الجمعة، 11 يناير 2008

ترمس



وتمضي الأيام كالمعتاد ..
وهذا هو تحديداً ما يؤلمني حد الجنون ..
دوماً أملأ الدنيا صراخا ً عن أن كل يوم هو شيء يستحق الوقوف أمامه , بصمت حتى ومراقبته ..
ولا أجدني قادراً على أي شيء من هذا ..
يصبح اليوم فقط شيئاً هلامياً مقززاً شبيهاً بالأمبيا .. لا معنى له إلا أنه اليوم , وأنه بسبب وجوده يوجد (غداً ) ويوجد( أمس ) .. وهذه وحدها مصيبة .. ألا يكون للشيء معنى إلا أنه يعني شيئاً , لشيء آخر .. ألا يكون كيانا ً واضحاً له ملامح واضحة يمكن تأملها وتمييزها عن غيرها ..
إكتئاب ؟!
أفكر في هذا الخاطر ثم أستبعده .. سأعرف لو كنت مكتئباً .. أنا فقط .. فلنقل .. في حالة أميبية لا أكثر ولا أقل ..
** ** ** **
تعود فيروز هذه الأيام تحديداًَ .. فيروز تأتي وقتما تحب هي , أنا عجزت تماماً عن تحديد الفترة التي أستمع فيها لفيروز .. هي فقط تأتي , فأجدني جالساً أستمع , تحدثني عن ليالي الشمال الحزينة , فأهز رأسي وأنا أحرك القلم في يدي في محاولة يائسة لإيجاد أي كلمة أكتبها ..
said,said,said I remember when we used to sit
In the government yard in Trenchtown
بوب مارلي وطريقة علاء ولي الدين رحمه الله في أداء هذه الأغنية تهاجمني فجأة , فأندمج في الغناء , وفيروز لازالت تصر على أن ليالي الشمال الحزينة لابد أن تذكرها , وأنا أصر على أن الغناء و وبوب مارلي مصر على الغناء هو الآخر في أذني , وتمازج ليالي الشمال الحزينة مع no woman no cry يصنع شيئاً هلامياً هو الآخر ..
** ** ** **
أميبا أميبا أميبا أميبا
** ** ** **
أحب أغنية بوب مارلي هذه لسبب بسيط , فضلاً عن الرؤية الفنية لعلاء ولي الدين , هو أنني كلما تذكرتها كلما تذكرت أبو صلاح , أحد أصدقائي الذين لا يستمعون تقريباً لأي أغاني غير عربية , وهو يعشق هذه الأغنية ..
إذن فما قلته أنا خاطيء .. هناك بعض الأشياء ربما تكتسب معناها من وجود أشياء أخرى .. لا بأس ..
** ** ** **
يسعد صباحك يا حلو .. يسعد مكان بتنزله
لما النسيم بيزونا .. عنك يا ولفي بنسأله
** ** ** **
كنت أذاكر تشريح .. التشريح مادة مهمة جداً و وأهميتها تنبع أن لا معنى لها , بالطبع هي مهمة لكن من فضلك لا تحاول إقناعي بأهمية حفظ مسار وريد لعين يسلك أغرب المسارات الممكنة في التاريخ وأتابعه أنا بقلمي الأزرق وعيني التي ستصاب بالحول , وانا أحاول معرفة هل سلك هذا الطريق أم ذاك .
أنام .
وأستيقظ .. لتكون أول كلمة أستقبل بها يومي هي : دا انا نمت ..
وأنفجر بعدها في حالة من الضحك الهستيري ..
جنون ؟
أفكر في هذا الخاطر ثم أستبعده .. سأعرف لو كنت مجنوناً .. أنا فقط .. فلنقل .. في حالة أميبية لا أكثر ولا أقل
** ** ** **
تمضي الأيام فعلاً .. أيامي فقط تخرج عن إيقاعها , لأقوم بتأجيل تجنيدي , وأعود بالإستمارة إياها للجامعة , ليقوموا هم بتبليغي أن تجنيدي قد تم تأجيله ..
أبتسم ..
يومي يخرج عن إيقاعه مرة أخرى حين أقوم بتجديد جواز سفري إستعداداً للرحيل بعد أقل من شهر ..
أستغرب شعور الإعتياد في كل ما أفعله .. أنا عادي جداً .. لا توجد أي مشكلة .. لا أشعر بشيء أساساً لأحدد هل توجد مشكلة أم لا .. فقط أقوم بالأمر بإعتيادية تامة ..
سعيد فعلاً أن سفري سيكون بعد عدة أيام من معرض الكتاب .. سيمكنني أن أرى إسمي مطبوعاً للمرة الأولى .. أستغرب حتى الشعور .. الكثيرون يقولون أنهم يشعرون وكأنهم على وشك حمل أول طفل لهم .. لكن شعوري مختلف تماماً .. ربما لا أعرفه لكني أعرف يقيناً أنه ليس الشعور بأني أحمل طفلي ..
أمسك جواز سفري بعد أن تم تجديده ..
كلّ العصافير التي لاحقت
كفي لى باب المطار البعيد
كل حقول القمح ،
كل السجون، كل القبور البيض
كل الحدود ،
كل المناديل التي لوّحت ،
كل العيون
كانت معي، لكنهم
قد أسقطوها من جواز السفر
كنت قد صممت على عدم التفكير في قصيدة محمود درويش هذه لكني ما أن أمسكت جواز سفري حتى وجدتني أغنيها .. مارسيل عبقري بالمناسبة .. ولم أستمع له منذ فترة بالمناسبة .. هذه الأيام أيام فيروز .. وفيروز فقط .. ربما القليل من ماجدة الرومي , لكنها أيام فيروز ..
** ** ** **
أحترف الحزن
** ** ** **
كنت في السايبر الذي أعتاد الجلوس فيه .. طلبت من العاملة قهوتي المعتادة .. طلبت مني أن أجرب القهوة باللبن .. إبتسمت .. هززت رأسي موافقاً .. حين جلبتها , ضحكت وطلبت مني أن أشربها بدلاً من القهوة لأنني : " لسه صغير " .. إبتسمت ثانية ووافقت .. من ساعتها لم أستطع أن أشرب القهوة في هذا المكان .. المؤلم هو حين أريد حقاً ان أشرب قهوة لكني أخاف من شيء مبهم لا أعرفه , أخاف من فكرة أنها طلبت وأنا لم أنفذ , وحين أفكر في من (هي) أصلاً أستغرب ..
قلت يوماً شيئاً عن (العشم) ولكنني أيضاً أعتدته حين يكون شكلاً من أشكال الصداقة .. أما هذا العشم فغريب حقاً .. غريب لدرجة أنني لا أجرؤ مطلقاً على كسره ..
** ** ** **
أمس أنتهينا .. فلا كنا ولا كان
يا صاحب الوعد .. خلي الوعد نسيانا
** ** ** **
وبعدين بقا ؟!
** ** ** **
كنت عائداً في طريقي المعتاد , حين وجدته .. بائع ترمس عادي جداً .. يقف خلف أسوار إحدى السينمات ..
كانت فرصة لي لأتأمل أفيش فيلم الجزيرة من قرب .. وقفت لبعض الوقت حين لمحته , حين نظرت له إبتسم , بادلته الإبتسام
_ " حلو الترمس دا يا عم ؟! " .. قلتها وانا أبتسم
ضحك ضحكة عالية للغاية وأشار للترمس بفخر وهو يقول :
_ " المية تكدب الغطاس "
ضحكت انا هذه المرة .. وخرجت صافية بلا شائبة ..
_ " قرطاس ولا كيس "
_ " لا .. قرطاس "
_ " تمام "
_ " إشمعنا يعني ؟ "
_ " عشان القرطاس هو اللي بيخلي للترمس طعم "
قالها وهو يمسك قرطاساً ورقياً كبيراً , يمسك بيده الأخرى بضع الشطة والملح الخشن .. يلقيه على مساحه معينة من الترمس .. ويرفعها في يده لتستقر في القرطاس ..
_ " لمون يا بية ؟ "
_ " لمون ماشي .. ليه بقا القرطاس بيدي طعم ؟ "
نظر لي ليحدد ما إذا كنت أمزح أم أتحدث جدياً .. ولما لاحظ نظراتي أنفجر في الضحك
_ " دا أنت عسل وربنا "
_ " الله يخليك يا رب "
_ " بس هي طعمها في القرطاس أحلى فعلاً "
_ " والله انت اللي عسل "
تشاطرنا الضحكات لفترة ثم أمسكت غنيمتي .. ومضيت في طريقي
بعد أن أنتهيت من الترمس .. كدت ألقي القرطاس , لكني لاحظت وجود حبه ترمس واحدة فقط ملقاه في القاع ..معلقة بين أطراف القرطاس الدائرية
لا أدري .. كان منظرها عبقرياً حقاً.. فككت القرطاس من أسفل ووضعتها في يدي وابتسمت طويلاً ..
** ** ** **
وسألونا وين كنتوا
وليش ما كبرتوا أنتوا
بنقلن نسينا
واللي نادى الناس
تا يكبروا الناس
راح ونسي ينادينا

ليست هناك تعليقات:

المتابعون