السبت، 6 سبتمبر 2008

فـسـتـان وجيـبـونـة


كنت في غاية التعب , ربما لهذا لم ألحظ أن صديقي توقف فجأة عن السير إلا بعد أن تحركت مسافة لا بأس بها . لم يبد هذا غريباً , حين ينمو إرهاقي بشكل أسطوري , تصبح مسألة إدراكي لما يحدث حولي في حكم عجائب الدنيا ..
نظرت خلفي , وجدته واقفاً , يبتسم , وينظر عبر الشارع للناحية الأخرى , مددت بصري , وانتقلت لي مباشرة عدوى الابتسام هذه .
" ابتسام " .. هكذا تمتمت , وسط ضحكة صغيرة احتلت وجهي , وتركت بقايا ابتسامة بعدها , وأنا أتحرك لأعود للمكان الذي توقف فيه صديقي متابعاً إياها .
لفترة طويلة نسبياً , كنت أرى ابتسام بشكل يومي .. نقضي _كمجموعة عمل _ ما يقارب السبع ساعات . استمرت مجموعة العمل هذه ما يقارب الستة أشهر , ضحكنا فيها ما يقارب الخمس والنصف كما قال مديرنا في الجلسة الختامية , وهو يرمق الجالسين بنظرة لوم , قبل أن يثبت تلك النظرة على ابتسام تحديداً , بنظرة عتاب لم تفلح في إخفاء الضحكة المستترة خلفها , تلك التي انفجرت عندما قالت ابتسام بجدية شديدة أن نصف الشهر هذا هو الفترة التي قضاها هو في الخارج , وأننا أتممنا المدة بأكملها ضحكاً والحمد لله .
عند انفصال المجموعة , نالت هي أكبر كم ممكن من الهدايا يمكن تخيله .. لم أندهش كما فعل واحد منا وهو يرمق الهرم الصغير من العلب , زاهية التغليف , على مكتبها .
ابتسام كانت ملكة متوجة , لها حكمها الشامل علينا جميعاً , بلا أدنى شك ..
وقفت أنا وهو ننتظر عبورها الشارع .. ذلك العبور الذي تأخر قليلاً , ليس من كثرة العربات المارة , بل من خوفها الطفولي هذا . ضبطتها أكثر من وهي تنظر نحو اليمين مرة ثم نحو اليسار , رغم أن الشارع كان في الواقع ذو اتجاه واحد لا غير.
ضحكت , وصممت أن أقول لها هذا الأمر لأثبت لها أنني لازلت صاحب الملاحظات الذهبية كما كانت تطلق عليّ ..
ثم تحركت أخيراً , وبدأت تقطع الطريق .
كتمت ضحكتي بصعوبة , وأنا أرها تجري , فيرتج جسدها بوضوح , هي نفسها كادت أن تضحك .. كانت تضم شفتيها , وعلى وجهها ملامح ضحك لا شك فيه , وهي تنظر أثناء حركتها نحو السيارات ..
مباشرة , توقفت أمامنا .. وجهها مندى بالعرق الخفيف .. قالت وهي تصفق بيديها مرة واحدة , وكأنها تفاجئنا :
_ " أجمل من في الحفلة مين ؟ "
ضحكنا بصوت عال ٍ معاً , قال مغالباً ضحكاته :
_ " دبدوبة التخينة "
أكملت وهي تصفق ثانية , مرة واحدة كما الأولى :
_ " نطي نطة يا دبدوبة "
ثم أكملت سريعاً :
_ " إزيكو يا عيال "
_ " إزيك انتي ؟
_ " زي القمر طبعاً .. الحمد لله " .. قالت , ثم أكملت ضاحكة :
_ " بعمل ريجيم صحيح الأيام دي "
ضحكنا بشدة , وكأننا لم نفترق إلا لراحة الغذاء لا أكثر ..
قلت بعدها حين صمتنا ,وأنا أبتسم :
_ " إنتي كدا زي الفل .. كفاية الطلة "
كانت " الطلة " هي أحد تعبيراتها المعتادة عن الجمال كما تراه هي .. كنا نقضي ساعات سوداء معاً وهي تحاول أن تقنعني بجمال فتاة على حساب أخرى من مجرد الـ " طلة " .. ذلك التعبير الذي لم أفهمه حتى الآن , كما تراه هي ..
لكي أفهم أي شيء , لابد من تفهمه , وتخيله تماماً , وهي ترى هذا عبطاً , وتخلفاً عقلياً في دماغي , وهي الملاحظات التي تقولها لي بلا أي حرج أو تخوف ..
لكن المهم أنها ضحكت حين قلته ..
_ " الله يكرمك يا سيدي .. " قالت ..ثم أكملت :
_" وطلعتوا فيكوا الخير , وفاكرين أهو "
انخرطت بعدها في حديث باسم معه .. صمت أنا وشردت للحظات كالعادة ,
ولكني وجدتها فجأة تقطع كلامها معه , لاحظت هذا لأنه كان مستمراً في التحدث حين نظرت لي وقالت وهي تضيق عينيها :
_ " بس مفيش مانع يعني , أخس شوية كدا "




هناك 5 تعليقات:

عمرو يقول...

قلتلك رأيي فيها قبل كده

مش هعلّق تانى
:)



رمضان كريم

FreeKiller يقول...

فعلا
اهم حاجة الطلة
ربنا يهديك و تفهمها

كل سنة و انت طيب
و رمضان كريم
مبسوطة اني اخيرا رجعت لقرايه المدونات
و خصوصا مدونتك

ربنا معاك

روز يقول...

جميلة أوي أوي :)
ما شاء الله يعني
فيها فرح غير عادي، وكمان(الطلة) أنا مؤمنة بيها جدا :)
:):)
تسلم إيديك بجد

روز يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
روز يقول...

تحكي هذه القصة عن البطل - طالما استعمل ضمير المتكلم، فسنفرض أنه هو البطل، لأننا نرى الأحداث من وجهة نظره هو- وتشير في نهايتها (لحظة التنوير) إلى اختفاء البطل النسبي في الظل، بينما لا تريد الشخصية المحورية فيه (ابتسام) أن يلعب هذا الدور، ويظهر ذلك في النهاية عندما وجهت له الكلام تاركة زميله يكمل حديثه مع نفسه. وقد يعني هذا الأمر شيئين: أولهما أنها مهتمة لأمره لكنه لم يلاحظ، وثانيهما أنها ربما لا تريده أن يبقى في الظل هكذا إلى آخر عمره، تريد تنبيهه يعني بشكل أو بآخر..
لكن تقريبا من طريقته في إبداء الملاحظات عنها، يبدو أنه لم ينتبه إلى مغزى حركتها تلك قدر انتباهه إلى (كيف) نطقت ما تريد قوله له، ما فيش فايدة !!
*********
ها قد عقدت لك القصة تماما، وأخرجت منها - لا بد وحتما - ما لم تقصده أنت بما أنك الكاتب.. أنا متأكدة إنك بعد ما تقرأ الكلام ده ح تتساءل في دهشة: أنا عملت لها ايه بس عشان تعقدني كده ؟!!1
ولك الحق في التساؤل ...!
****
إنما والله لم أقصد تعقيدك أو السخرية منك، فقط عبرت عما شعرت به بالنسبة لهذه القصة، وعن فهمي أيضا لما يمكن أن تحمله أو تريد التعبير عنه. بس كده ! :)
******
نسيت أن أخبرك أيضا إن عنوان القصة محير بالفعل، لكني استنتجت منه أنه: أولا يشير ولو من بعيد أنها كانت ترتدي فستانا !والله أنا فهمتها كده!!
ثانيا: بناء على تلازم الفستان والجيبونة - على الأقل عند قطاع عريض ممن يرتدينه - يمكن الإشارة إلى تلازم البطل والشخصية المحورية، أي المتكلم والآنسة ابتسام.. لكنهما ربما لا يعلمان - أو يشعران - بذلك التلازم !
...
صح كده؟

المتابعون