الخميس، 22 نوفمبر 2007

غير قابل للإصلاح

.. أخمن رقماً , ثم أكتبه على لوحة المفاتيح
يظهر تأثير الرقم مباشرة على الصورة المستكينة أمامي , والتي أحاول _وأنا أكاد أجن_ أن أعدل من حجمها ..
أهز رأسي .. ليس بعد .. المشكلة أنني أكره هذا الأمر .. أن أغرق لساعات في محاولات يائسة لكي تظل الصورة محتفظة بكل شيء أراه فيها , وألا يكون حجمها مبالغاً فيه , سواء بالنقص أو الزيادة ..
أخمن رقماً آخر .. وتتكرر النتيجة ..
أهز رأسي بقوة أكبر هذه المرة .. وأنا أدير الكرسي الذي أجلس عليه , لأواجه أخي الذي جلس , يتابع في هدوء التلفاز الذي يعرض شيئاً لم أتبينه تحديداً , ثم أسأله أن يذكر رقمين .. على شرط أن يكون كلاهما فوق المئتين ..
دون أن يسألني لماذا حتى .. يذكر الرقمين : 340 و 400
أدير كرسيّ مرة أخرى , وأكتب الرقمين , وأتأمل , في دهشة , النتيجة
"ممتاز "
أضحك من سخف الموقف وأنا أهز كتفي .. "ممتاز بجد "
حين أضغط زر التثبيت , تخرج علي نافذة جانبية , تسألني , هل أود أن أضيف الصورة المعدلة , محل تلك التي عُدلت ..
أضغط الإيجاب ..

أنسى الصورة بعض الوقت , أرشف من فنجان قهوتي في هدوء وأنا أقرأ شيئاً على الشاشة ..
أعود للصورة , وأتنبة في ذهول أنها لا تعجبني الآن ..

نعم .. لحظة .. لا ... انا لا أحب شكل هذه الصورة .. حجمها أكبر من اللازم .. ثم أن التفاصيل باهتة للغاية ..

أجعل الصورة تختفي من أمامي فوراً ,

وأبدأ , وأنا أنظر لقهوتي التي فقدت حرارتها , في محاولة يائسة , لتذكر أرقام الصورة القديمة التي لا أعرف حتى , هل هي بعد المائتين أم لا ..

الأربعاء، 21 نوفمبر 2007

( لا تكلمني .. شكراً.. ( قصة قصيرة

.. كانت الغرفة معتمة الإظلام بالكامل حين ضغطت زراً ما في هاتفي المحمول

للحظات ساد غرفتي الضوء الشاحب المنبعث من شاشة الهاتف .. أكره هذا الضوء كراهية التحريم ..
ولكنه في هذه اللحظة , والغرفة فقيرة لأي مصدر ضوء , بدا لي كأنه ألف شمس ..

بعين نصف مفتوحة , جلبت القائمة , اخترت اسماً بعينه .. ضغطت زر الاتصال .. ساد الصمت حتى قطعه صوت الفتاة التقليدي البارد , لتخبرني , بكل شماتة الدنيا , أن رصيدي قد توفي

زفرت بشدة .. ضغطت زر الخروج , وعادت النافذة صافية كما كانت , تنتظر أوامري ..

" كلمني .. شكراً " .. تمتمت بها وأنا أقرن قولي بالفعل .. ضغطت الأرقام الأولى , تلك التي أطلب بها رقم الخدمة , ويفترض الآن أن أضيف رقم الهاتف .. ومن ثم أنتظر أن يعطف , ويتصل ..

زفرت مرة أخرى ..

مررت بأصابعي بمنتهى الهدوء على الأرقام المضيئة , واحداً تلو الآخر .. دون أن أضغط أياً منهم .. وزفرت للمرة الثالثة ..

انطفأ النور المنبعت فجأة .. وجدت نفسي أندفع , بشعور يكاد يقارب الذعر , لأضغط أي زر تقع عليه يدي , فقط ليأتي النور مرة أخرى ..

عندما نظرت للأرقام والرموز , التي ظهرت لعيني , متراصة على هاتفي .. أدركت أنها نقصت واحداً .. وأدركت أني ضغطت زر مسح آخر رقم أُضيف ..

وضعت أصابعي , بإرادتي هذه المرة .. وأكملت مسح جميع الأرقام ..
عادت الشاشة لصفائها كما كانت في البداية ..

قلبت الهاتف ليسود الظلام .. وأغمضت عيني وأنا أتنهد في هدوء

الجمعة، 16 نوفمبر 2007

ليال ٍ صيفية



توت يفوت ولا حد يموت

"انت متأكد انه عادي يعني" _
_ " آة والله عادي .. عملناها كذا مرة
لم أتكلم وفكرت في الأمر قليلاً .. العرض مغر ٍللغاية ..
مغري لأسباب كثيرة .. أولاً أنا لم أذق التوت في حياتي تقريباً .. والفتى يصف طعمه وكأنه سيحمل لي أسرار الكون .. ثم أن هناك الخيال الذي يصور لي عملية إقتحام المدرسة وكأنها فتح عكا ..
كل هذه الترتيبات , ومسألة القفز من فوق السور , ويوم الجمعة , أي أنني سأستمتع بيومي جداً ..
ولكن السبب الحقيقي الذي جعلني لا أستطيع رفض العرض كان أبسط من هذا بكثير ..
في هذه الفترة.. الصف الثاني الإعدادي تقريباً .. كنت قد عدت من الخارج بعد أن قضيت عمري بالكامل خارج مصر تقريباً عدا عام أو أثنين .. كنت بلا أصدقاء على الأطلاق كما يمكن التخيل .. كل أصدقائي الذين كونتهم في الخارج ضاعوا ببساطة شديدة , ربما أبسط مما كنت أتخيل ..
لم يكن أمامي سبيل لرفض العرض إذن .
جاء هو , كان أسمه إيهاب تقريباً .. وعرض علي الأمر منذ البداية .. هناك شجرة توت في المدرسة , وأشار نحو شجرة عملاقة تحتل مكاناً مميزاً في فناء المدرسة . لم أكن أعرف الفرق بين شجر التوت وغيره , لكني بالطبع نظرت لها بإنبهار ..
شجرة التوت هذه لا يمكن لنا أن نحظى بثمارها لأننا لا يمكننا تسلقها الآن , وسط اليوم الدراسي , لأن المدرسين لن يسمحوا لنا بأي حال من الأحوال أن نفعل ذلك ..
ما الحل إذن ؟ ..
أن نأتي هنا , للمدرسة , يوم الجمعة صباحاً .. يمكننا بعد أن نتسلق سور المدرسة أن نملك المدرسة بما فيها .. ساعتها سنأخذ من شجرة التوت كما نشاء ,
_ "طول اليوم هناكل زي ما أحنا عايزين "
كل هذا كان يهمني فعلاً .. شجرة التوت , وأن نتسلق السور , كل هذه الأمور أعجبتني جداً .. لكن ما جعلني أفرح من داخلي حقاً هي صيغة الجمع التي كان يتحدث بها .. نحن .. جميعاً .. أي أنهم , أخيراً , بمعنى أو بآخر يعتبرونني منهم ..
أسعدني هذا فوق الوصف .. ولم أستطع أن أرفض على الإطلاق ..
_ " خلاص .. يوم الجمعة "
قلتها وانا أكاد أنفجر فرحاً .. سآكل التوت .. ومع أصدقائي الجدد ..
تذكرت وأنا أسير في طريق عودتي أنني لم أسأله عن الموعد .. ركضت نحوه مرة أخرى وسألته .. فكر قليلاً ثم قال :
_ " بعد الصلاة طبعاً "
هززت رأسي في تفهم ..
_ " خلاص .. يوم الجمعة "
** ** ** **
كيف كان لأمي أن ترفض وأنا أقص عليها ما سنفعل ؟!
حينما أعيد التفكير في الأمر , وأتأمل في إستغراب , موافقة أمي السريعة , وهي التي تقلق من تأخري لمدة نصف ساعة عن ميعادي الذي أقول أني عائد فيه , حينما أفكر في مسألة سرعة موافقتها , يزول إستغرابي تدريجياً حين أستعيد الحماس الرهيب الذي كنت أتحدث به عن شجرة التوت العملاقة ( دي كبيرة أوي يا ماما ) .. وعن أصدقائي ( دول كلهم قالوا لي تعالى معانا ) وعن التوت ( طعمة زي السكر .. والله قاللي كدا.. اللي لونها أحمر طعمها كدا .. اللي لونها أخضر طعمها حلو بس مش زي اللي لونها أحمر )
كيف كان لأمي أن ترفض بعد كل هذا ؟!
بعد كل هذا الحماس الذي أتحدث به , وأنا الذي كنت , كما تقول , لا أكاد أذكر لي صديقاً أو حتى شخصاً أعرفه في المدرسة
_ " طيب روح بس ما تتأخرش "
** ** ** **
حاملاً كيساً بلاستيكياً , قلت لأمي أني سأجلب فيه غنائمي , مصطحباً أخي الصغير معي .. ومتجهاً نحو مدرستي ..
_ " أنت تفضل تحت تستنى لحد ما أنزل لك .. أصلك مش هتعرف تطلع الشجرة .. خلاص ؟ "
يعترض أخي الصغير على هذه التفرقة العنصرية لكني أمارس سلطتي بإعتباري الأخ الأكبر ..
_ " خلاص "
يقول في النهاية ..
عندما يصمت أعود أنا فأقول :
_ " أصل الشجرة عالية أوي وأنت مش هتعرف تطلع "
يكرر هو صمته , فأضطر أن أقول في النهاية :
_ " طيب , هتطلع بس مش هتطلع لحد فوق خالص .. عشان بس ما تقعش .. "
_ " خلاص ماشي "
يقولها هذه المرة بلهجة رضا نوعاً ما .. أطمئن أنا .. الأمن مستتب
** ** ** **
لم أدرك الأمر إلا بعد مرور فترة لا بأس بها ..
كنت قد قفزت من فوق بوابة المدرسة المرتفعة نسبياً .. توقعت أني ما أن أدخل إلى فناء المدرسة سيتم إستقبالي كالأبطال , لكن الأمر لم يسر بهذا الشكل مطلقاً
_ " هما صحابك فين يا أحمد ؟ "
يقولها أخي الصغير , فلا أعرف ماذا أقول .. أقول له أنهم بعد قليل , من المؤكد , سيأتون ..
أقترح عليه أن نجلس على المقاعد الرخامية قليلاً ريثما يأتون .. يوافق بلا حماس ..
أستغل فترة الصمت الطويلة , لكي أشرح لأخي كيف قمت , في فناء اللعب الذي نجلس فيه , بتمرير الكرة مباشرة لصديقي الذي سددها بقوة شديدة في المرمى , ويستمع أخي بلا حماس شديد , بلا حماس على الإطلاق كتعبير أدق .
** ** ** **
_ " وهنقول لماما إيه ؟! "
يقول لي أخي مجيباً على طلبي الجاف الذي طلبته منه ..
_ " مش هتقول حاجة .. هنقولها أننا كلنا كل التوت في المدرسة مع صحابنا "
يطأطأ أخي رأسه وهو لا يفهم سبب لهجتي الحادة , يسير معي بلا أي كلمة ..
كنت قد طلبت منه بلهجة في غاية الحدة أن يخرس تماماً عندما نصل للبيت , وألا يذكر كلمة لأمي عن عودتنا خائبين وأننا لم نقابل أحداً منهم , ولم أحاول أصلاً أن ألمس الشجرة , رغم أنه طلب مني أن نفعل , طالما لم يأت أحد .
** ** ** **
تسألني أمي عما فعلته في المدرسة , وهي تلاحظ أن حماسي قد خبا ..
أتماسك في البداية , أحدثها عن طعم التوت الجميل , وعن أننا لعبنا , وعن صديقي الذي كاد أن يسقط ,
ثم بلا أي مقدمات , أنفجر في البكاء , ولا أذكر إلا ثلاث كلمات لا غير :
_ " التوت .. صحابي .. الشجرة "
تحاول أمي أن تفهم السبب , تسأل أخي الذي يصمت في رعب وهو يراني أنهار بالمعنى الحرفي .. تحاول أمي أن تفهم أي سبب من أي نوع .. تكتفي في النهاية بالتربيت عليّ بلا كلام ..
وسط بكائي المستعر , أدخل يدي في جيبي , وأخرجها وهي تحمل الكيس الخالي ..

الجمعة، 9 نوفمبر 2007

مجـفـفّ .. قصة قصيرة

.. قررت أختي أنها لا تريد الحليب المجفف , وأنا أعد لها الكاكاو البارد
كنت في تلك اللحظات مرتدياً ملابسي , أنظر كل دقيقة في ساعتي ..
لدي من الوقت ما يكفيني فقط لأكل شيء بسرعة , وشرب شاي ساخن , وإلا فمواعيد جامعتي مهددة بعدم وصولي إليها ..

عبثاً حاولت إقناعها بأن لا فرق بين الحليب المجفف والمعلب . كلاهما الشيء ذاته .. لكنها أصرت , ثم أظهرت تعبيراً طفولياً يظهر امتعاضها مني , فلم أستطع أن أخيب أملها بهذه القسوة , وبدأت أعد لها ما تريد , على التوازي مع ما سأشرب أنا .

حين أنهيت صب الماء الساخن في كوبي .. تركته دون تقليب واتجهت لعبوة الحليب المحفوظ ..

صببت بعض محتوياتها في الكوب البلاستيكي الصغير الذي يجاور كوبي , والذي عدت له مرة أخرى وأخذت في تقليب محتوياته التي يتخللها البخار الساخن ويتصاعد منها في ذات الوقت .
وفعلت المثل مع كوبها الصغير .

واكتشفت اني أكره الحليب المجفف ..

توصلت لذلك من مجرد المقارنة فقط بين كوبي الذي أختلط فيه الشاي بالحليب المجفف , وبين كوب أختي الصغيرة ذي الحليب الطبيعي , حتى لو كان معلباً ..

نظرت لكوبي الذي تجمعت على سطحه تكتلات من الحليب لم تذب تماماًَ , ولم تفارق جفافها رغم محاولاتي المستمرة أن أغمرها بالمياه الساخنة ,
وغالباً لن تذوب , بل ستبقى لتترسب في القاع , وتثير الاشمئزاز بمنظرها ..

وابتسمت بلا شعور معين , وأنا أنظر لكوب أختي ذي السطح العاكس , والذي كان يحمل , في تلك اللحظة , منتهى الصفاء .

المتابعون