الأربعاء، 26 ديسمبر 2007

.. أنا موجود


هناك أمور يصبح من الجنون والغباء أن نتجاهلها , أن نقف أمامها ونقول : " عادي " , ألا نفرح بها , أو نحزن , ألا ننفجر حين يجب علينا الإنفجار غضباً , وألا نرقص من السعادة حين يجب علينا .
إحدى دعواتي الدائمة أن يعطيني الله نعمة الدهشة .. ذلك الشعور العبقري الذي يهاجمني حين أكتشف كتاباً أحبه , أو أسمع أغنية أفتقدها , أن أرى عملاً فنياً يستحق الإعجاب .. وبالعكس ..أن أندهش من كل الغباء , والسطحية , والإبتذال الذي أراه كلما قلبت عيني ..
أن أندهش حين أكتشف أن نقودي قد نسيتها في البيت , وأن معي جنية واحد فقط .. هذا الجنية مهشم ومكرمش بشكل غريب , وأفكر كيف سيقطع سائق التاكسي عنقي .. وحين أقول له , يضحك ببساطة , ويقبل الأمر بمنتهى الغرابة , فأندهش أنا .. ولا آخذ الأمر وكأنه مسلمة من المسلمات ..
** ** ** **
منذ بضعة أيام وجدت أغنية بلهاء جعلتني أبكي كالأطفال ..
يقول الراوي , وهو أبي هذه المرة , أنه يوماً ما , من زمان جداً , حين كنت أنا في الثانية أو الثالثة من العمر , كان يركب سيارته الفيورا القديمة , تلك التي لا أعرف كيف يعتبرها البشر سيارة , رغم أن أبي حتى هذه اللحظة يحب الحديث عنها بإعتبارها الحب الأول ..
المهم أنه كان يسمع الراديو .. حين سمع أغنية إسمها 3 فرسان .. أبي أعجب بهذه الأغنية بشكل غريب , وسمعها , ثم حصل عليها , فقط ليغنيها لي لأنام ..
كانت هذه الأغنية إحدى أغاني المهد التي داوم أبي لفترة طويلة على غناءها لكي أنام ..
منذ بضعة أيام وجدت هذه الأغنية .. وجلست أبكي وأنا أضحك ..
3 فرسان كانوا راجعين من غزوة .. كانوا راجعين من غزوة يا سلام .. كانوا راجعين من غزوة .. أمفش .. :)
** ** ** **
هناك جامع جميل جداً بدأت أصلي فيه من فترة .. أنا أمر عليه منذ فترة طويلة للغاية لأنه يقع في طريق جامعتي .. لكنني لم أكن ألحظه أصلاً على ما يبدو ..
المهم أن هذا الجامع فيه ميزة رائعة الجمال .. أن الرصيف المقابل له يحتله أحد باعة الكتب المستعملة .. يفرش على الأرض بقطعة عملاقة من القماش , ويرص فوقها الكتب حسب أحجامها ..
بعد الصلاة إتجهت نحوه ووجدت (قالت ضحى) لبهاء طاهر بحالة ممتازة !
بهاء طاهر هو أحد الذين أكتشفتهم من جديد في هذه الفترة .. لا أعرف حقاً كيف لم ألاحظ كل هذا الجمال والشفافية في كتاباته .. المهم أنه الآن يحتل عندي منزلة عالية للغاية ..
(قالت ضحى) كان بحالة ممتازة .. هو أحد إصدارات دار الهلال هذه المرة وكان الثمن هو خمسة وسبعون قرشاً لا غير .. نظرت للبائع محاولاً إيجاد أي ملامح للسخرية في وجهة ولم أجد .. شعرت للحظات بتأنيب ضمير ساخر جداً (ضميري هو الوحيد الساخر على ما يبدو) .. بهاء طاهر وأحد كتبه الرائعة الجمال بخمسة وسبعين قرشاً .. المهم أنني أخرست ضميري الساخر وأخذت الكتاب ..
تحركت عدة خطوات .. قلبت في الكتاب سريعاً ووجدت الصورة ..
إبتسمت وأنا ألمح الطفل .. من لا يمكنه أن يفعل تجاة هذه الإبتسامة .. قلبت الصورة
ووجدت الخلفية التي تقول :
( أخذت هذه الصورة على شاطيء المندرة بالأسكندرية في يوم الأربعاء 12 أغسطس 1964 ..)
هذا (الطفل ) كان (طفلاً) منذ 44 عاماً ..
لو فرضنا حسب الصورة أنه كان يبلغ الرابعة أو الخامسة من العمر .. فهو الآن في الخمسين من العمر
هذا (الطفل) أصبح الآن في الخامسة والخمسين من العمر! ..
لم أستطع النطق حقاً من روعة إكتشافي ..
من جمال ملامحه .. من روعة النظرة ومن صفائها .. من جمال الموقف نفسه ..
من مجرد أن كل هذا , وقع في يدي أنا في النهاية .. وهي الفكرة التي جعلتني أبتسم طويلاً .. هذه الصورة أخذت عام 1964 , ووصلت ليدي في عام 2007
يفصل بين التاريخين عمر كامل .. كيف يمكن للمرء ألا يصاب بالجنون بعد كل هذا ؟!
فقط أدعو الله أن يديم علي الإكتشافات ..
وأهم إكتشاف أنني على صواب في وساوسي .. لأنني مغرم بكتابة التاريخ على كل ما يتعلق بذكرى لي .. على تذاكر القطارات .. أكياس الشيبسي , أغلفة الشيكولاتة .. على الصور وعلى الملابس القديمة أحياناً ..
أن أطمئن .. فحين تقع إحدى تذكاراتي التي أضعها في كتبي دائماً في يد شخص ما , سيعرف أنني كنت هنا .. أنني وجدت يوماً ما
يمكن لي الآن أن أقول بكل ثقة ممكنة أنني أندهش .. إذن فأنا موجود

الجمعة، 14 ديسمبر 2007

رغوة


وضع أمامي مج النسكافية , لم أنظر له لأعرف أنه مج النسكافية , لأني كنت أتحدث مع صديقي الذي يجلس أمامي بنوع من العصبية كعادتي حين تغلبني حمى النقاش ..
صديقي كان يحاول أن يوضح لي أننا نقول نفس الكلام , وإن كان بشكل مختلف , ولكنني كنت في لحظة الحقيقة المطلقة كما يسميها هو ضاحكاً .. حين لا رأي إلا رأيي , ولا عين إلا عيني ..
_ " طيب أسمع بس "
أقولها فأصمت قليلاً .. أشهق وأزفر . وأهدأ قليلاً وأنا أسمعه يتحدث ..
أنه يقول ما أقول تقريباً .. أعترف لنفسي بهذا , ثم أستدرك نفسي قبل أن أقول له هذا , أجد نقطة لحسن الحظ نختلف فيها , أقول فوراً وأنا أهز رأسي في أسف :
_ " برضة مش فاهمني "
ثم لا أستطيع أن أستمر في هذا الدور كثيراً .. " طيب .. أنا وأنت بنقول نفس الكلام " ..
يبتسم هو في إنتصار وأتجة أنا نحو النسكافية ..
أرفع الكوب لفمي وأرشف منه .. برودة الرغوة تجعلني أستمر , حتى يصطدم لساني بالحرارة العالية المفاجئة .. أبعد الكوب بسرعة عن فمي ..
يشاهد صديقي المشهد , يعقد حاجبيه , ويبتسم , حين أشرح له ما حدث .. "بتحصل عادي "
أهز رأسي ..
_ " الرغوة كتيرة أوي " .. أقول ..
يستغرب هو ما أقول ..
_ " إزاي يعني " .. يسألني.. ويكمل :_ " عرفت منين أصلاً "
يعني هو أن الكوب معتم لا يمكنني أن أرى هل الرغوة قليلة أم كثيرة .. لكني أعرف هذا جيداً لأنني تخطيت منها كمية كبيرة قبل أن أصل للنسكافية نفسه
أقول له هذا فيقول لي أن النسكافية لابد أن تكون له رغوة ..
لست من هواة النسكافية أصلاً , وأشربه على فترات متباعدة .. لهذا أهز كتفي بإعتبار أنه أدرى .. ولكني أعود فجأة وأقول :
_ " بس الرغوة كتير أوي فعلاً "
يمد يده فيمسك كوبي .. ينظر فيه ..
_" مش كتير ولا حاجة يابني "
_ " هو دا النسكافية العادي يعني ؟ "
يهز رأسه .. فأهز رأسي وأنا غير مقتنع تماماً بما يقول .. المرات التي شربت فيها النسكافية تجعلني قادراً على تمييز القليل من الكثير ..
_ " لما ييجي الجارسون قوله ".. يقول هو ليريحني
أهز رأسي رافضاً .. المنظر نفسه غير لطيف .. ما معنى أن أطلب أن يكون النسكافية كثيراً والرغوة قليلة .. سأكون سخيفاً فعلاً حينها .. أكرر رفضي حين يشير لي بإقتراب الجارسون .. فيجلس ولا يناديه
أكمل بقية الكوب وأنا أشعر أنه ناقص ..
أفكر في طلب واحد آخر .. لكني أحجم في آخر لحظة .. بالتأكيد سيكون الثاني على حال الأول وسأقضي الوقت في الغيظ من أن الرغوة أكثر من النسكافية نفسه ..
_ " يله نقوم ؟ "
أقول فجأة لأنني شعرت بإختناق من المكان فجأة .. وكان هو موشكاً أن يطلب شيئاً آخر ومتحفزاً لبدء نقاش جديد على ما يبدو .. إستغرب وقال :
_ " علطول كدا ؟! "
لا أنطق , وأنا أقوم من مكاني ..
أذهب لأدفع , ثم أنتظره خارج المكان .. أنظر في ساعتي .. الحادية عشر مساء والجو في منتهى البرودة الآن .. أحكم تعديل كوفيتي على رقبتي , وأنظر من خلال الزجاج لأراه يمازح الفتاة التي تقف أمام آلة النقود , أتحرك بضع خطوات , تمضي بضع دقائق أخرى ويخرج أخيراً
_ " الجو برد أوي .. إيه دا ؟! "
يلحظ شرودي , يقول :
_ " خير ؟ "
_ " أنا أنضحك عليا "
ينظر لي وهو غير قادر على تمييز إذا كنت أمزح أم لا ..
فجأة أقول لنفسي أنني سأكون سخيفاً فعلاً لو علقت على موضوع النسكافية هذا مرة أخرى .. أقرر أن أرسم إبتسامة على وجهي .. تخرج مكسورة .. لكنها إبتسامة على أي حال ..لا أعرف كيف فهمها هو , لكني لم أهتم بذلك .
أتحرك لأمشي , ويسرع هو خطوتين ليحاذيني .

الثلاثاء، 11 ديسمبر 2007

اطمئنان




وتر عود

.. يبدأ اليوم بداية جديرة بما سيحدث فيه حقاً
يوقظني منبة الهاتف للمرة الألف ربما .. بعد سهر الأمس الطويل سيصبح وقوفي حالة إعجازية ..
لم أستطع النوم ببساطة .. يبدو الأمر صعباً لكن أرباب الكوابيس من أمثالي يغدو هذا الأمر بالنسبة لهم كفترة راحة بين شوطين ..
لهذا قررت أن أقضي الليلة في القراءة .. أنبني ضميري للحظات .. إمتحاني يوم الثلاثاء ولا تبدو الأمور مبشرة بخير مطلقاً .. أو فلأقل أنها فعلاً ليست بخير ..
لكنني قررت أنها طالما "خسرانة خسرانة" فلأكسب أي شيء ..
( ن ) لسحر الموجي إذن هي البديل الطبيعي لكتاب الكيمياء الحيوية المقيت ..
والطبيعي أيضاً أن أظل حتى الرابعة والنصف صباحاً أقرأ , ثم أقرر في صحوة ضمير مفاجأة _بعد أن أنتهت الرواية_ أن أنام عشان "ورايا سكاشن بكرا يا عالم .. العلم مستني "
أنام لمدة ساعة تقريباً , ثم أستيقظ مرة أخرى لأصلي الفجر .. وأفكر أن رنة الموبايل عبقرية .. منذ فترة أضع رنات عبقرية على هاتفي .. وهو شيء غريب لأنني قمة الوسوسة والمرض النفسي في هذه الأمور ..
أعود للنوم بعد الصلاة ..
نعود الآن للنقطة الأصلية بعد وصف أحداث اليوم السابق ..
أنا .. يوقظني المنبة (رنته عبقرية هو الآخر بالمناسبة) بعد محاولات عدة .. أمسك الهاتف .. أنظر في شاشته .. امممم .. الساعة الآن التاسعة والنصف .. يعني أنا نمت .. لحظة .. يا نهار أسود
السكشن .. العلم .. الغياب يعني ..
فترة طويلة مرت علي وانا غير منتظم في سكاشني .. كنت قررت أن هذا الأسبوع هو بداية أسبوع التصحيح .. وأنني منذ هذا الأسبوع سأصبح طالباً مثالياً .. والبداية مبشرة فعلاً..
أرتدي ملابسي كيفما أتفق .. أخرج فأصدم قدمي بالباب .. تنفجر أصابعي من الألم .. المشكلة أنني كالأبلة أعود فأركل الباب من غيظي , وأعود لأتكوم مرة أخرى على الأرض , ثم لا أستطيع منع نفسي من الضحك ..
يستقبلني الشارع بعدها .. أحاول أن أفكر بطريقة إيجابية .. الحياة لم تنته يعني عندما أتأخر ..الحياة ممتعة .. وانا مستمتع جداً بحياتي .. حسناً .. الكذب حرام على ما يبدو
الحياة غبية .. وهي مصيبة لأني متأخر عن مواعيدي .. وأنا غير مستمتع على الإطلاق ..
كما أن الشعور بالذنب يخنقني ..
أتجاهل الأمر قليلاً .. وأشير للتاكسي المتهالك الذي ظهر
** ** ** **
محاضرة طويلة تُلقى على مسامعي عن أهمية العلم وأهمية إحترام المواعيد ..
يبدو أنني أصبح شيئاً فشيئاً قطعة من حجر .. لو كنت سمعت هذا الكلام منذ عام واحد لملأت الدنيا عويلاً .. لكنني أستمع الآن ثم أدخل ويكون أول سؤال يخطر على بالي : "خدتوا الغياب ولا لسه ؟ "
وأتنفس الصعداء حين أسمع الإجابة بالنفي
** ** ** **
بعد إنتهاء اليوم .. أكتشف أنني أضعته في الهواء .. كالعادة ..
أحب أحياناً أن أفكر في مشاعري على أنها عناصر بلهاء ..
حسناً
هناك بالطبع الغضب .. تأنيب الضمير .. شعور بالذنب .. شعور بعدم الجدوى .. إحساس أنني أريد أن أفعل كل شيء الآن وإلا فليذهب كل شيء إلى الجحيم .. عايز أكتب .. مش عايز أكتب كلمة .. إرهاق غريب ..شعور أنني أبلة لأنني أحلل مشاعري كوصفة طهي ..
أنه وقت مارسيل خليفة يا سادة

الاثنين، 3 ديسمبر 2007

زجاج من نعناع

قلت له وجهتي , هز رأسه دون أن ينظر لي حتى , فتحت الباب وجلست على المقعد المجاور له

كان الجو في منتهى البرودة تحديداً في هذا الوقت من العام , وتتزايد البرودة لحد لا يطاق في الصباح الباكر , الآن ..

لم ينظر لي حتى .. ظل يقود السيارة بلا أي تعبير , أو حتى تساؤل عن شارع , أو حتى يشكو من برودة جو , أو صعوبة عيش , أو أي شيء آخر يتحدث فيه سائقو الأجرة ..
فقط لم ينطق , وهو يريح رأسه على راحة يده اليسرى التي وضع كوعها على النافذة , التي أغلق زجاجها إلا من فراغ بسيط لاحظته من مكاني على الكرسي المجاور له .

لم ينطق , ولو أني لاحظت ملامح وجهه الممتعضة حين توقفت العربة بنا , بسبب توقف العربات التي أمامنا , فجأة ..

_ " على الصبح "
هازاً رأسه قالها .. خرج صوته بلا ملامح مميزة تعلق بالذهن ..

نظرت في ساعتي .. ثم أشحت النظر , لأنظر من النافذة المفتوحة جواري , والتي كانت تسرب قليلاً من الهواء البارد ..
ذكرتني البرودة , بالبرودة المحببة التي أشعر بها في فمي وأنا أمضغ علكة النعناع .. ابتسمت لطفولة أفكاري , وأنا أضع يدي في جيبي لأخرج العبوة الصغيرة ..

كنت قد اشتريتها قبل أن أركب بلحظات قليلة ,
أزحت الغلاف الورقي عنها , وفتحت غلافها الورقي المقوى .. ثم حركتها لأقربها من السابق الذي بدأ يغير من وضع جسمه , مستعداً للتحرك مرة أخرى , بعد أن تحركت السيارات من أمامنا ..

_ " شكراً "
قالها ببرود , ودون أي تغيير في نبرات صوته ولكني كررت عرضي " تفضل والله " وأنا أحرك العبوة عدة مرات ..

مد يدة لي بعد العرض الثان ِ , فحركت العبوة بقصد إخراج حبة أو أثنتين .. لكن ما حدث أن أربعة حبات خرجن من العبوة ليستقرّن في يده ..

نظر بدهشة للعدد الكبير نسبياً والذي لم يكن يتوقعه على ما يبدو .. ثم حرك هو يده وهو يقول : "لا .. كتير ",
فابتسمت أنا , وقلت له ضاحكاً أن هذا رزق لا يجب عليه أن يرده ..

قلت جملتي الأخيرة , وقد بدأت أشعر بالبرودة بسبب تسارع سرعة العربية , والهواء القارص البارد الذي بدأ يلفح جانب وجهي المواجة للشارع .

وضممت يديّ على صدري كمحاولة _لاجدوى منها_ لإتقاء البرودة التي جعلتني أرتجف , وأنا أنظر له وهو يضع ثلاث حبات في علبة صغيرة أمامه لمحت فيها أموالاً من فئات بسيطة ..

وضع الباقية في فمة وتلفت لي نصف إلتفاتة وهو يقول : "شكراً " , جاوبت شكره بهدوء وأنا أمضغ علكتي , ناظراً من الشباك المفتوح , وأستشعر نكهة النعناع في فمي , والتي شعرت أنها شملت العربة بأكملها ..

ثم نظرت له في دهشة , بعد أن إرتفع زجاج الشباك المفتوح جواري ليمنع عني الهواء البارد ..
نظرت له , وأنا ألمح يده اليسرى تستقر على زر ما , وبإستمرار ضغطه , يستمر إرتفاع الزجاج , حتى أغلق الشباك تماماً .

الخميس، 22 نوفمبر 2007

غير قابل للإصلاح

.. أخمن رقماً , ثم أكتبه على لوحة المفاتيح
يظهر تأثير الرقم مباشرة على الصورة المستكينة أمامي , والتي أحاول _وأنا أكاد أجن_ أن أعدل من حجمها ..
أهز رأسي .. ليس بعد .. المشكلة أنني أكره هذا الأمر .. أن أغرق لساعات في محاولات يائسة لكي تظل الصورة محتفظة بكل شيء أراه فيها , وألا يكون حجمها مبالغاً فيه , سواء بالنقص أو الزيادة ..
أخمن رقماً آخر .. وتتكرر النتيجة ..
أهز رأسي بقوة أكبر هذه المرة .. وأنا أدير الكرسي الذي أجلس عليه , لأواجه أخي الذي جلس , يتابع في هدوء التلفاز الذي يعرض شيئاً لم أتبينه تحديداً , ثم أسأله أن يذكر رقمين .. على شرط أن يكون كلاهما فوق المئتين ..
دون أن يسألني لماذا حتى .. يذكر الرقمين : 340 و 400
أدير كرسيّ مرة أخرى , وأكتب الرقمين , وأتأمل , في دهشة , النتيجة
"ممتاز "
أضحك من سخف الموقف وأنا أهز كتفي .. "ممتاز بجد "
حين أضغط زر التثبيت , تخرج علي نافذة جانبية , تسألني , هل أود أن أضيف الصورة المعدلة , محل تلك التي عُدلت ..
أضغط الإيجاب ..

أنسى الصورة بعض الوقت , أرشف من فنجان قهوتي في هدوء وأنا أقرأ شيئاً على الشاشة ..
أعود للصورة , وأتنبة في ذهول أنها لا تعجبني الآن ..

نعم .. لحظة .. لا ... انا لا أحب شكل هذه الصورة .. حجمها أكبر من اللازم .. ثم أن التفاصيل باهتة للغاية ..

أجعل الصورة تختفي من أمامي فوراً ,

وأبدأ , وأنا أنظر لقهوتي التي فقدت حرارتها , في محاولة يائسة , لتذكر أرقام الصورة القديمة التي لا أعرف حتى , هل هي بعد المائتين أم لا ..

الأربعاء، 21 نوفمبر 2007

( لا تكلمني .. شكراً.. ( قصة قصيرة

.. كانت الغرفة معتمة الإظلام بالكامل حين ضغطت زراً ما في هاتفي المحمول

للحظات ساد غرفتي الضوء الشاحب المنبعث من شاشة الهاتف .. أكره هذا الضوء كراهية التحريم ..
ولكنه في هذه اللحظة , والغرفة فقيرة لأي مصدر ضوء , بدا لي كأنه ألف شمس ..

بعين نصف مفتوحة , جلبت القائمة , اخترت اسماً بعينه .. ضغطت زر الاتصال .. ساد الصمت حتى قطعه صوت الفتاة التقليدي البارد , لتخبرني , بكل شماتة الدنيا , أن رصيدي قد توفي

زفرت بشدة .. ضغطت زر الخروج , وعادت النافذة صافية كما كانت , تنتظر أوامري ..

" كلمني .. شكراً " .. تمتمت بها وأنا أقرن قولي بالفعل .. ضغطت الأرقام الأولى , تلك التي أطلب بها رقم الخدمة , ويفترض الآن أن أضيف رقم الهاتف .. ومن ثم أنتظر أن يعطف , ويتصل ..

زفرت مرة أخرى ..

مررت بأصابعي بمنتهى الهدوء على الأرقام المضيئة , واحداً تلو الآخر .. دون أن أضغط أياً منهم .. وزفرت للمرة الثالثة ..

انطفأ النور المنبعت فجأة .. وجدت نفسي أندفع , بشعور يكاد يقارب الذعر , لأضغط أي زر تقع عليه يدي , فقط ليأتي النور مرة أخرى ..

عندما نظرت للأرقام والرموز , التي ظهرت لعيني , متراصة على هاتفي .. أدركت أنها نقصت واحداً .. وأدركت أني ضغطت زر مسح آخر رقم أُضيف ..

وضعت أصابعي , بإرادتي هذه المرة .. وأكملت مسح جميع الأرقام ..
عادت الشاشة لصفائها كما كانت في البداية ..

قلبت الهاتف ليسود الظلام .. وأغمضت عيني وأنا أتنهد في هدوء

الجمعة، 16 نوفمبر 2007

ليال ٍ صيفية



توت يفوت ولا حد يموت

"انت متأكد انه عادي يعني" _
_ " آة والله عادي .. عملناها كذا مرة
لم أتكلم وفكرت في الأمر قليلاً .. العرض مغر ٍللغاية ..
مغري لأسباب كثيرة .. أولاً أنا لم أذق التوت في حياتي تقريباً .. والفتى يصف طعمه وكأنه سيحمل لي أسرار الكون .. ثم أن هناك الخيال الذي يصور لي عملية إقتحام المدرسة وكأنها فتح عكا ..
كل هذه الترتيبات , ومسألة القفز من فوق السور , ويوم الجمعة , أي أنني سأستمتع بيومي جداً ..
ولكن السبب الحقيقي الذي جعلني لا أستطيع رفض العرض كان أبسط من هذا بكثير ..
في هذه الفترة.. الصف الثاني الإعدادي تقريباً .. كنت قد عدت من الخارج بعد أن قضيت عمري بالكامل خارج مصر تقريباً عدا عام أو أثنين .. كنت بلا أصدقاء على الأطلاق كما يمكن التخيل .. كل أصدقائي الذين كونتهم في الخارج ضاعوا ببساطة شديدة , ربما أبسط مما كنت أتخيل ..
لم يكن أمامي سبيل لرفض العرض إذن .
جاء هو , كان أسمه إيهاب تقريباً .. وعرض علي الأمر منذ البداية .. هناك شجرة توت في المدرسة , وأشار نحو شجرة عملاقة تحتل مكاناً مميزاً في فناء المدرسة . لم أكن أعرف الفرق بين شجر التوت وغيره , لكني بالطبع نظرت لها بإنبهار ..
شجرة التوت هذه لا يمكن لنا أن نحظى بثمارها لأننا لا يمكننا تسلقها الآن , وسط اليوم الدراسي , لأن المدرسين لن يسمحوا لنا بأي حال من الأحوال أن نفعل ذلك ..
ما الحل إذن ؟ ..
أن نأتي هنا , للمدرسة , يوم الجمعة صباحاً .. يمكننا بعد أن نتسلق سور المدرسة أن نملك المدرسة بما فيها .. ساعتها سنأخذ من شجرة التوت كما نشاء ,
_ "طول اليوم هناكل زي ما أحنا عايزين "
كل هذا كان يهمني فعلاً .. شجرة التوت , وأن نتسلق السور , كل هذه الأمور أعجبتني جداً .. لكن ما جعلني أفرح من داخلي حقاً هي صيغة الجمع التي كان يتحدث بها .. نحن .. جميعاً .. أي أنهم , أخيراً , بمعنى أو بآخر يعتبرونني منهم ..
أسعدني هذا فوق الوصف .. ولم أستطع أن أرفض على الإطلاق ..
_ " خلاص .. يوم الجمعة "
قلتها وانا أكاد أنفجر فرحاً .. سآكل التوت .. ومع أصدقائي الجدد ..
تذكرت وأنا أسير في طريق عودتي أنني لم أسأله عن الموعد .. ركضت نحوه مرة أخرى وسألته .. فكر قليلاً ثم قال :
_ " بعد الصلاة طبعاً "
هززت رأسي في تفهم ..
_ " خلاص .. يوم الجمعة "
** ** ** **
كيف كان لأمي أن ترفض وأنا أقص عليها ما سنفعل ؟!
حينما أعيد التفكير في الأمر , وأتأمل في إستغراب , موافقة أمي السريعة , وهي التي تقلق من تأخري لمدة نصف ساعة عن ميعادي الذي أقول أني عائد فيه , حينما أفكر في مسألة سرعة موافقتها , يزول إستغرابي تدريجياً حين أستعيد الحماس الرهيب الذي كنت أتحدث به عن شجرة التوت العملاقة ( دي كبيرة أوي يا ماما ) .. وعن أصدقائي ( دول كلهم قالوا لي تعالى معانا ) وعن التوت ( طعمة زي السكر .. والله قاللي كدا.. اللي لونها أحمر طعمها كدا .. اللي لونها أخضر طعمها حلو بس مش زي اللي لونها أحمر )
كيف كان لأمي أن ترفض بعد كل هذا ؟!
بعد كل هذا الحماس الذي أتحدث به , وأنا الذي كنت , كما تقول , لا أكاد أذكر لي صديقاً أو حتى شخصاً أعرفه في المدرسة
_ " طيب روح بس ما تتأخرش "
** ** ** **
حاملاً كيساً بلاستيكياً , قلت لأمي أني سأجلب فيه غنائمي , مصطحباً أخي الصغير معي .. ومتجهاً نحو مدرستي ..
_ " أنت تفضل تحت تستنى لحد ما أنزل لك .. أصلك مش هتعرف تطلع الشجرة .. خلاص ؟ "
يعترض أخي الصغير على هذه التفرقة العنصرية لكني أمارس سلطتي بإعتباري الأخ الأكبر ..
_ " خلاص "
يقول في النهاية ..
عندما يصمت أعود أنا فأقول :
_ " أصل الشجرة عالية أوي وأنت مش هتعرف تطلع "
يكرر هو صمته , فأضطر أن أقول في النهاية :
_ " طيب , هتطلع بس مش هتطلع لحد فوق خالص .. عشان بس ما تقعش .. "
_ " خلاص ماشي "
يقولها هذه المرة بلهجة رضا نوعاً ما .. أطمئن أنا .. الأمن مستتب
** ** ** **
لم أدرك الأمر إلا بعد مرور فترة لا بأس بها ..
كنت قد قفزت من فوق بوابة المدرسة المرتفعة نسبياً .. توقعت أني ما أن أدخل إلى فناء المدرسة سيتم إستقبالي كالأبطال , لكن الأمر لم يسر بهذا الشكل مطلقاً
_ " هما صحابك فين يا أحمد ؟ "
يقولها أخي الصغير , فلا أعرف ماذا أقول .. أقول له أنهم بعد قليل , من المؤكد , سيأتون ..
أقترح عليه أن نجلس على المقاعد الرخامية قليلاً ريثما يأتون .. يوافق بلا حماس ..
أستغل فترة الصمت الطويلة , لكي أشرح لأخي كيف قمت , في فناء اللعب الذي نجلس فيه , بتمرير الكرة مباشرة لصديقي الذي سددها بقوة شديدة في المرمى , ويستمع أخي بلا حماس شديد , بلا حماس على الإطلاق كتعبير أدق .
** ** ** **
_ " وهنقول لماما إيه ؟! "
يقول لي أخي مجيباً على طلبي الجاف الذي طلبته منه ..
_ " مش هتقول حاجة .. هنقولها أننا كلنا كل التوت في المدرسة مع صحابنا "
يطأطأ أخي رأسه وهو لا يفهم سبب لهجتي الحادة , يسير معي بلا أي كلمة ..
كنت قد طلبت منه بلهجة في غاية الحدة أن يخرس تماماً عندما نصل للبيت , وألا يذكر كلمة لأمي عن عودتنا خائبين وأننا لم نقابل أحداً منهم , ولم أحاول أصلاً أن ألمس الشجرة , رغم أنه طلب مني أن نفعل , طالما لم يأت أحد .
** ** ** **
تسألني أمي عما فعلته في المدرسة , وهي تلاحظ أن حماسي قد خبا ..
أتماسك في البداية , أحدثها عن طعم التوت الجميل , وعن أننا لعبنا , وعن صديقي الذي كاد أن يسقط ,
ثم بلا أي مقدمات , أنفجر في البكاء , ولا أذكر إلا ثلاث كلمات لا غير :
_ " التوت .. صحابي .. الشجرة "
تحاول أمي أن تفهم السبب , تسأل أخي الذي يصمت في رعب وهو يراني أنهار بالمعنى الحرفي .. تحاول أمي أن تفهم أي سبب من أي نوع .. تكتفي في النهاية بالتربيت عليّ بلا كلام ..
وسط بكائي المستعر , أدخل يدي في جيبي , وأخرجها وهي تحمل الكيس الخالي ..

الجمعة، 9 نوفمبر 2007

مجـفـفّ .. قصة قصيرة

.. قررت أختي أنها لا تريد الحليب المجفف , وأنا أعد لها الكاكاو البارد
كنت في تلك اللحظات مرتدياً ملابسي , أنظر كل دقيقة في ساعتي ..
لدي من الوقت ما يكفيني فقط لأكل شيء بسرعة , وشرب شاي ساخن , وإلا فمواعيد جامعتي مهددة بعدم وصولي إليها ..

عبثاً حاولت إقناعها بأن لا فرق بين الحليب المجفف والمعلب . كلاهما الشيء ذاته .. لكنها أصرت , ثم أظهرت تعبيراً طفولياً يظهر امتعاضها مني , فلم أستطع أن أخيب أملها بهذه القسوة , وبدأت أعد لها ما تريد , على التوازي مع ما سأشرب أنا .

حين أنهيت صب الماء الساخن في كوبي .. تركته دون تقليب واتجهت لعبوة الحليب المحفوظ ..

صببت بعض محتوياتها في الكوب البلاستيكي الصغير الذي يجاور كوبي , والذي عدت له مرة أخرى وأخذت في تقليب محتوياته التي يتخللها البخار الساخن ويتصاعد منها في ذات الوقت .
وفعلت المثل مع كوبها الصغير .

واكتشفت اني أكره الحليب المجفف ..

توصلت لذلك من مجرد المقارنة فقط بين كوبي الذي أختلط فيه الشاي بالحليب المجفف , وبين كوب أختي الصغيرة ذي الحليب الطبيعي , حتى لو كان معلباً ..

نظرت لكوبي الذي تجمعت على سطحه تكتلات من الحليب لم تذب تماماًَ , ولم تفارق جفافها رغم محاولاتي المستمرة أن أغمرها بالمياه الساخنة ,
وغالباً لن تذوب , بل ستبقى لتترسب في القاع , وتثير الاشمئزاز بمنظرها ..

وابتسمت بلا شعور معين , وأنا أنظر لكوب أختي ذي السطح العاكس , والذي كان يحمل , في تلك اللحظة , منتهى الصفاء .

الأربعاء، 31 أكتوبر 2007

يا ولاد بلدنا يوم الخميس

.. مسرحية تليفونية من مشهد واحد
** ** ** **
الشخصيات :
أبو صلاح : فتى مهذب في السنة السادسة من كلية الطب , وهو الآن فترة الإمتحانات المقيتة ..
أحمد : أنا يعني
** ** ** **
أبو صلاح : ألو ..
أحمد : ألو .. أزيك يا أبو صلاح .. أنا أحمد
أبو صلاح : أزيك يا بني عامل ايه ؟
أحمد : تمام الحمد لله .. ها .. عملت إيه في إمتحان النهاردة ؟
أبو صلاح : إمتحان إيه ؟!
أحمد : أنت مكنش عندك إمتحان النهاردة ؟
أبو صلاح : إمتحان إيه يا جدع انت بس ؟!
أحمد : إمتحان آخر السنة بتاعكوا دا ..
أبو صلاح : إمتحاني يوم الخميس يا فالح
أحمد : امممممممم .. أنا كدا منظري وحش أوي ..
أبو صلاح : تقريباً
أحمد : طيب مش مشكلة يعني .. عملت ايه بقا في إمتحان الخميس الجاي ؟!
يضحك أبو صلاح , ويفرح أحمد
** ** ** **
أحمد : أنا بدعيلك على فكرة يا أبو صلاح
أبو صلاح : ما هو دا اللي جايبني ورا
يضحك أحمد , وأعتقد أن أبو صلاح يفرح
** ** ** **
أحمد : سلام يا عمي
أبو صلاح : سلام يا أبو حميد
** ** ** **
ستار
** ** ** **
ملحوظة لا علاقة لها بالمسرحية :ربنا معاك
ملحوظة ثانية لا علاقة لها بالمسرحية ولا بالملحوظة السابقة : العنوان من أغنية شعبية غبية يكرهها أبو صلاح :)

الثلاثاء، 30 أكتوبر 2007

أخضر .. قصة قصيرة

.. توقف الميكروباص على بعد أمتار عني
تزاحم الناس , الذين كانوا حولي , على الركوب وبقيت أنا واقفاً .. أنظر لهم وأنتظر فرصة أخرى .. هذا الوضع غير بشري أصلاً

التقت نظراتي فجأة مع نظرات المنادي , الذي كان واقفاً بالكاد ممسكاً بالحاجز المعدني الأفقي , على ما يبدو
_ " يلّه يا أستاذ "
ماذا ؟! .. لا يوجد مكان يسمح لي حتى بالوقوف .. نظرت للناس الذين خرجت أجسادهم خارج الميكروباص وكل منهم يجاهد ليمسك شيئاً ما ..
نظرت لكل هؤلاء وتحركت مقترباً لكي أقول أنني لا أستطيع أبداً الركوب بهذا الشكل ,
تحركت نحوه فمد لي يده وقال بلهفة :
_ " بسرعة بس عشان العسكري "

لا لا .. لا أعني أنني أريد الركوب .. لا أريد التعلق للدقة .. لا يمكنني حتى لو أردت .. لا يمكن ..

كل هذا دار برأسي في لحظات , وهو يمسك يدي , ويجذبني نحوه , ويطلب مني أن أثبت قدمي حتى لا أسقط ..

شاعراً بالذهول , حاملاً حقيبتي على كتفي , وقفت .. تثبت كتعبير أدق .

جسدي الآن بالكامل في الفراغ , وما يمنعني من السقوط الآن وتهشيم عظامي , بحساب سرعة العربة التي تسارعت بشكل مخيف , أن لدي أربعة أطراف .. قدمان أضعها على الأرض محاولاً عدم تحريكهما مطلقاً , ويدان تمسكان الشبكة المعدنية العلوية ,

كنت أنا في الوسط .. على يميني كان المنادي يشرب الشاي في هدوء , دون أي شعور بغرابة ما يفعل , وعلى الناحية الأخرى كان أحد طلاب الثانوية العامة , كما خمنت من ملابسه ومن عناوين الكتب الصغيرة التي يحملها , يضحك هو وأصدقائه الذين يجلسون في الداخل , وهو يبدو عليه الاستمتاع الشديد بوضعه .

بدأت _ لدهشتي _ في الاعتياد على وضعي , بل وبدأت أتأمل الشوارع عبر عينين , أغلقت نصفهما , اتقاء للهواء الذي يهاجمنا كما نهاجمه بسرعة عربتنا العالية .

_ " أنت أول مرة تركب ولا إيه ؟! "
مازال ممسكاً بكوب الشاي في يده اليمنى , وباليد اليسرى يمسك بالحاجز الرأسي بجوار الباب , بلا إهتمام حقيقي , يسألني .

_ " لا.. ركبت كتير "
_ " أمال مالك قلقان يعني ؟! "
_ " قلقان إزاي يعني ؟ "

إزاء لهجتي الحادة نوعاً صمت .. هز رأسه وعاد للشاي مرة أخرى ..

أستمر الوضع كما هو للحظات ..

من النافذة عرضت علي سيدة جالسة فجأة أن تحمل حقيبتي عني , حتى أستطيع _ أنا حبة عينها _ أن أقف .

شكرتها بإمتنان وقلت لها أن الوضع لا يستدعي هذا ..

_ " مش بقولك قلقان "
علق هو على الوضع .. لم أستطع الإنكار هذه المرة .. قلت له أن هذه هي أول مرة أركب فيها بهذه الطريقة .. ضحك وقال :
_ " لازم يبقا فيه أول مرة "

عندما تخرج حكمة تعرفها أنت كاسمك بهذه العفوية يصبح الأمر غير قابل للوصف أصلاً .. "ربنا يسهل "
قلتها في هدوء ..
ادار جسده بالكامل ليواجهني ومد يده بكوب الشاي :
_ " اتفضل "
_ " تسلم "
وضحكت وأنا أكمل :
_ " هشرب إزاي بس وأنا كدا "
ترك يده الأخرى الممسكة بالحاجز ثم أستند بظهره على مكان الباب وقال :
_ " ما انا بشرب أهو يا عم .. امسك بس .. "
_ " امسك ايه ؟ " .. بذهول نظرت له .. انه يتحدث جدياً على ما يبدو .
_ " سيب إيدك اليمين .. ايوا كدا .. انت ماسك بالشمال .. دا كفاية اوي لعلمك .. امسك بقا كباية الشاي .. امسكها من فوق .. تمام .. حاسب فيه مطب .. اعلى بالكباية لما المطب ييجي .. فل عليك .. شوف بقا الشاي عامل إزاي "
رشفت منه رشفة وعيني على الطريق .. ابتسمت ثم قلت له :
_ " مش ناقص سكر ؟! "
_ " ناقص سكر "
أجابني بسرعة ..
لم أسأله لماذا .. نظرت لملامح الطريق المألوفة , والتي تعلمني بقرب وصولي ثم قلت :
_ " أنا نازل كمان محطة "
هز رأسه وهو يبتعد عني قليلاً .. ليضع كوب الشاي الخالي بعدما قضى عليه , بجوار الباب ..
_ " مبيقعش إزاي دا ؟ "
سألته بإستغراب حقيقي ,
_ " لما بنحوّد ناحيته بسنده برجلي "

لم أستطع الرد على جملته الأخيرة لأن حقيبتي الطائرة بفعل الهواء وبفعل الانحناءات المستمرة , اصطدمت بسيدة تسير في الشارع تحمل أكياساً شفافة ظهر الخضار منها والفاكهة ..

_ " آسف والله معلش "
صحت بها .. لاحظت أنها غاضبة فعلاً لكنها هزت رأسها ورسمت إبتسامة ظهر منها تقبلها للوضع ..

_ " بتحصل ولا يهمك "
قال بسرعة فهززت رأسي ..

_ " ربنا يكون في عونّا "
قال فسألته :
_ " مين ؟ "
_ " كلنا "

لم أرد ربما لأني أنشغلت بمتابعة الطريق , وإقتراب مكان نزولي

_ " هنا يا ريس "

توقف الميكروباص بالفعل , ولكن ليس لي هذه المرة , توقف بسبب الزحام المفاجئ في هذا المكان ..
نزل المنادي أمامي , وهو يحرك قدميه اللذين تيبسا من كثرة الوقوف .. تحركت أنا قليلاً لأشغل مكانه ثم أنزل .

صوت التهشم طرق أذني قبل أن أنزل تماماً من العربة ..
نظرت بسرعة لألمح كوب الشاي مهشماً على الأرض , مختلطاً ببقايا الشاي الصلب منها والسائل ..
ونظرت بعدها بسرعة للوجه الذي توقعت أنه سينفجر في ..

وجدته ينظر للكوب كفعل طبيعي للصوت , ثم نظر لي , وضحك !
_ " مش بقولك قلقان "

انفكت عقدة لساني , قلت :
_ " آسف والله أنا ..

قاطعني :
_ " يا عم على ايه .. الواد سعيد دا ربنا بيربيه بس ..
يا جدع دا بيحاسب على الشاي بسكر والشاي من غير سكر "
قال جملته المختلطة بضحكاته العالية وأنا أنظر له في ذهول لا أعرف كيف أتحدث

_ " أنا بجد آسف .. انا ممكن أدفع ثمن الكبا..
قاطعني مرة أخرى :
_ " يا عم ما قلنا خلاص بقا .. وانا هتلكك لسعيد بقا عشان اتخانق معاه .. ويبقا يفتح بقه .. هطلع عليه كل قرف الشاي اللي من غير سكر اللي عمال يسم بدنا بيه "

ضحكت أنا هذه المرة ..

بدأ الميكروباص في الحركة مرة أخرى .. تحرك هو بسرعة ليتعلق مرة أخرى , بجوار طالب الثانوي ذي الضحكات المميزة , ثم نظر لي وقال :
_ " طريقك أخضر يا باشا "

نظرت له , ثم قلت :
_ " طريقك أخضر "

وتذكرت فأضفت بسرعة ليسمعني وهو يبتعد بسبب سرعة الميكروباص التي تزايدت فجأة :
_ " و بسكر "

الخميس، 18 أكتوبر 2007

.. تِـنِـس حواري

ليه مش عايز تقول ؟ -

- مين قال إني مش عايز أقول ؟

- انتا خايف مني..

- أنا مش خايف منك..

- انتا خايف مني..

- أنا مش خايف منك..

- انتا خايف من زعلي..

- أنا خايف من زعلك..

- هو أنا بعضّ أوي كدة يعني ؟

- يعني.. زعلك بيعضّ كدة.. أوي
** ** ** **
هذه ليست لي :)
ما ترونه بالأعلى هو رؤية العزيزة جيرالدين / داليا إيهاب يونس للقصة القصيرة جداً التي قام كل منا بمعالجتها بطريقته .
وذلك إثر فكرة مجنونة طرأت فجأة ..
جزئي تجدونه عندها هنا

.. تِـنِـس حواري

ليه مش عايز تقول ؟ -

- مين قال إني مش عايز أقول ؟

- انتا خايف مني..

- أنا مش خايف منك..

- انتا خايف مني..

- أنا مش خايف منك..

- انتا خايف من زعلي..

- أنا خايف من زعلك..

- هو أنا بعضّ أوي كدة يعني ؟

- يعني.. زعلك بيعضّ كدة.. أوي
** ** ** **
هذه ليست لي :)
ما ترونه بالأعلى هو رؤية العزيزة جيرالدين / داليا إيهاب يونس للقصة القصيرة جداً التي قام كل منا بمعالجتها بطريقته .
وذلك إثر فكرة مجنونة طرأت فجأة ..
جزئي تجدونه عندها هنا

السبت، 13 أكتوبر 2007

.. رمضاني

.. غالباًَ يكون يوم الأربعاء طويلاً
سأحكي يوماً عن كيف أرى الأيام لكن هذا ليس موضوعنا الآن ..
المهم أنه كان يوماً طويلاً
انتهت محاضراتي وأتخذت طريقي ذاهباً للسايبر .. كان الطقس حاراً هذا اليوم , كنت فعلاً سأسقط من نقص المياة في جسمي حين قررت أن أغير طريق سيري اليوم ..
لم أمض في الطريق إلا ثلاث دقائق .. حتى وجدت الفتى .
الفتى هو أحد أصدقائي المقربين من السنة السادسة ..ولإعتبار رؤيته (حدثاً ) سبب مهم :
السنة السادسة في الكلية حالياً يتم طحنهم وتفتيتهم وممارسة كل أنواع التعذيب عليهم عقاباً لهم على ما يبدو على الفترة الطويلة التي قضوها تحت الشمس لا يفعلون شيئاً إلا أثارة غيظنا _نحن الفرافير_ بكم النشاطات المخيف الذي يقومون بها , من رحلات , معارض , تهريج , قلب راوندات , وكل ما يجعل الـ"فرافير" يشكون في وجود كلمة العدالة في الكون
المهم أننا أقتنعنا الآن بمبدأ العدالة ونحن نراهم يمسكون الكتب كما كنا نفعل نحن ويسألون بعضهم : "هي المحاضرة في أي مدرج "
كل هذا يغري حقاً أن أستمتع مع الفتى بكم ذل سيكفيني لمدة ثلاث سنوات من الآن .. لكني لم أفعل ..
قابلني بهدوء _وهو أبعد ما يكون عن ذلك_ وسلم علي ..
" أزيك يا أحمد ؟ "
"تمام .. أزيك أنت "
هز رأسه ..
" أنت رايح فين ؟"
سألني ..
" ماشي بقا .. انت رايح الجامعة "
"اه .. تيجي معايا ؟ "
قررت أن الوقت لازال معي , وأنني فعلاً مفتقد الحديث معه ..
مشينا قليلاً لأجده قد بدأ في الغناء ..
"ف كل حي ولد عترة ..
و صبية حنان
وكلنا جيرة وعشرة وأهل وخلان "
ملحوظة مهمة .. الفتى يملك صوتاً في غاية الجمال , وهو _على حد تعبيره_ لو لم يغن فلا أحد يستحق الغناء في هذا العالم .. دعك من هذا الغرور اللذيذ لكنه فعلاً يملك صوتاً بديعاً ..
" ماتغني أنت ساكت ليه ؟ "
يقول ..
" بسمعك "
" غني ياض "
أخي الكبير حين يقول لي "ياض" أتقبل الأمر , وأغني رغم صوتي الذي لا يملك أي مقومات جمال من أي نوع :
" زمانه ماشي بخطوة يضم
زمانها كبرت وبقت أم ..
زمان ضناهم في المدرسة كنز الأوطان "
يصمت هو فجأة ثم يقول : " همممممم" ..أفهم أنه يبحث عن أغنية أخرى .. لا إعجاباً بصوتي لا سمح الله طبعاً ..
" علي عليوة .. يالي .. ضرب الزميرة .. يالي .. وضربها حربـ.. لا مش حلوة "
قرر هو أن يغني شيئاً آخر :
" بعد ما أدا وبعد ما خد ..
بعد ما هد وبنا وأحتد
شد لحاف الشتا من البرد
بعد ما لف وبعد ما دار .. أنت ما بتغنيش ليه ؟ "
كنت أنا متوقفاً عن الكلام .. عن السير .. فقط أنظر له بذهول ..
"ايه يابني فيه ايه ؟ "
أحرك رأسي وأنا لا أصدق ما أنا فيه ..
" هي دي الأغنية بتاعه حط الدبلة وحط الساعة .. "
بدلاً من أن يجيب يغني وهو يبتسم ..
" حط سجايرة والولاعة .. علق حلمه على الشماعة .. الي قضى العمر هزار .. والي قضي العمر بجـ .. "
" يا نهار مش معدي " .. أكاد أصرخ وأنا أقول .. أكاد فعلاً أصرخ ..
أقول وأنا لا أعرف كيف يخرج مني الكلام .. فقط كلام متناثر لا معنى له إلا جملة واحدة :
" يخربيتك أنا بدور على الأغنية دي بقالي 5 سنين إن مكنش أكتر "
ينظر لي بذهول :
" إزاي يعني "
يبدأ كلامي في الهدوء :
" والله العظيم .. مسبتش مكان على النت محمد منير ليه اغاني فيه إلا ودورت على الأغنية دي .. مسبتش بجد .. "
هذه الأغنية رأيتها .. سمعتها .. اصطدمت بها.. لا أعرف تحديداً .. المهم أنها صادفتني مثلاً وعندي 14 سنة أو شيء من هذا القبيل .. رأيتها عندما كنت في الخارج مرة واحدة .. وظلت على بالي لكل هذه الفترة .. تحديداً جزء : " علق حلمه على الشماعة "
الذي همت به حباً .. لا أعرف لماذا لم أستطع الوصول إليها .. ولا أعرف كيف أصف شعوري حين وجدتها تأتي هي إلي بهذه البساطة الخرافية .. صديقي يدندنها ..
لن أصف _لدواعي إحراجية بحته_ تصرفاتي الطفولية في وسط الشارع فرحاً أني وجدت الأغنية ونظرات الفتى المُحرجة التي يحاول أن يقول فيها للناس : " أنا معرفهوش والله .. هو الي شبط فيا " ..
فقط سأقول أنني أحسست به سعيداً .. سعيداً لأنه أسعدني .. وكنتيجة لذلك : سعدت أنا لأنه سعيد بإسعاده لي ( طبق طبقنا في طبق طبقكوا)
حين ودعته وسرت في الطريق مرة أخرى كنت أضحك .. أضحك بطريقة غريبة فعلاً وأنا أغني :
" اللي قضى العمر هزار .. واللي قضى العمر بجد .. شد لحاف الشتا م البرد "
لأسباب كهذه كان رمضاني مميزاً .. أشياء كثيرة وجدتها بعد أن كانت مجرد تهاويم في رأسي , تصبح حقيقة مرئية بنفس واقعية الأغنية ..
** ** ** **
الصوفية ..
لن أتحدث عن المذهب , وأنا لست صوفياً بالمناسبة , فقط سأتحدث عن كوني أتحدث ليلاً في مكالمة تليفونية عن الصوفية وجملة محمود درويش : " فإن البصيرة نور يؤدي إلى عدم أو جنون " وعن كوني في وقتها أكتب قصة قصيرة (أسميتها فيما بعد بصيرة ) وأستيقظ بعدها لأجد أن العدد القادم من جريدة أخبار الأدب سيكون عن لمولانا جلال الدين الرومي
التهاويم التي أراها الآن أمامي بنفس صدق الورقة والقلم
** ** ** **
عن كوني في الصباح .. أقرر أن أبدأ قراءة (سفر البنيان ) لجمال الغيطاني مرة أخرى.. وأكتب جملة (لتمام الظهور لابد من غياب) في دفتري الأثير ..
لأركب مع سائق تاكسي يقوم بتحضير رسالة في شيء ما و (نجيب محفوظ نموذجاً) وليشكو لي بصدق غريب ما يعانيه من ضيق الوقت , فأقول له جملة الغيطاني .. وأشبهها له بمبدأ البذرة التي لابد لها من غياب طويل حتى تظهر على حقيقها .. كما يُراد لها
ليصمت هو ويشكرني .. ويرفض أخذ قرش مني بعد التوصيل ..
تهاويم تصبح واقعية بنفس روعة السخاء
** ** ** **
سايبري الأثير إلى نفسي يغلق أبوابه قبل الإفطار .. يبدأ الترحيل الجماعي لنا معشر المقاطيع الذين يجلسون حتى الخامسة بلا أي مشاكل .. بإعتبار أن الأكل على الله ..
ولأشبه أنا في داخلي ما يحدث لنا بذئاب الجبل .. تحديداً أغنية الحجار البديعة في هذا المسلسل : (جالو علينا ديابا وأحنا يا ناس غلابة .. يا مغنواتي غني حكايتنا ع الربابة )
في يوم قلتها لصديقي مدير السايبر , ليغرق في نوبة ضحك .. وأجده يشكرني .. يشكرني فقط لأنه ضحك ..
تهاويم تصبح الآن , واقعية قدر فطرية إنفعال الضحك ..
** ** ** **
أنتهى رمضان .. وأنا سعيد
لو أننا شبهنا الأمر بموضوع (قبل) و (بعد) كما يفعلون في جراحات التجميل .. سيكون واضحاً جداً ما طرأ علي من تغيير ..
أنا تغيرت حقاً .. وتغييري الذي كنت أعتبره مستحيلاً في الواقع أصبح واقعاً .. كـ .. كـ .. كالواقع ..
** ** ** **
شكراً .. :)

الخميس، 27 سبتمبر 2007

Nostalgia

.. حنين غير مبرر لأشياء غير مفهومة
لعالم لا تعرف حتى أين يمكن أن يكون .. كل ما تعرفه أنك تنتمي هناك لا هنا .. كل ما تؤمن به أنك أصلاً من هناك , لكن لشيء لا تعرفه أنت .. أصبحت هنا ..
ربما يظهر هذا في بضعة أشياء من هناك .. من أناس يأتون كل حين وحين لك ليقولوا لك أنك هناك معهم تنتمي أصلاً , لكنك لابد أن تظل هنا .. ربما لكي تظل تحس بهم ..
لكنك تراهم ..
ربما تسمع (فيروز) وهي تتلاعب بصوتها , تفهم ساعتها الرسالة التي تود أن توصلها لك , لكنك لا تقول .. سرك الذي تحتفظ به في قلبك , ربما حتى لو حاولت أن تشرحه لن تفلح ..
ربما تراها في آهة من آهات (كاظم الساهر) ! .. تفهم الرسالة فوراً .. تعرف ماذا يقول .. تعرف ماذا يقصد .. لكنك لا تستطيع حتى ان تصف هذا لنفسك .. تعرف .. ربما المشكلة هي انك تعرف .
وتعرف أن المسألة ليست بهذه البساطة .. وليست بهذه السهولة .. قط مراوغ .. حينما تتحدث معه تشعر وكأنه يسمعك , ويفهمك .. فقط حاول أن تلفت أنظار الآخرين له .. ساعتها سيبدو كأغبى قطط الدنيا أمامهم .. وربما ينظر لك نظرة عتاب بعد أن يديروا ظهورهم بلحظات ..
قلت لها يوماً أن عود (مارسيل خليفة) يقتلك من الداخل , لم تتركك ساعتها أن تكمل كلامك .. فقط قالت لك لا تتحدث عنه , لا تفسد جماله .. ربما كانت هذه البداية .. لكن النهاية لم تترك لك فرصة للتفكير في كلمة (ربما)
جويدة .. محفوظ .. المخزنجي .. نزار .. تعبيرات الحجار .. موسيقى خيرت .. حتى صراخ linkin park الجنوني ..
حتى ضغطات محمد منير على حروفه .. كلها ذات الشيء .. كلها نفس الصورة .. فقط أزل الزخارف التي تحيط بكل منهم .. أحفر بأظافرك وحاول أن تصل للأصل .. ستجده شيئاً واحد .. ستجد علامة بسيطة تقول انه من هناك
كلهم يحدثونك .. كلهم يطلبون منك الصبر , وأنت كالطفل الذي يعرف أن الملاهي على بعد شارع من منزله , لكن الجميع يتصرفون وكأن عيونهم عميت عن الإدراك .. تكاد تصرخ في جنون , لكن وجهاً ما يظهر لك .. يضع سبابته أمام فمه المضموم .. ويطلب الصمت منك .. يطلبه لا بأمر جاف .. لكن و كأنه رجاء يعرف صاحبه أنك قادر على أداءه ..
تنتظر ..
في هدوء تنتظر ..
تنتظر و أنت تعي تماماً أن لا جدوى من الإنتظار .. أنت هنا الآن .. ولن يتغير الوضع ..
تستسلم في هدوء .. ومازال أقرباءك هناك يناوشونك كل حين وحين .. وتعرف أنهم يحبونك , كما تحبهم ..
فتنتظر في سكينة , و على وجهك بسمة تحمل كل المعاني .
لكن المعنى المؤكد .. أن في قلبك حنين غير مبرر , لأشياء غير مفهومة ..

الأحد، 23 سبتمبر 2007

الثلاثاء، 18 سبتمبر 2007

مكان خالي


سأتحدث بصراحة كاملة معك يا عم فؤاد ..
بصراحة أنا لم أكن أتابع برنامجك في الفترة الأخيرة ..
نعم .. الفترة التي سبقت وفاتك ..
لم أتابع ولا حلقة تقريباً .. جذنبي والله بكار وهذا التخلف العقلي , وشعرت أن رشيدة ربما تفوق مسلسلك, ثم جذبتني البرامج الحوارية التي لا تضيف شيئاً ولا تفعل في مشاعري أي شيء .. لكني أشاهدها .. وتدريجياً بدأت أنسى أنني يجب علي الإستعداد قبل مجيء عمو فؤاد وتحضير المكان , وتغيير المحطة على القتاة التي ستذاع أنت من خلالها .. قلب المحطة هذا بالذات كان يتم قبلها بساعتين تقريباً .. بجد والله .. ساعتين تقريباً والكل كان يحاول أن يفهمني بهدوء_ثم بعلو صوت_ أن المسلسل لازال أمامه وقت طويل جداً للعرض .
ولكن لابد أن أعترف أنك كنت هنا ..
نعم أنا لا أشاهدك لكني أعرف أنك موجود .. وأعرف أنني في أي لحظة سأغير فيها المحطة سأجدك أمامي .. ربما سأبتسم فقط , وأغير القناة سريعاً لكنك كنت هنا ..
رغم أنني الآن أشاهد أشياء ربما متطورة للغاية .. من كان يصدق أننا سنفعل شيئاً مثل (سوبر هنيدي ) وهو التطور الطبيعي لبكار الذي راح غير مأسوف عليه .. إلا أنك فجأة اليوم أقتحمت خيالي .. بضحتك الخلابة .. وبحركاتك الثقيلة _بسبب السن_ التي كنت تبدو خلالها وكأنك عصفور سيحلق فقط لو أصر على ذلك .. أقتحمت خيالي مع فتيات البالية الاتي كن يظهرن خلفك وأنت تغني الأغنية التي كنت أصفق كالمجنون معها .. وأنا سعيد .. سعيد ..
عارف ..
والله انت وحشتني .. رغم اني لم أكن أشاهدك في الفترة الأخيرة , لكني كنت أعرف أنك موجود .. وأن أختي الصغيرة لابد أنها ستتشاجر معي بعد قليل لأنها تود أن تشاهدك قبل ساعتين من بدء الحلقة .

الأحد، 16 سبتمبر 2007

عن الناس الذين يصرخون



أختلف معها كما شئت .. أنظر لها بإحتقار , أبتعد عن القنوات التي تعرض كليباتها العارية .. بالطبع يمكنك مشاهدتها في السر ولكنك في الصباح لابد أن تلعنها مع أذكار الصباح .. لابد أن تتهمها بإفساد شباب الأمة , وأنها سبب الإنحلال الغربي ..و أي شيء آخر

** ** ** ** **

بريتني قامت بحلاقة شعرها , فخر أنوثتها كما كانت تسميه بعد تعرضها للعديد من النكبات المتتالية .. طلاق .. أمومة مبكرة .. إكتشاف أن هوليوود صنم لا يرضى إلا بالمزيد من القرابين ..

بريتني أكتشفت أن الأمومة ليست مثلما كانت تتصور .. أكتشفت أن المسئولية هذه المرة من لحم ودم وليست مجرد لقطة في فيديو كليب ستعيدها كلما أدتها بطريقة غير صحيحة

عندما رأيت صورتها حين قامت بحلق شعرها لم أستطع منع شعور الإشفاق القوي الذي إجتاحني .. ربما لأني أفهم لماذا يفعل شخص ما كل هذا ليقول للعالم أنظروا لي .. أنا مسخ ..

المرض النفسي يتخذ صوراً عديدة من أشهرها العبث بالمظهر الخارجي .. لهذا حين رأيتها لم أشعر كما كان يقول الجميع بأن هذا هو إنتقام الله منها .. شعرت أن هذا نوع من السخف بصراحة .. أن أفسر كل شيء على أساس رغبة الله كما أفهمها أنا .. ولكن لحظة .. من أنا أصلاً لكي أقول أن الله فعل كذا لغرض كذا .. الأمر يخرج عن حدودي تماماً

كنت أنوي أن أقول شيئاً عن هوليود وتحطيمها لنجومها لكني شعرت أن الأمر سيكون إعادة لنظرية المؤامرة, حتى قرأت حواراً مع (كاني ويست) علق فيه على ما حدث لبريتني من فترة قصيرة ..

الحكاية من البداية ان بريتني ظهرت في حفلة وكانت في حالة مزرية حقاً .. بإختصار .. كانت نكتة الحفل بالمعنى الحرفي ..في اليوم التالي وكالعادة خرجت كل الصحف والبرامج التلفزيونية ليسخلوا بريتني ويتهموها بعدم الجدية , ولكن كاني وست هو الوحيد الذي وقف وقال أن قناة إم تي في (الشركة الراعية للحفل) حضرت بروفات بريتني وأدركوا جيداً عدم قدرتها على أداء الحفل ..

لكنهم أستغلوا الأمر بصور أقل ما توصف به أنها حقيرة .. جعلوا الناس يشاهدونها .. بالمعنى الحرفي هذه المرة

** ** ** **
لا أحب أغاني بريتني سبيرز .. مطلقاً .. ولا أحب الطريقة التي تغني بها , في الواقع أنا كنت لا أطيقها بأي شكل .. غناء .. أسلوب .. أي شيء كان يخصها كنت أتجاهله أو أمتعض منه

لكني الآن أشعر أني أفهمها نوعاً , وأعرف لماذا تفعل كل هذا ..

أعرف معنى أن تشعر بحاجة للصراخ , لا لشيء .. فقط للصراخ .

الجمعة، 14 سبتمبر 2007

لا

.. لا أعرف ما الذي جعل ناجي العلي لا يفارق اليوم ذهني
ولا أعرف لمَ لمْ يغب عني حوار مع أحد أصدقائي الفاسطينيين .. كنت في تلك الفترة خارج مصر وتعرفت عليه .. عهدته دوماً صاخباً .. غاضباً من مصر على الدوام .. كارهاً للدول العربية بأجمعها .. توقعت له يوماً إذا أستمر على ذات الطريق أن يُغتال .. عندها أبتسم وقال لي أصدق (طز) سمعتها في حياتي
صديقي هذا كان يجن كلما سافر لسبب بسيط أنه يضطر للسفر عن طريق وثيقة سفر أردنية وهو يكره الأردن ..
ما علاقة هذا بناجي العلي ..والمهم ما علاقة هذا برمضان ؟ .. والأهم : لماذا يلح علي ناجي العلي بهذا الشكل اليوم بالذات ؟
أنا أعتدت نوعاً على عدم منطقية أفكاري .. وأعتدت أن تذكرني أحداث بأشياء لا ترتبط مع هذه الأحداث بأي شيء .. لكني دوماً ألاحظ خيطاً خفياً يربط بين هذه الأشياء .. ربما لا أعرفه أنا أصلاً لكني أحسه , وأعرف يقيناً أنه موجود .
صديقي الفلسطيني لم يصم رمضان أبداً في فلسطين .. قالها لي يومها بحسرة غريبة .. صديقي خرج من فلسطين وعمره 7 أعوام .. أسأله هل تتذكر أي شيء هناك فيجيبني أنه يتذكر الفتاة التي كان يلعب معها .. وكيف أنه لا يعرف ماذا حدث لها ..أضحك انا .. يسخر مني ساعتها أن هذه الأشياء هي التي ربما تبقى .. ربما ستذكر هي فلسطين لأنها كانت تلعب معه .. ربما يذكر هو فلسطين لأنه كان يلهو معها هناك ..
قلت له أن ما يقوله هو شيء قريب للشعر حقاً .. قال لي في كل الحالات يكون أعذب الشعر أكذبه إلا في هذه الحالة .. يصبح أعذب الشعر أحقـ .. صمت ولم يكمل الكلمة ثم سألني : هو مصدر حقيقي ايه ؟! .. ثم أكمل : أحققه.. وأكمل : ايه العته دا

** **** **

ناجي العلي ..
لم يكن صديقي يحب ناجي العلي كثيراً .. ربما هي مرة أو مرتين التي تحدثنا عنه فيها .. لا أقصد أنه كان يكرهه .. لكنه لم يكن يحمل له شعوراً معيناً
حدثني هو مرة أنه يحب كاريكاتيراً معيناً لناجي .. في اليوم التالي وجدت منه هذا الكاريكاتير على بريدي الإلكتروني .. ومازلت أحتفظ به حتى هذه اللحظة
يقول الرجل : "بشرفي لأحلق شواربي إذا هالأنظمة حررت شبر من القدس" وترون كيف صار حاله في الصورة رقم 2
سألته بعد أن وصل لي الكاريكاتير لماذا هذا الكاريكاتير بالذات ..
قال لي لأنه هو أساس كل شيء .. أساس الضياع وأساس النصر ..
صديقي هذا قلت له أنه شاعر .. وقال لي أنه لا يكتب الشعر ولن يكتب الشعر لكنه فقط فلسطيني ..
يوماً سألته ما هي أقرب التنظيمات أقرب إلى قلبه .. حماس .. فتح .. الجهاد ..
نظر لي وقال كلمة خارجة نوعاً ثم أضاف أنهم كلهم طين .." الحل إيه يعني" سألته وأنا لا أدري حقاً ماذا أقول ..
مط شفتيه وهز كتفيه .
** ** ** **
في بداية تعارفنا .. لا أدري ما الذي حدث لكني أظهرت بعض التعاطف .. نظر لي نظرة غريبة ثم قال : " أنا صعبان عليك ولا ايه "
هززت رأسي بقوة .. قت له بكل صراحة : " أنت مش صعبان عليا لأني مش متخيل الوضع الي انت فيه .. دا شيء لا يمكن وصفه أساساً عشان أحس أنا بيه "
من يومها ونحن أصدقاء .
** ** ** **
صديقي كان يتحدث المصرية كأهلها .. رغم انه كان يعتبر أن مصر خانت القضية في 1979 .. ولكنه كان غالباً ما يشوح بيديه ويقول لي :" يا عم كل واحد بيدور على مصلحته .. عملتوا ايه جديد يعني" .. لم أحاول أبداً أن أتحدث معه طويلاً في هذا الموضوع .. صرنا نحاول _معاً ربما_ أن ننسى هذا التاريخ
** ** ** **
صديقي لا يشبه حنظلة بطل ناجي العلي .. صديقي لا يشبه ناجي العلي .. صديقي يشبه نفسه .. لهذا ربما شعرت أن ناجي العلي .. حنظلة .. صديقي .. بينهم خيط رفيع ..
أن كلاً منهم يفهم نفسه ..
** ** ** **
تحياتي لرفيق الكفاح المسلح كما كان يسمي الثانوية العامة :)
ولو اني لا أعرف أين حطت به الرحال هذه الأيام .. أختفى فجأة .. ولم نعد نسمع عنه شيئاً ..
تحياتي .. رغم اني لا أعرف أين أنت .
** ** ** **
ملحوظة_ربما_ لا علاقة لها بالموضوع :
أنا غير مطبع بأي شكل من الأشكال .

الاثنين، 10 سبتمبر 2007

كوابيسي الجميلة

.. دائماً ما أحلم بكوابيس
ولكن كوابيس هذه الفترة بالذات من نوع خاص . تكون أحداث الكابوس هي نفس ما حدث في أمر من أمور حياتي , ولكن .. مع فارق بسيط , أنها تصبح أسوأ .. تتطور الأحداث بشكل غريب لتصبح أسوأ بكثير مما أعيشه .. أكثر تعقيداً .. أكثر صعوبة ..
بالطبع أصحو من النوم شاعراً بإنقباض , لكنه لا يلبث أن يتلاشى , بل ويحل محله شعور راحة غريب لأن حياتي كان بإمكانها بكل بساطة ..
أن تكون اسوأ ..

الاثنين، 20 أغسطس 2007

Some people live a lifetime in a minute

">


" No mistakes in the tango Donna , Not like life "

مطار . رنا .. وأم في غاية الجمال

أنا أحب المطار .. من الأماكن التي تعني لي كثيراً , أنا أحب المطارات حقاً .. ربما لكثرة ما سافرت , ربما لكثره ما سأسافر , لكني حقاً أعتبر المطار تجربة لابد من أن يخوضها الإنسان حتى أعتبر أنه رأى الكثير .ربما المطار يجذب نظري دائماً باعتباره المكان الذي تظهر فيه العواطف والمشاعر بشكلها الخام والبكر , لعلي هذه اللحظة أعتبر كلمة حب مرادفاً لمشهد رأيته وأنا مسافر . لن أنسى المشهد في حياتي , كلما ذكرت كلمة حب أمامي أرى المشهد أمامي مرة أخرى , فتاة شابة تركض والدموع لم تترك مكاناً في وجههاً نحو رجل يحمل حقائبه .. تحتضنه قبل حتى أن ينزل الحقائب على الأرض , ترتمي في حضنه بالمعنى الحرفي لكلمة حضن . ظل هذا المشهد في خيالي طويلاً

هذه المرة لست أنا من سيسافر . لكن الأمر لا يختلف طالما سأكون في المطار .. في أي حالة أرى فيها المطار أعرف أن يومي سيكون يوماً مميزاً

أوصلت أقاربي , للحظات شعرت بحسد لهم .. أنتم سترون أشياء لن أراها , هذا الشعور يتحول لنوع من الزهو في حالة لو أنني من سيرحل .. ودعتهم ثم كدت أرحل لولا أنهم أخبروني أن الطائرة ستتأخر قليلاً , أخبروني بالهاتف المحمول في اللحظة التي كنت فيها أفتح باب السيارة .. لا بأس سأنتظر في المطار .. قلتها بهدوء وبلا أي نوع من الامتعاض , بالعكس ربما شكرت الظروف .. حاولوا إثنائي عن هذا لكني كنت مصراً للغاية ..

اخترت كرسياً في مكان منعزل بعض الشيء ,المطار هذه الأيام يبدو كحافلة نقل عام .. جلست , ثم أخرجت رواية التلصص لصنع الله إبراهيم .. هذه الأيام أنا أقرأ كثيراً لصنع الله .. ربما لتعويض الفترة التي كنت فيها لا أعرف من هو , لا أظن أنه من العيب أن أعترف بجهلي .. لكني حقاً لم أكن أعرف عنه الكثير .. بعدها ندمت للغاية لأني اكتشفت اني حرمت نفسي من كتب في غاية الروعة .. أخرجت التلصص كما قلت وبدأت في القراءة .. في المعتاد عندما أقرأ أنسى أصلاً أين أنا .. لهذا يمكن تخيل مدى دهشتي حين شعرت بأحد ينقر على ركبتي .. حركت الكتاب من أمام عيني لأفاجأ بطفلة في غاية الجمال .. هل تعرفون الفتاة الصغيرة التي تظهر مع نانسي عجرم لتقول : أسمها حلا .. تشبهها تماماً لكن لو استبدلنا شعر الفتاة بالأسود .. استغرق الأمر بضع لحظات لأعقد حاجبي وأرسم على وجهي ابتسامة وأسال : نعم ؟ " شو بتقرا ؟! " .. بعد أن تغلبت على صدمة اللهجة , كدت أسالها هل لها أخت أسمها حلا .. لكني كتمت خواطري بصعوبة وأنا أضحك وأقول : " رواية " .. " إصة؟ " .. هززت رأسي أنها (إصة) .. "شو أسما " .. هل ستفهم معنى كلمة التلصص .. فكرت قليلاً ثم غلبتني رغبة العبث : " التلصص " .. عقدت حاجبيها لتتساءل : " تلـ.. ولا تكمل الكلمة .. ضحكت من قلبي لكني توقفت عن الضحك وأنا ألمح حاجبيها ينعقدان .. قلت لها بسرعة : " أنا نفسي أنطق الأسم بصعوبة "

حركت رأسها .. " عندك كم سنة ؟ " .. " عشرة .. وأنت ؟ " .. أعجبتني جرأتها للغاية .. "19 " قلتها فقالت لي فوراً : 9 سنين فرق بيناتنا " .. "تقريباً ".." شو أسمك ؟ " .. سألتني فقلت لها أحمد .. وسألتها .. " رنا "

" عن شو بتحكي الأصة " .. " للحظات لم أستطع الإجابة .. القصة في غاية التعقيد .. لم أجد إلا كلمات عامة للغاية " عن مصر من زمان اوي " .. هزت رأسها متفهمة ثم قالت لي : " أنا بحب إقرا " .. هززت رأسي مشجعاً ثم سألتها : "انتي من سوريا ؟ " .. "أبوي من مصر .. وأمي من لبنان " .. هززت رأسي أنا هذه المرة .. خطر في بالي خاطر للحظات ثم سألتها : " أنتي تايهة " .. لم يبد عليها أنها فهمت سؤالي .. فقلت : " عارفة ماما فين ؟ " .. هزت رأسها سريعاً .. " ماما بتخلص الوزن " .. هززت رأسي مطمئناً ثم سألتها : " انتي بتحبي تقري ايه ؟ " .. " بحب اقرا شعر " .. نظرت لها بذهول .. " شعر مرة واحدة " .. هزت رأسها في سعادة وهي تتحرك لتجلس بجواري .. " بحب اقرا شعر " .. " لمين يعني مثلاً " .. " ماما عندها كتاب لشاعر اسمه قباني .. بحب اقرا شعره " .. انا وصل ذهولي لمداه .. " نزار قباني ؟؟ " .. هزت رأسها بسعادة .. ثم أكملت لتشرح لي أنه الشاعر الذي يغني كاظم الساهر قصائده .. مازالت ملامحي متجمدة لا أعرف ماذا أنطق .. أكملت هي : " تعرف سلاف فواخرجي .. ظهرت معه في غنية " .. أكملت أنا لأني أعتبر سلاف من أجمل من رأيتهن في حياتي .. "سلاف فواخرجي .. هو فيه حد ما يعرفهاش ؟ " .. انتبهت لشيء آخر فسألتها .. " هي ماما قالت لك تستني في مكان معين " .. " لا بس هي لما تخرج من الوزن أنا بشوفها " .. هززت رأسي .. ثم لم أستطع كتمان الجملة : " ماشاء الله عليكي " .. ابتسمت هي ولم تعلق .. " أمال بابا مش هيسافر معاكم ؟ " .. "بابا وماما متطلقين .. لكن ماما بتجيبني في الأجازة عشان اقعد معه , وهي بتقعد ف اوتيل .. " .. الحلو ما يكملش .. " ربنا يخليكي ليهم " .. " أنت فين ماما وبابا " .. قلت لها أنني كبير بما فيه الكفاية لكي لا تسألني هذا السؤال فضحكت .. أشرق يومي مع ضحاتها فعلاً .. " دمك خفيف كتير " .. عندما يأتي المدح من طفلة , وطفلة في جمال وعقل هذه الطفلة يصبح كأنه أجمل شيء في الوجود .. " شكراً " .. " عندك أخوات " .. سألتني فقلت لها أثنان .. واحدة في مثل سنها وواحد في الثانوية .. " أختي الكبيرة بالثانوية هادي السنة " .. "ربنا يوفقها " .. " أنت بتدرس ؟ " .. "آه .. في كلية الطب " .. ظهر الإنبهار على وجهها .. " بتلبس بالطو " .. كتمت ضحكاتي بصعوبة وأنا أقول نعم .. سألتني : " شو معنى التلص..." .. كتمت ضحكاتي ثانية ثم فكرت قليلاً .. " عارفة لما واحد يراقب حد .. زي التجسس كدا .." كدت أكمل لولا أنها نهضت من مكانها فجأة وركضت بعيداً .. هل انا مرعب لهذه الدرجة .. لحظات وعادت .. لم ألحظ أن معها أحداً إلا بعد أن قالت .. " أحمد .. هايدي ماما " .. نظرت لـ"ماما " وتسمرت عياني للحظات .. الآن عرفت من أين أتت رنا بكل هذا الجمال .. تمتمت في سري أن "سبحان الله " ..الآن أعرف من أين يأتي اللبنانيون بكل هذا الجمال .. ما الذي يدفع رجلاً عاقلاً لأن يطلق فينوس .. صافحتني وهي تبتسم .. "ميرسي كتير على ذوقك , وميرسي أنك استحملت رنا " .. ابتسمت وقلت الحقيقة : " المفروض أني أقول ميرسي لرنا على الفرصة السعيدة دي " .. ضحكت واحمر وجهها للحظات .. " ميرسي " .. هززت رأسي .. " الطيارة معادها قرب كتير " .. قالتها .. سلمت علي رنا .. مدت قامتها لأعلي فأعطيتها وجنتي .. قبلتني .. ما أجمل هذه المشاعر عندما تأتي من الأطفال .. لم أجد ما أفعله إلا أن أقول لها : شكراً .. تذكرت تعبيراً لداليا.. قالته مرة في قصة من قصهها .. فكررت .. شكراً يا قطعة السكر .. سلمت على أمها .. وقلت في صدق : " نورتوا مصر .. بجد " .. شكرتني ثم أمسكت بيد رنا .. ابتعدوا خلف البوابة الزجاجية .. وجدت رنا تلوح بيدها .. لا أعرف هل ستيتطيع رؤيتي من خلف الزجاج .. آخر مرة كنت فيها خلفه كان معتماً تقريباً , أم أن هذا كان في مكان آخر .. تحركت من مجلسي .. مشيت قليلاً بميل . حتى صرت أراهم بزاوية ما .. لوحت لها بيدي .. رأتني ولوحت بيدها هي الأخرى وكذلك فعلت أمها ..

عدت لمكاني مرة أخرى .. لا أعرف .. هل مازال أقاربي كل هذا الوقت في الطائرة .. خير ؟ .. كدت أتصل بهم لولا أني سمعت صوت شجار .. تحركت لمكان الصوت لأني فضولي بشكل مرعب .. وجدت رجلاً خليجياً بقميص وبنطال .. يصرخ في وجة آخر .. دققت للحظات وشعرت أنه ينتمي لقائمة دول : "الهند باكستان بنجلاديش "

إختلاف على الأدوار فيما يبدو .. المشكلة أن ذو الجنسية المختلف عليها كان يدفع أمامه عربتين ومعة ثلاث فتيات .. يعني أنه سبق الخليجي على ما يبدو بفترة .. الخليجي مستمر في الصراخ ولا أحد من أي طرف يتدخل .. المشكلة أنه يستخدم ألفاظاً نابية باللغة الإنجليزية .. بين حين وآخر يقول stupid لكنه يستمر في قول كلمة سيئة للغاية يترجمونها عندنا في القناة الثانية على أساس أنها " أيها الوغد " .. للحظات شعرت بالابتذال مما يحدث .. نظرت لمن معه فوجدت فتاة ترتدي العباءة التقليدية وتضع على عينيها منظار شمس عملاق .. انتهى الأمر حين تدخل ضابط المطار وصرخ في وجة الجميع ليعود الأمر كما كان ..

انتهى الأمر على ما يبدو .. شعرت حينها بالحرج من وقوفي بهذا الشكل.. وبالخجل من نفسي .. وجدت نفسي أقول : المولد شطب يا جماعة .. لتتصاعد ضحكات متفرقة ..
أخرجت الهاتف لأتصل بهم .. وجدت الفتاة التي رأيتها تضع على وجهها المنظار الشمسي وهي تقبل شخصاً أصلع بعض الشيء وشعره الباقي تحول للأبيض , رث الثياب نوعاً ما وأم بدينة ترتدي جلباباً تقليدياً .. مصرية هي إذن .. وجدت خلفها زوجها إذن , وهو ينتظر ليسلم على أبيها وأمها ..
أنا لا أحاول أبداً أن أحمل وجهه نظر عنصرية من أي نوع وأكرر دوماً أني أرفض أي تقسيم من أي نوع لأن الله ذاته قال أن البشر جميعهم سواسية ..
لكني لم أستطع منع شعور الأسى الذي تسلل لي .

المتابعون