الاثنين، 3 ديسمبر 2007

زجاج من نعناع

قلت له وجهتي , هز رأسه دون أن ينظر لي حتى , فتحت الباب وجلست على المقعد المجاور له

كان الجو في منتهى البرودة تحديداً في هذا الوقت من العام , وتتزايد البرودة لحد لا يطاق في الصباح الباكر , الآن ..

لم ينظر لي حتى .. ظل يقود السيارة بلا أي تعبير , أو حتى تساؤل عن شارع , أو حتى يشكو من برودة جو , أو صعوبة عيش , أو أي شيء آخر يتحدث فيه سائقو الأجرة ..
فقط لم ينطق , وهو يريح رأسه على راحة يده اليسرى التي وضع كوعها على النافذة , التي أغلق زجاجها إلا من فراغ بسيط لاحظته من مكاني على الكرسي المجاور له .

لم ينطق , ولو أني لاحظت ملامح وجهه الممتعضة حين توقفت العربة بنا , بسبب توقف العربات التي أمامنا , فجأة ..

_ " على الصبح "
هازاً رأسه قالها .. خرج صوته بلا ملامح مميزة تعلق بالذهن ..

نظرت في ساعتي .. ثم أشحت النظر , لأنظر من النافذة المفتوحة جواري , والتي كانت تسرب قليلاً من الهواء البارد ..
ذكرتني البرودة , بالبرودة المحببة التي أشعر بها في فمي وأنا أمضغ علكة النعناع .. ابتسمت لطفولة أفكاري , وأنا أضع يدي في جيبي لأخرج العبوة الصغيرة ..

كنت قد اشتريتها قبل أن أركب بلحظات قليلة ,
أزحت الغلاف الورقي عنها , وفتحت غلافها الورقي المقوى .. ثم حركتها لأقربها من السابق الذي بدأ يغير من وضع جسمه , مستعداً للتحرك مرة أخرى , بعد أن تحركت السيارات من أمامنا ..

_ " شكراً "
قالها ببرود , ودون أي تغيير في نبرات صوته ولكني كررت عرضي " تفضل والله " وأنا أحرك العبوة عدة مرات ..

مد يدة لي بعد العرض الثان ِ , فحركت العبوة بقصد إخراج حبة أو أثنتين .. لكن ما حدث أن أربعة حبات خرجن من العبوة ليستقرّن في يده ..

نظر بدهشة للعدد الكبير نسبياً والذي لم يكن يتوقعه على ما يبدو .. ثم حرك هو يده وهو يقول : "لا .. كتير ",
فابتسمت أنا , وقلت له ضاحكاً أن هذا رزق لا يجب عليه أن يرده ..

قلت جملتي الأخيرة , وقد بدأت أشعر بالبرودة بسبب تسارع سرعة العربية , والهواء القارص البارد الذي بدأ يلفح جانب وجهي المواجة للشارع .

وضممت يديّ على صدري كمحاولة _لاجدوى منها_ لإتقاء البرودة التي جعلتني أرتجف , وأنا أنظر له وهو يضع ثلاث حبات في علبة صغيرة أمامه لمحت فيها أموالاً من فئات بسيطة ..

وضع الباقية في فمة وتلفت لي نصف إلتفاتة وهو يقول : "شكراً " , جاوبت شكره بهدوء وأنا أمضغ علكتي , ناظراً من الشباك المفتوح , وأستشعر نكهة النعناع في فمي , والتي شعرت أنها شملت العربة بأكملها ..

ثم نظرت له في دهشة , بعد أن إرتفع زجاج الشباك المفتوح جواري ليمنع عني الهواء البارد ..
نظرت له , وأنا ألمح يده اليسرى تستقر على زر ما , وبإستمرار ضغطه , يستمر إرتفاع الزجاج , حتى أغلق الشباك تماماً .

ليست هناك تعليقات:

المتابعون