الثلاثاء، 3 أبريل 2007

.. بؤس

..أصاب فجأة بحالة من الملل المرعب
كنا في وسط سكشن في الكلية والدكتور مستمتع على ما يبدو بحالة البؤس والشلل والملل وكل الأمراض المتوطنة التي نعاني منها .
_ يبقا لما الـ T wave تبقى مقلوبة في الـECG (جهاز رسم القلب ) يبقا الراجل تعبان .. ما تقولش دي خلقة ربنا .
وتتصاعد الأصوات المكتومة من حولي :
_حرام عليك يا مفتري ..انت قلت الدوعابة دي خمسين مرة ومحدش فتح بقة عشان يكح بس مش يضحك ..
_الراجل دا فاكر نفسة يونس شلبي ولا إية ؟ إيه الخفة دي يا عم
_ لأ سيادتك الظاهر بس كان هو واقف على راسه فالموجة قلبت
_هو الراجل دة ليه ماما زينا
_إشمعنا ؟
_ماولعتش فيه لحد دلوقتي إزاي ؟!
تتصاعد حالة الملل العادي لملل مرعب ..أنهض من مكاني وأتقدم ناحية الدكتور ..أخترق جموع البشر أمامي وأنا حقاً في حالة القاع ..سأنصرف ..حرام يعني ..ولو رفض ..سأضربه ..حرام بجد ..
تتصاعد الضحكات : (أحمد يا مجنون ..أعقل بلاش تهور) ..(هاتروح بلاش يا وليدي ..ماتوديش نفسك في داهية )
_دكتور ..لو سمحت أنا هستأذن
_نعم يا اخويا ؟! ..
آآآآآآآآة ..انا هترفد من الكلية ..مش مشكلة ..متعة ضرب الراجل دة تعادل 100سنة شغل ..مش مشكلة
_هستأذن ..
أنطقها بهدوء لأريح ضميري .
_فاكر الكلية صالون ولا إيه ..يعني إيه تستأذن ..فيه إلتزام ..فيه ..
أقاطعه :
_معلهش أصل واحد عزيز عليا بيودع
تعلو الضحكات المكتومة لدرجة الوضوح ..ينظر لوجهي ويجد ملامحي جامدة في حين أمسك ضحكاتي بصعوبة ..
_حطيت الكارنية ؟!
بدأ يلين إذن ..
_آة
_هتتاخد غياب طبعاً ..
أكرر من وراءه بلهجة سخرية لا يمكن إمساكها : _طبعاً
_طيب ..
ثم يشيح بوجهه عني ..
علامة الهزيمة الأولى ..أكاد أرقص
أخرج وأتعمد ترك الاب من خلفي مفتوحاً ..الحرية .
أنزل من المبنى لـ(حوش المدرسة) كما أصر على تسميته ..المكان أتوبيس بلا وصف آخر ..أشق طريقي بصعوبة وسط جموع البشر كلاكيت تاني مرة ..أعبر كافيتيريا الكلية ثم أقرر أن أشرب فنجان قهوة قبل أن أفعل شيئاً آخر ..أذكر نفسي بأني سأقلع عن القهوة ..8 فناجين يومياً شيء غير لطيف ..بالتأكيد سأفعل ..لكن ليس اليوم ..آخذ كوب القهوة الورقي وأحاول الإبتعاد عن الكافيتيريا فالزحام بشكل عام ..
_أحمد ..أحمد
يقترب الصوت مني فأدير رأسي لأري إحدى زميلاتي ..لا أتذكر إسمها ..اللعنة .. مع أصدقائي هناك حلول ممتازة تتلخص في (ياباشا)..(يا معلم ) .. (يا كبير)
لكن الحل هنا يتمثل في طريقة أخرى ..الهجوم :
_إيه يا بنتي الغيبة الطويلة دي ..
_غيبة إيه ..أنا كل يوم هنا ..
أرسم على وجهي أفظع علامات الإندهاش : _ بجد ما بشوفكيش يعني ..
_لا والله باجي كل يوم
_غريبة .. ثم أهز رأسي متأملاً في حكمة الكون
_سمعت الي حصل ؟
_خير ؟
_الدكتور هيستلم الشيتات الأسبوع الجاي ..
_نعم ؟
_آة والله ..قال الكلام دا ف المحاضرة
_هو فيه حد بيحضر له أساساً ..
_طلع فيه ..
_مين المرضى دول .. ثم أهز رأسي متأملاً في حكمة الكون
تضحك هي فتظهر لها غمازتان ..أفكر أن الغمازات دوماً تظهر في أوقات سيئة رغم أني أحب شكلها
_طب وهنعمل إيه دلوقت ..أنا مكتبتش حرف في البتاع دا ..أنا أساساً معرفش هو فين
تضحك هي مرة أخرى : _ فيه ورق ممكن تصوره وتنقله
_مين الدحيح الي عامله ..
_الدكتور
_نعم ؟ !
_آة والله ..دا الي سمعته
_لحظة بس هنا ..يعني أحنا هنكتب شيت ونديهوله والأجوبة الي فيه هو منزلها لنا عشان نصورها
_إكزاكتلي
أهز رأسي متأملاً في حكمة الكون
_هشتريه وأمري لله ..هو مش ف المكتبة
_اه
_خلاص ماشي
_ماشي يا أحمد .. مش عايز حاجة
_الله يخليكي يا رب ..شكراً _ على إية ولا يهمك ..سلام
_سلام
تبتعد قليلاً فتمر في ذهني قائمة لطيفة من البشر .. ثم قائمة ألطف من الشتائم .. (الله يخرب بيت كدا)
أمر على المكتبة ..الورق ..كلام كلام كلام كلام ..ثم أقرر ..أنا همشي بقا ..كفاية كدة بقا عليا اوي
اتعمد في طريقي المرور على فرشة الكتب التقليدية كما أفعل كل يوم ..أمر على الرجل
_السلام عليكم
_وعليكم السلام ..إزيك يا دكتور .
_زي الزفت يا عم محمد ..زي الزفت
_لاحول ولا قوة إلا بالله ..ولا يهمك يابني ..كل الحاجات دي بتعدي ..
_غالباً إحنا الي بنعدي وهي بتفضل يا عم محمد ..
يسكت الرجل ولا ينطق ..لابد أن مئة ألف شخص قالوا له هذا الكلام قبلي .
أركع على ركبتي وأبدأ بتفحص الكتب مبتسماً كما أفعل كل مرة لأني أتذكر كلمة عم محمد التي قالها لي يوماً .."محدش بيركع وهو بيبص على الكتب إلا لو كان غاوي ..مع أن تحتيه الفرشة والبنطلون مش هيتوسخ ..بس محدش هينزل للكتب إلا لو كان غاوي"
استغرق تماماً في تقليب الكتب لولا أنه يخرجني _عم محمد_من الغيبوبة قائلاً:
_ أنا هروح أصلي الظهر بقا يابني ..لو خدت حاجة سيب تمنها تحت الكتاب الكبير دا ..
وأشار لكتاب محمد حسنين هيكل ..خريف الغضب .
أفكر للحظات ..هل سيترك الفرشة وحدها ..لم آت في هذا الوقت المبكر نسبياً ..ولم أره يترك الفرشة مع أي شخص كان ..أفكر ..هل يتركها معي أم ماذا ..لكنه قال لي بأن أترك ثمن الكتاب ..
_معلهش يا عم محمد ..أنا هضطر أمشي ..
_عادي يا بني ..بقولك لو خدت حاجة حط تمنها وخلاص ..
_وهتسيب الفرشة لوحدها ؟!!
ينظر لي بدهشة للحظات ثم يقول في لهجة غريبة :
_مين دا الي هيسرق كتب يابني ؟!
يضحك
أغتصب إبتسامة من فمي وأنا أراقبه يبتعد ..
ثم أهز رأسي متأملاً في حكمة الكون .

المتابعون