكن هذا لا ينفي أنها بدت مميزة للحظات ..
هو مثلاً ليس كرامي صبري الذي مازال عنده القدرة ، والشجاعة ، على ترديد كلام مثل "قولي ألاقي أنا زيك فين" ..
فكرت أن هذا هو مربط الفرس .. وأن الشاب مامي لا بأس به ، ورامي صبري شبة عمرو دياب ..
قلت له كل هذا الكلام ، استغربت أنني لم أبذل مجهوداً شديداً في إقناعه ، إنتهى الأمر بي منتصراً .. وأنا تساءلت بعدها عن معنى كلمة مربط الفرس التي فكرت فيها منذ ثوان ٍ .. فكرت في سؤاله عن معنى الكلمة .. لكنه ، وبصدفة غير مبررة منطقياً ، سألني هو عن مشكلة قول كلام مثل : "قولي ألاقي أنا زيك فين " ؟ .. وانا ابتسمت في حكمة وقلت له أن هذا هو ، ببساطة شديدة ، مربط الفرس .

الخميس، 20 نوفمبر 2008

يـبـدو


وقال بنبرة جديدة مستسلماً :
_ " أتدري يا بني ، يبدو أن أكبر خطأ نرتكبه في حياتنا هو الإعتقاد بأن الهدف هو السعادة "




(نجيب محفوظ _ عصر الحب )

الاثنين، 3 نوفمبر 2008

شـمـس الشـمـّوسـة


بالطبع تذكرين ذلك اليوم ..

واقفين كعادتنا نتبادل الحديث في هدوء , ربما بثقة الفلاسفة , وسكينة رهبان التبت , لهذا .. ولهذا فقط .. تصبح انفعالاتنا شيئاً ثميناً حين تحدث .. شيئاً يكسر الهدوء المخيم على كلينا , وعليّ أنا بالذات حين أكون معك ِ

كان اليوم مشمساً , تذكرين ؟!

أحيانا ً تغيب الشمس ، فقط لتعرف كم نفتقدها على الأرجح ، و أحياناً ، تفرض حضورها حتى يصبح مقيتاً ، كريهاً , غبياً بلا حد ..
كان اليوم مشمساً ، مقيتاًَ إذاً ..
ولا أعرف بالضبط لمَ لم ْ نقف في مكان أقل تعرضاً للشمس من هذا المكان المفتوح تماماًَ ، غير المحدد بأي شيء من أي اتجاه .. فقط الشمس من فوقنا هي الشيء الوحيد الذي يشي لنا ، بمعنى كلمة (فوق) ..
الشمس كانت تستعرض قوتها بشكل غير محتمل ، هذه القوة التي يجب أن تعرف أنها ليست بحاجة لإثبات من الأصل ..

كنت أنا واقفاً ، ظهري للشمس ، وجهي ناحيتك ِ .. ربما كما أفعل مع كل أزمة أمر بها .. أعطيها ظهري ، بكل بساطة .. قبل أن أحرك قدميّ طبعاً ، مستعداً للركض بعيداً عنها ..
وأنت ِ واقفة أمامي .. بالظبط أمامي .

والشمس تسقط عليّ ، فتصنع الظل ، الذي تعلوه كرة ما ، هي رأسي ، التي يسقط ظلها , هي تحديداً ، على وجهك ، فيصبح بإمكانك ساعتها أنا تفتحي عينيك مباشرة ، و أنت ِ تنظرين إلى وجهي ..

كنت سعيداً بالطبع ، لا أنكر هذا ، و أنا أتأمل وجهك ِ الناظر لي ، و الذي لم تحركيه لحظة ، عن وجهي ..
عدم التحريك هذا ، بدا لي غير طبيعي ، في البداية ، ثم تجاهلت هذا الخاطر سريعاً ،

لكني ، فجأة ، شعرت باستغراب ، أجرؤ أن أسميه خوفاً ..
الاستغراب كان لأنني تغاضيت , في البداية , عن عدم طبيعية أمر ما ، وهذه الأمور بالذات تصيبني بشعور يشابه شعوري حين أحك الفوم ببعضه ، أو أسمع صوت حركة أشياء صدئة على بعضها البعض ..

الخوف كان هو الأوضح ..والأمر كان سؤالاً بريئاً : هل تنظرين لأنك تريدين ذلك ، أم لأن نظرتك لأي شيء آخر تعني الشمس ؟!

أكره استغرابي هذا ، الذي أجرؤ أن أسميه خوفاً ، ولكن من المستحيل أن أتجاهله في هدوء ، وأفكر في شيء آخر ..
حينما يأتي ذلك الشعور اللعين ، لا يصبح بإمكاني إلا الانصياع في هدوء ، وبلا أدنى مقاومة ..

تحركت ببطء من مكاني .. درت نصف دائرة .. الغريب أنك لم تعلقي بأي شكل ، الغريب أنك تقبلت ما يحدث باعتباره شيئاً عادياً ، الغريب أن هذا أسعدني ..

لم تبدلي من وضع وقوفك على الإطلاق .. فقط كنت تدورين معي ، مستكملة حديثك بهدوء تام ، وأنت تنظرين لي ، وأنا أدور نصف دائرة قطرها أكبر من دائرة وقوفنا ..

الآن وصلت حيث كنت أرغب .. وظللت أنت مكملة حديثك دون أن تغيري من نبرة صوتك ..
تابعت حديثك ، الذي أضعت نصفه ، والذي بدا أنه مهم جداً ، من كلماتك المتلاحقة ، التي بدأت تمييزها ، ومن نبرة صوتك ، التي لم تتغير ، ولكني لاحظت أنها كانت عالية بعض الشيء ..

انتبهت أننا الآن نقف في وضع غير متعرض للشمس على الإطلاق ، وأنها أصبحت على جانبنا ، مستأنسة الضوء تماماً ..
لكني فجأة شعرت باستغراب أشد ، أجرؤ بثقة أكبر أن أسميه خوفاً ..

بدا لي أنك تتلفتين كثيراً حولك ِ ، وأنك تتكلمين ، وأنت تشيحين وجهك بعض الشيء .. ولم أعد أستطيع تمييز طريقتك الطبيعية في التعبير بالوجه واليدين ، عن حركاتك الغير طبيعية ، التي انتابني شعور أنها موجودة .. رغم عدم قدرتي على التمييز فجأة .. بالأحرى لم أعد أعرف ما هو الطبيعي وما هو الغير طبيعي .. والغير طبيعي دليلي القوي أنه موجود ، أنني اشعر بهذا بقوة ..

مباشرة فكرت فيما يجب فعله ، للتأكد من كونها طبيعية أو غير طبيعية ، وكيف يجب فعل هذا دون أن تشعر هي بما يدور في دماغي ، لأنها لو عرفت ، فالطبيعي سيتحول لغير طبيعي ، والغير طبيعي سيتحول إلى طبيعي طبعاً ، وهو ما يبدو غريباً ، كيف يتحول الغير طبيعي لطبيعي بهذه البساطة ؟ .. هكذا يتصرف الإنسان ببساطة حين يشعر أنه مراقب ربما ..

لم أسترسل في فكرة الطبيعي للأسف ، لأني لاحظت أنها توقفت عن الحديث ونظرت لي صامتة . انتبهت بعد فترة من الصمت ، أن ما يخيم علينا ، هو الصمت فعلاً ..
حاولت بطريقة مثيرة للشفقة أن أرسم بسمة بلهاء على وجهي ، لكنها لم تسمح لتلك البسمة بالاكتمال :
_ " أنت لست هنا نهائياً ؟ "

حاولت ، مرة أخرى أن أرفع ملامح وجهي ، وأن أحرك عضلات البسمة على وجهي ، لكنها أجهضت المشروع تماماً حين عادت تقول :
_ " انت أصلاً لا تنظر لي "

وأنا تذكرت هنا ، أنني كان لابد أن أنظر لها وأنا أفكر في كل هذه الأفكار ..
حين أكون غير طبيعي ، يجب أن أتظاهر أنني طبيعي ، هذه هي القاعدة ببساطة .. ياللغباء !

المتابعون